لا أحد بإمكانه أن يجزم الآن بما إذا كانت المصالحة الفلسطينية، التي أعلنت القاهرة أنها ستوقع في الخامس والعشرين من هذا الشهر، ستنجز فعلا أم لا؛ وإذا ما تمت، ففي أية أجواء وعلى أي مستوى بعد أن كان المتوقع حفلا بهيجا قد يحضره الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل بمعية ممثلين على مستوى عال لكل من الجامعة العربية ومصر وسورية والسعودية والأردن واليمن. ورغم أن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط سعى إلى تخفيف انعكاس فضيحة تأجيل قرار غولدستون على هذه المصالحة، فإن ذلك لا يمنع أبدا من القول إن هذه المصالحة باتت اليوم محل شك كبير إن لم تصبح في مهب الريح، شئنا أم أبينا؛ وإن قدر لها أن تتم، فلن تكون، على الأرجح، إلا باهتة وبعيدة عن الأجواء الاحتفالية التي كان يفترض أن تصاحبها باعتبارها انفراجا حقيقيا لوضع محتقن ولحالة انقسام قاسية تجاوزت العامين. ما جرى في جنيف أمر لا يمكن تبريره أو غفرانه بحال من الأحوال، ولن تجدي حالة النكران أو التهرب من المسؤولية التي انتهجها، إلى حد الآن، الرئيس الفلسطيني والتي كان من آخر مظاهرها ما صرح به للتلفزيون اليمني، يوم الاثنين، من نفي أن تكون السلطة الفلسطينية هي من يقف وراء قرار التأجيل الذي تم في جنيف، ومن نفي كذلك أن تكون أي دولة عربية أو إسلامية قد عارضت التأجيل «وكل من يدعي أنه لم يوافق كلامه غير صحيح»، كما جاء على لسانه بالضبط. في المقابل، فإن من يرصد ردود فعل حركة حماس على هذه القضية سيلاحظ، بلا شك، خطا تصاعديا واضحا في نبرة التنديد، فقد كانت البداية مع خالد مشعل في دمشق حين استهجن ما حدث دون اتهامات مباشرة للقيادة الفلسطينية، وكذلك فعل محمود الزهار في لقاء مع «تلفزيون الأقصى». ولكن مع تنامي الغضب الشعبي الفلسطيني وتعدد المواقف المنددة من الفصائل ومجمل الحركات الحقوقية الفلسطينية والعربية والدولية ومجمل التوضيحات التي وردت من دول عربية والمكرسة لمسؤولية الرئيس عباس في ما جرى، قررت الحركة -ولا أحد يمكن أن يلومها على ذلك في النهاية- أن ترفع كثيرا لهجة استهجانها وأن تصبه من جديد على شخص الرئيس، وهو ما دشنه، عمليا، إسماعيل هنية في خطابه في غزة أمام كتلته النيابية في المجلس التشريعي حين حمل الرئيس المسؤولية، بلا لف ولا دوران، وحين طالب ب»إزاحة هذه القيادة» عن الفعل السياسي الفلسطيني إذا لم نشأ للفتنة أن تستمر، كما قال. وتوج هذا المنحى مع الزهار في «الجزيرة» مساء الاثنين حين تساءل: بأي وجه يمكن أن يتم اللقاء في القاهرة وأية أيد يمكن أن نصافح؟! ما حدث في جنيف ألحق ضررا بالغا بالقضية الفلسطينية. وإذا شاء أي مراقب أن يبتعد عن لغة التخوين فلن يجد بدا من القول، كحد أدنى، إن القيادة الفلسطينية، بغض النظر عن أي مستوى شخصي تم ذلك، ارتكبت خطأ جسيما يدل، في أقل الظروف تخفيفا، على أن هناك سوء تقدير سياسيا هائلا قد تم ولا مفر من محاسبة مقترفه مهما كان. وطالما أنه من الخطأ تحويل ما جرى إلى حالة اشتباك حزبية جديدة بين «فتح» و«حماس» لأن ما جرى أكبر بكثير منهما ومن أية حالة حزبية أخرى، فقد يكون من بين الاحتمالات الأخف ضررا الآن أن تحدث المصالحة، أيا كانت حرارتها، على أن يترك الحساب للانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة، فيلقى كل طرف جزاءه مع شعبه وتكون عندها صناديق الاقتراع هي القول الفصل الذي لا قول بعده.