تقرير غولدستون تمت دراسته بعناية أيضا من قبل الأطراف الآخرين الذين يتطلعون إلى إبادة دولة إسرائيل، وهم راضون ولا شك. ليس فقط لأن التقرير يعفي عمليا حماس في غزة من كل عقاب، وعلى أي حال لا يحتاجون إلى الخوف من أن ترفع ضدهم دعوى في المحكمة الدولية إلا إذا كان بوسعهم أن يفسروا التقرير كإذن دولي لتنفيذ عمليات عسكرية من مراكز سكانية مدنية –مدارس، مستشفيات ومخيمات لاجئين- مثل ما فعلوا في السنوات التي أطلقوا فيها الصواريخ على بلدات في إسرائيل ومثلما واصلوا فعل ذلك أثناء عملية الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. واضح لهم من التقرير أن خندقة وحداتهم العسكرية في المراكز السكانية المدنية وإطلاق النار من هناك نحو العدو، سواء كان عسكريا أو مدنيا، سيكون من الآن فصاعدا تكتيكا يمكنهم أن يطبقوه دون خوف. كما يمكنهم أن يتمتعوا بحصانة جزئية، على الأقل، من عملية رد من جانب إسرائيل، التي ستضطر إلى الامتناع عن الرد خشية أن تتهم بارتكاب جرائم حرب. تقرير غولدستون هو عمليا رخصة للقتل، لحماس، لحزب الله ولكل الخصوم في أرجاء العالم، لا أقل ولا أكثر. «لقد غيروا القواعد»، قال بوضوح سبيرو اغينيو، نائب نيكسون، الذي انكشفت ألاعيبه. وقد استقال في 10 أكتوبر1973. كان هذا قبل 36 سنة، في عهد حرب يوم الغفران، الحرب في ميدان المعركة التقليدية، الدبابات ضد الدبابات، الجنود ضد الجنود، وبدون مدنيين في المحيط، وكذا بدون تحقيقات عن ارتكاب جرائم حرب. ولكن منذ الانتصار الإسرائيلي، تغير الوضع. في ضوء القوة الهائلة للجيش الإسرائيلي أصبحت العمليات ضد الإسرائيليين السلاح الأساس للأعداء. والآن يغير تقرير غولدستون قواعد القتال ويقف إلى جانب الخصوم طالما كانوا يعملون في محيط مدني، فليس لديهم ما يدعوهم إلى القلق. حزب الله في لبنان كان السباق إلى تطبيق التكتيك في حرب لبنان الثانية. حماس في غزة، هو من أرشدها، سارت في أعقابه. تقرير غولدستون يخلد الآن هذا الوضع في وثيقة قانونية دولية، يمكن أن تستخدم في الصدامات مع المقاتلين في المستقبل. وسيكون لذلك آثار بعيدة المدى على الحرب ضد الحرب في كل مكان. هذا الوضع سيكون صعبا على نحو خاص على إسرائيل، التي يعيش مواطنوها تحت تهديد مستمر تقريبا. في حملة «السور الواقي» أثبت الجيش الإسرائيلي بأنه يمكن إلحاق الهزيمة بالخصوم بوسائل عسكرية. فقد طورد رجال حماس واصطفوا في أماكنهم، أو القي القبض عليهم وقدموا إلى المحاكمة. ومنذئذ توقفت عمليات القتال من يهودا والسامرة ضد مدنيين إسرائيليين. الآن بعد تقرير غولدستون سيكون من الصعب تكرار حملة من هذا النوع. التقرير هو ضربة للحرب ضد الخصوم في كل مكان، وستتضرر منه كل الدول المقاتلة ضد أعدائها. وينبغي العمل على أن يكون للدول المؤثرة القوة والرغبة السياسية لرد التقرير وتبيان أن جرائم الحرب هي الأعمال التي تنفذ من داخل مناطق مدنية. وليس محاولة تصفية هذه الأعمال؛ إذ أن استخدام المدنيين كدرع بشري هو جريمة حرب. إذا لم يحصل هذا، فيمكن التوقع بأن مناطق مأهولة بكثافة بالمدنيين ستصبح قواعد لنشاط قتالي في أماكن عديدة من العالم، ويتوقع أن يمنح القانون الدولي المقاتلين حصانة ضد الهجمات المضادة. إسرائيل ستجد السبل للدفاع عن نفسها أيضا في هذه الظروف المتغيرة. ولكن واضح أن المسيرة السلمية ستتضرر. هذا لن يكون الزمن المناسب لمخاطر كبيرة. شكرا، أيها القاضي غولدستون. الطريق إلى جهنم مبلطة بالنوايا الحسنة...