«لم يكن غرضي الانتقام، بقدر ما كان إبراء ساحة والدي المسن، الذي تمت متابعته في حالة اعتقال احتياطي بناء على شواهد طبية مزورة»، هكذا يقول مقاول يتحدر من مدينة صفرو، وهو يشرح ل«المساء» تفاصيل صادمة لقصة طبيب في قسم المستعجلات في المستشفى الرئيسي بمدينة تاوريرت، تم اعتقاله يوم الخميس الماضي، في حالة تلبس، وهو يزاول عمله، رفقة حارس أمن خاص اتهم بالوساطة في هذه القضية مقابل تلقي نصيبه من العمولة. الطبيب وقع لفائدة المقاول شهادة طبية لفائدة والده المسن، الذي كان يوجد في تاريخ توقيع الشهادة خلف القضبان بالسجن المحلي لوجدة، كما وقع له شهادة أخرى لفائدة جدته التي توفيت منذ مدة، وحازت عناصر الشرطة القضائية على شهادة ثالثة لفائدة المقاول ذاته تحمل اسم شخص يوجد بدوره في قائمة المتوفين، وبرقم بطاقة وطنية تعود للمقاول المشتكي. بداية القصة، حسب «ع.ج»، الذي أوقع بالطبيب رفقة حارس الأمن الخاص بتنسيق مع وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية لتاوريرت، وتعاون مع عناصر الشرطة القضائية، تعود إلى بداية شهر مارس من سنة 2014، عندما دخل والده، الذي يبلغ من العمر حوالي 73 سنة، في نزاع مع شخص آخر في ضواحي بلدة «دبدو» حول أرض فلاحية، ومعاملات تجارية، أفضى، في تطور مفاجئ، إلى اعتقال والده «ع. ج»، اعتمادا على شواهد طبية مطعون في مصداقيتها، وإحالته على السجن المحلي بوجدة. الابن، وفي معرض بدء تحرياته، أمام هول صدمة الاعتقال على خلفية ملف حضر معظم تفاصيله، وتحول فيه المشتكي إلى مشتكى به، قرر بعد اطلاعه على حيثيات الاعتقال، اللجوء إلى خدمات نفس الطبيب الذي استعان به الخصم ل»تبرئة ذمة والده»، وإسقاط تهمة الضرب والجرح التي اعتقل بسببها والده. وعوض أن يطعن في مصداقية الشواهد الطبية، قرر أن يسلك مسلكا مغايرا وأطاح في نهاية المشوار بالطبيب. قصد «ع. ج»، صباح يوم الثلاثاء 10 مارس الجاري، منزل الطبيب بمدينة تاوريرت، وادعى أنه يرغب في الحصول على شهادة طبية لفائدة والده الذي تعرض حسب إفادته للطبيب لحادثة سير، يوم 12 فبراير الماضي، واشترط المشتكي أن لا تتجاوز مدة العجز في هذه الشهادة مدة 26 يوما، وقال إن الغرض من وراء رغبته في الحصول على هذه الشهادة هو تمكين والده من استرجاع رخصة السياقة. وافق الطبيب وطلب منه انتظاره في المستشفى، وعندما دخل إلى مكتبه، طلب منه مهلة كانت عبارة عن «مشاورات» أجراها الطبيب مع حارس الأمن الخاص المعتقل بدوره على خلفية الملف. لم يتسن للمشتكي أن يلج المكتب، لكن حارس الأمن الخاص تكلف بالقضية، إذ أبلغ المشتكي بأن مقابل الحصول على هذه الشهادة محدد في مبلغ 700 درهم، إلى جانب عمولة يتسلمها الحارس، ولم يمر سوى وقت وجيز حتى تمكن المشتكي من الحصول على الشهادة الأولى التي تحمل تاريخ 13 فبراير الماضي، وتشير إلى أن والده تعرض يوما قبل ذلك لحادثة سير، ومدة العجز بها محددة في 25 يوما، في حين أن كل الوثائق تشير إلى أن الحاصل على الشهادة كان حينها رهن الاعتقال، ولم يفرج عنه بشكل مؤقت إلا يوم 24 فبراير الماضي، لدواع صحية مرتبطة بعملية جراحية أجريت له على مستوى القلب. انتقل المشتكي إلى مرحلة أخرى، وطلب من الحارس ذاته تمكينه من شهادة أخرى في اسم جدته المسماة قيد حياتها «الحوشي خضرة»، والتي تؤكد المعطيات أنها توفيت بتاريخ 21 ماي من سنة 2013 بمدينة طنجة، بمبرر أنها كانت رفقة والده عندما ارتكب حادثة السير. مباشرة بعد ذلك توجه «ع. ج» إلى مكتب وكيل الملك بابتدائية تاوريرت، حيث استقبله على التو، دون أن يصدق ما سمعه من المشتكي، وهو يتفحص الشواهد الطبية التي حصل عليها. ولأن القضية لها حساسية، ولأن الأمر يحتاج إلى التثبت، فإن المسؤول القضائي أكد على ضرورة اتخاذ ما يلزم من إجراءات مسطرية لتأكيد صحة ادعاءات المشتكي. وأبدى هذا الأخير استعداده لمرافقة عناصر الشرطة للحصول على شهادة طبية ثالثة لشخص آخر متوفى. وفي سرية تامة، باشرت عناصر الشرطة عملها في هذه القضية. ومن مفاجآت تطور الأحداث، أن المشتكي وجد حارس الأمن المشتكى به قد غادر عمله بعد انتهاء ساعات مداومته، لكنه مع ذلك، حضر بناء على مكالمة هاتفية، وأخذ عمولته، وأرسل رسالة هاتفية قصيرة للطبيب يخبره فيها بأن المشتكي يرغب في شهادة طبية لشخص يدعى قيد حياته «أحمد جيد»، والذي توفي في سنة 2009، على إثر حادثة سير، والغريب أن الحارس طلب منه رقم بطاقته الوطنية، فسلمه المشتكي رقم بطاقته الشخصية، ودون أرقامها في هذه الشهادة. وبينما كان المشتكي بصدد تسلم الشهادة الطبية، بعدما منح المبلغ المالي الذي تم استنساخه بمقر الشرطة القضائية تدخلت عناصر الشرطة لتطويق الأطراف، حيث تم اعتقال الحارس، وسحب هاتفه النقال، وتم حجز الشهادة الطبية، وتم اعتقال الطبيب، وحجز هاتفه، كما تم تفتيش سيارته، وتم حجز مبلغ مالي لفائدة الطبيب، إلى جانب حجز دفتر الشواهد الطبية الذي كان بحوزته، وأعلنت السلطات الأمنية حالة استنفار بسبب هذه القضية المثيرة، وتم الاحتفاظ بالطبيب وحارس الأمن الخاص رهن تدابير الحراسة النظرية، قبل إحالتهما على أنظار المحكمة، في حالة اعتقال، وبعد ذلك تم نقلهما إلى السجن المحلي بتاوريرت، في انتظار النظر في هذا الملف المثير.