إن الاستقرار في حياة المدرس (ة) المهنية، يلعب دورا أساسيا، وينعكس إيجابيا على أدائه المهني، خاصة في نوعية التعامل مع فلذات الأكباد بطريقة تنم عن الأبوة والأمومة، بشكل تبرز انعكاساته على الإقبال منقطع النظير في التوافد على المؤسسة التربوية قصد التسجيل وإعادة التسجيل، باعتبارها الملجأ الثاني المحتضن بعد البيت، حيث يجد الطفل الفضاء المتنوع من حيث ممارسة الأنشطة، واللقاء بالأقران، في جو مفعم بالحرية سواء داخل فضاء الفصل أو خارجه. كيف يمكن النهوض بمدرستنا العمومية؟ سؤال جوهري تتطلب الإجابة عنه الإلمام بمسار المدرسة العمومية عبر المحطات التجريبية التي خاضتها، انطلاقا من مجموعة من البيداغوجيات. بيداغوجيا التدريس بالأهداف، وبيداغوجيا التدريس بالكفايات، ثم بيداغوجيا الإدماج.. هذه البيداغوجيات التي تم التلويح بها في مستنقع الفضاء المدرسي الذي يعرف مجموعة من الإكراهات، سواء على مستوى البنيات التحتية للفضاءات المدرسية، أو على مستوى العاملين (سواء كانوا تربويين أو إداريين أو مؤطرين) الذين لم يستوعبوا بدورهم. هذه البيداغوجيات الإسقاطية، نظرا إلى ضيق الوقت في التأقلم معها من حيث دراستها والتشبع بمنظوماتها المفاهيمية، حيث لم تتبلور بعد كما ينبغي في أذهان المفتشين والمؤطرين، بله الأساتذة، مما جعل استفهاماتهم عديدة، وإجابات المؤطرين عنها تختلف باختلاف كل واحد، وبالتالي اتخذت هذه المفاهيم شكلا مبهما، ويتعذر تطبيق ما يتوخى منها، الوصول إلى المبتغى المنشود. وما أقدمت عليه الوزارة الوصية لتصحيح الوضع المتردي، من تقديم برنامج استعجالي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، يدخل في إطار هذه «الفذلكة» التي يتم إسقاطها رأسيا على القواعد، دون إشراكهم في البحث عن الحلول، للخروج من الوضعية الراهنة.. ولإعطاء حلول عملية يقترح المعلم المخضرم ما يلي: 1) التسريع بعملية دمج أقسام للتعليم الأولي في فضاء المدرسة العمومية، كما جاء في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وضمنه البرنامج الاستعجالي. 2) زيادة في الموارد البشرية لمواكبة التطورات التي تعرفها المؤسسات التربوية، من حيث التسجيلات الجديدة، وإعادة التسجيل للمنقطعين، والمنتقلين، والمتخلى عنهم.. 3) التكوين وإعادة التكوين بالنسبة إلى كل العاملين بالمدرسة العمومية، وبطريقة تختلف عن تلك التكوينات الماراطونية، التي يغلب عليها الطابع النظري الشفوي. 4) إيلاء الأهمية القصوى للنظم المعلوماتية في مجال التكوين، لتذليل صعاب التواصل، والتكوين عن بعد، لربح رهان الجودة المأمولة في المدرسة العمومية. 5) خلق لفيف مؤسساتي (وهذا مهم جدا)، حيث يمكن ارتباط مجموعة من المؤسسات (في حدود خمس)، تنتمي إلى نفس المحيط بمفتشين (2) أو مؤطرين (2) لا يخرجان عن هذا النطاق، لتأطير هذه المؤسسات، عبر برنامج مسطر يتم الاتفاق عليه، لتحديد الأهداف المرجو تحقيقها عبر سيرورة زمنية تتحدد وفق ما اتفق عليه بين الطرفين (الأساتذة والمؤطرين). وهذا طبعا يتطلب فتح باب مركز تكوين المفتشين على مصراعيه، لتدارك الخصاص المهول الذي يعرفه هذا الجانب.. فلا يعقل أن يكلف مفتش بتأطير مقاطعة تربوية تتضمن على الأقل عشرين مؤسسة تربوية بما فيها المجموعات المدرسية وما أدراك ما المجموعات.. فطبيعي أن يكون عمله روتينيا، ولا يخرج عن نطاق المراقبة بمفهومها التقليدي. ولا يعقل أيضا أن المدرس لم يجد إلى جانبه من يؤطره في الجانب البيداغوجي المستحدث لسنوات تفوق الثلاث. إذن، كخلاصة، لا يمكن للبرنامج الاستعجالي أن يكتب له النجاح، إلا إذا توفرت الشروط الضرورية لنجاحه، كفتح مراكز التكوين بالنسبة إلى المعلمين والمعلمات، والمفتشين والمفتشات، لمواكبة زحف التسجيلات، إضافة إلى بناء المؤسسات، والاهتمام ببنياتها التحتية، بإشراك طبعا الجمعيات العاملة داخل المؤسسات التربوية والجمعيات المواطنة وجمعيات المجتمع المدني والجماعات المحلية الحضرية والقروية والأسرة، وكل من له صلة بعالم الطفولة.