سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبد الإله أسكور: تلقيت حصة من الفلقة بعد أن ضبطني مدير الخيرية وأنا أدخن سيجارة خريج دار الأطفال العكاري الذي أصبح مدير القاعة المغطاة ابن ياسين بالرباط
على امتداد شهر رمضان الأبرك، تفتح «المساء» أدبيات مؤسسات دور الرعاية الاجتماعية التي كانت تعرف ب«الخيريات»، بكل ما في هذه التسمية من حمولات قدحية، في محاولة للكشف عن الجانب المشرق لهذه المرافق، وتتبع الممرات الوعرة التي سلكها «وليدات الخيرية» في مسيرة الألف ميل، قبل أن ينتفضوا ضد الفقر والحاجة ويحجزوا لأنفسهم موقعا يمنحهم مكانة اعتبارية داخل المجتمع. بعد مرور سنتين على وفاة والده، قادت الأم ذات صباح من خريف سنة 1972 ابنها عبد الإله إلى دار الأطفال العكاري بالرباط، حيث عرضت على المدير الظرفية الاجتماعية الحرجة لأسرة فقدت معيلها، وصعوبة تربية أربعة أبناء نالوا مبكرا صفة الأيتام. كانت كل شروط القبول متوفرة في الطفل، الذي كان يمسك بيد أمه وهو يمسح بعينيه الفضاء الجديد، وكأنه يرفض محاولة إيداعه هذا المرفق الجديد، لذا لم يتردد المدير في قبول الطلب وإحالة الضيف الصغير على مشرف تربوي طمأن الأم وقاده إلى قدره الجديد. يعود عبد الإله أسكور بالذاكرة إلى الوراء، وهو يتذكر أسباب نزوله في المرفإ الخيري: «والدي ينحدر من منطقة ثلاثاء الاخصاص جنوب المغرب، وكان يشتغل بالشركة الفرنسية كولاص، لكن مرضا عضالا أنهى حياته وعمري لا يتجاوز سبع سنوات أخذت والدتي بزمام الأمور وهي من أصول دكالية، وبالتحديد من قبائل أولاد سي بوحيا. كانت امرأة عظيمة ضحت بالغالي والنفيس من أجل أبنائها الأربعة رغم الظروف الصعبة، وقد كنت أتمنى أن أحقق لها الكثير إلا أن الأقدار حالت دون ذلك، إذ وافتها المنية سنة 2000 بعد مرض عضال». انتقل الطفل عبد الإله من عهدة أمه إلى عهدة مؤسسة خيرية. كانت الأم سعيدة بإيداع ابنها في «يد المخزن»، وعلى الفور بدأ الولد يتخلص من مشاعر الخوف والانبهار بالفضاء الجديد، خاصة أنه انخرط سريعا في الأنشطة التربوية والثقافية والفنية والرياضية التي تملأ هامش الفراغ. «يرجع الفضل في الاندماج الأولي للمرحوم عثمان القباج، وهو مؤطر أيضا داخل نادي الفتح الرياضي، الذي عمل على توجيهي إلى ممارسة رياضة كرة السلة، علما أنني كنت أمارس رياضة كرة القدم. أتذكر مشاركتنا ونحن أطفال في مقابلة نهائية مع ولي العهد آنذاك سيدي محمد، في إطار المهرجان الرياضي الذي كان ينظم بمدينة إفران بمناسبة ذكرى ميلاد سموه وذلك أثناء تواجدنا بالمخيم الصيفي». وحين كانت تنتاب عبد الإله بين الفينة والأخرى نزوة الخروج على النص، ينتفض مؤطروه خوفا من انفلات محتمل قد يرمي به إلى الضياع، «لن أنسى أبدا فضل الطاقم التربوي، خاصة المدير عبد الله فكري، الذي ضبطني ذات يوم وأنا أدخن فعاقبني بالفلقة أمام مرأى جميع النزلاء مباشرة بعد تحية العلم الوطني». وعلى نفس المنوال، كان المرحوم عثمان القباج يشرف على أدق تحركات النزلاء منذ ساعة الاستيقاظ إلى لحظة إطفاء الأنوار، «هذا الشخص كان إنسانا طيبا وصارما رحمه الله، إذ لم يكن يتركنا نمارس الرياضة إلا بعد أن يقوم بمراقبة برامجنا الدراسية موفقا بينها وبين الرياضة». على امتداد الفترة الزمنية التي قضاها أسكور في دار الأطفال بالعكاري أو مأوى الطالب بديور الجامع، ظل الفتى حريصا على التوفيق بين الدراسة والرياضة، دون أن يتخلى عن دوره كقيادي داخل الملعب وفي ساحة المؤسسة ومراقدها. «في دار الأطفال الرباطية كنت مناضلا أدافع عن متطلبات النزلاء مما كان يسبب لي عدة مشاكل مع إدارة المؤسسة، هذا الاندفاع والحماس كان لهما أثر على مساري الرياضي، إذ حالا دون انضمامي للفريق الوطني لكرة السلة». تابع عبد الإله دراسته الابتدائية داخل المؤسسة الخيرية، وانتقل إلى إعدادية الإمام البخاري لاستكمال تعليمه، مع احتفاظه بسرير في مأوى الطالب الخيري، الذي ظل أحد أبرز نزلائه إلى حين حصوله على شهادة الباكلوريا من ثانوية مولاي إدريس، هنا التقى عبد الإله بزوجته الحالية التي كانت زميلته في المشوار التعليمي وسندا له في بقية المشوار. حمل أسكور قميص دار الاطفال الرباطية لكرة السلة ضمن القسم الممتاز، إلى جانب نزلاء دار الاطفال العكاري كمزهار عبد الحنين –لاعب دولي سابق- ومنحول عبد الكريم ثم عبد الله بن داوود، وتمت المناداة عليه من طرف نادي الفتح الرياضي في شخص رئيسه محمد دينيا سنة 1985، ثم نادي المغرب الرباطي في شخص رئيسه عبد الحكيم بن عمر. «أتاحت لي هذه التجربة في هذين الناديين فرصة التعرف على لاعبين من المستوى العالي، أذكر منهم إدريس الهواري والحسناوي واليتريبي والدغمي والراجي ...وغيرهم من النجوم وكنت ألعب كموزع ضمن هذه الأندية». بعد أن نال شهادة الباكلوريا قرر البقاء في محيط الرياضة، والتحق بالمعهد الملكي لتكوين الأطر سلك المفتشين تخصص كرة السلة، وتخرج بميزة جاد جدا، ليدخل مجال الوظيفة العمومية، حيث شاءت الأقدار أن يعين بنيابة تيزنيت قريبا من مسقط رأس الوالد رحمه الله. هناك في سوس العالمة أشرف عبد الإله وهو في ريعان شبابه على تدريب نادي ترجي تزنيت لكرة السلة وأمل تزنيت لكرة القدم.. بقرار من الوزارة التحق عبد الإله بالإدارة المركزية لوزارة الشبيبة والرياضة، بعد تعيينه باللجنة الوطنية الأولمبية المغربية التي كان يرأسها آنذاك حسن الصفريوي والرئيس الحالي حسني بن سليمان من 1992 الى 1998، وبعد ست سنوات انضم مجددا إلى مديرية الرياضات بالوزارة، وفي سنة 2003 تم تعيينه مديرا للقاعة المغطاة ابن ياسين. عبد الإله يعترف بدور المؤسسة الخيرية في بناء شخصيته ولا يتنكر أبدا لأفضالها، بل يسعى إلى لم شمل خريجي دور الرعاية من خلال جمعية لقدماء النزلاء. انخرط أسكور الذي أصبح رب أسرة له ثلاث بنات، أكبرهن تبلغ من العمر 17 سنة وحصلت على شهادة الباكلورية شعبة العلوم لهذه السنة، في العمل النقابي والسياسي حيث يعتبر عضوا للنقابة الوطنية للشبيبة والرياضة، كما دخل حمى الانتخابات الجماعية كمرشح للاتحاد الاشتراكي ضمن لائحة عبد الهادي خيرات 2003 وحسن طارق سنة 2009.