أطلق المغرب في الأسبوع الماضي خطوة جديدة في إطار مخطط هيكلة المجال الديني بالمملكة، ويتعلق الأمر ب«معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات»، الذي دشنه الملك محمد السادس، بحي العرفان بالرباط، ليكون مؤسسة لتكوين وتأطير الأئمة والمرشدين والمرشدات، مغربيا ودوليا. وحسب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فإن هذا المعهد سيكون أداة من أدوات المقاربة التي أطلقها الملك محمد السادس «في مجال سياسة حماية الملة والدين، تلك المقاربة المبنية على ضرورة الحفاظ على المرجعية الدينية للمملكة المرتكزة على إمارة المؤمنين والعقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف المستمد من سلوك الإمام الجنيد، وهي ثوابت مشتركة تنتهي أسانيدها إلى المغرب بالنسبة لمجموع أهل بلدان إفريقية الغربية». تقوم البناية الجديدة للمعهد على قطعة أرضية مساحتها 28.687 مترا مربعا، وتتكون من ثلاثة أجنحة، هي: الجناح التربوي الذي يتسع لحوالي 1250 مصليا، وسيكون مكانا للتكوين على الإمامة والخطابة والوعظ والإرشاد؛ وهو في نفس الوقت مفتوح للجمهور، وقاعات للتدريس، وقاعات للتدريب على استعمال الإعلاميات، ومدرجات ومكتبة وقاعات متعددة الاختصاصات، وجناح الإطعام والإقامة، والجناح الاجتماعي والرياضي، ويتضمن مرافق عدة كالمسجد ومواقف السيارات وقاعة وملعبا للرياضة وقاعة التمريض وقاعة الغسيل ومستودعات الملابس ومساكن وظيفية ومساحات خضراء. وقد بلغت تكلفة بناء هذا المشروع حوالي مائتي مليون درهم (200 مليون درهم)، كما كلفت التجهيزات الإدارية والتربوية والإعلامية والرياضية وأدوات الطبخ 24 مليون درهم، وتقدر مدة بناء المعهد وتجهيزه بتسعة أشهر. وعلاوة على المهمة الرئيسية للمعهد، وهي تكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات المغاربة، سيضطلع المعهد بتكوين أئمة أجانب من دول عربية وإفريقية وأوروبية. وكان مشروع التكوين قد بدأ في السنة الماضية بمقر دار الحديث الحسنية بالرباط بشكل مؤقت، لفائدة عدد من الأئمة والمرشدين من المغرب وخارجه. فإضافة إلى 150 إماما مرشدا و100 مرشدة، هم المشروع أيضا 106 أئمة طلابا من مالي، و37 من تونس، و100 مرافق وأستاذ من غينيا، و75 من كوت ديفوار، و23 من اتحاد مساجد فرنسا. وبدأ انفتاح هذه التجربة على أئمة أجانب منذ الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس إلى دولة مالي عام 2013، بمناسبة تعيين رئيس جديد لها، حيث أكد في خطاب بالمناسبة قرار المملكة الاستجابة لطلب رئاسة جمهورية مالي، المتمثل في تكوين 500 إمام في خمس دورات، مدة كل دورة منها سنتان؛ ومنذ إعلان المغرب تلك المبادرة تقاطرت طلبات أخرى من بلدان إفريقية وعربية، كغينيا وغينيا كوناكري وكوت ديفوار وتونس وجمعية اتحاد فرنسا، وهي الطلبات التي وافق عليها المغرب. وفي 20 ماي من العام الماضي، صدر الظهير المتعلق بإحداث المعهد، حيث حددت أهداف هذا الأخير في تكوين الأئمة المرشدين والمرشدات في مجال الإمامة والإرشاد، وتمكينهم من المناهج والمعارف التي تؤهلهم للقيام بالمهام الموكولة إليهم، وتكوين وتأهيل واستكمال تكوين القيمين الدينيين الأجانب، وتنظيم دورات للتكوين المستمر في مجال اختصاصه، وتنظيم أطوار دراسية وندوات وتداريب لاستكمال خبرة الأئمة المرشدين والمرشدات، والقيام بالأبحاث الرامية إلى تطوير أداء الأئمة المرشدين والمرشدات. وأكدت المادة 21 من الظهير على أن المعهد يمكن أن يقوم بتكوين القيمين الدينيين الأجانب أو تأهيلهم أو استكمال تكوينهم «في طور خاص تحدد، بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف والشؤون الإسلامية، كيفية تنظيمه وتحديد مضمونه ومدته، حسب اختلاف الحالات المتفق عليها مع الجهات المتقدمة بطلب التكوين». وتتضمن مواد التكوين المواد المرتبطة بأساسيات العلوم الشرعية الضرورية للإمام، والتكوين في مجال اللغات، وبعض العلوم الإنسانية الضرورية، وتاريخ البلد الأصلي للإمام ومؤسساته الحالية، والتطبيقات في الإمامة والإرشاد. ويرمي المغرب من وراء إطلاق هذه التجربة، إلى تحقيق هدفين، الهدف الأول يتمثل في توفير تكوين حديث ومواكب للأئمة والمرشدين والمرشدات، بما يتوافق مع الخطة الجديدة التي أطلقها في عام 2004 بشأن هيكلة المجال الديني وتوحيد الخطاب والمرجعية، والهدف الثاني يتمثل في الترويج لنموذجه لدى البلدان الإفريقية بشكل خاص، من خلال نشر قيم الاعتدال والوسطية وتحويل المغرب إلى قطب إفريقي للإصلاح الديني.