لما انطلقت السيارة في اتجاه الدارالبيضاء، وكانت المرة الأولى التي أركب فيها سيارة كات كات، حيث شعرت وكأنهم حطوني على العمارية، خاطب الضاوي الشيفور: «عبد الحليم، غني لينا، فشرع على إثرها هذا الأخير في أداء أغنية «سواح ونا ماشي في حالي.. سواح...»!!. آسيدي عفريت، له نبرة وبحة العندليب الأسمر... ولمرافقته بدأنا في ضرب الرش. «الله ينعل الزلط». أين يصرف الوالد فلوسه؟ الواضح، والله أعلم، أنه استثمرها في تأثيث عصري أرضى خاطر زوجته: تلفاز آخر صرعة بشاشة مسطحة تحتل نصف الحائط ، (فيما أملك أنا في ضاحية باريس تلفازا بحجم علبة سردين بالأبيض والأسود)، ويلتقط أكثر من 700 قناة دولية. ثلاجة من خمسين إيطرو، آلة تصبين وتنشيف، جهاز راديو هيفي . ولما قصت علي زوجته النازلة، عرفت سر اقتنائه سرير دوليدول الذي يسع ست نفوس. في الصباح فيما كان يخلف الشاي توجهت إليه بهذه الملاحظة: «وراك تاتبورد آالوليد على النيميرو 534...» فكان جوابه: داري هاذي واللي ما عاجبو حال، أرض الله واسعة. أخذت حقيبتي وتوجهت إلى محطة القطار بعد أن أكدت له تبعا للوعد، أنني سارسله إلى الحج، لكن على ظهر بغلة عرجة!!. welcome آسي المعطي بين ظهرانيكم !! وفي القطار الرابط بين خريبكة والدارالبيضاء (لا وجود للدرجة الأولى وكأن هؤلاء المواطنين الذين خنقت أنفاسهم في مغارات رطبة مثل فئران لا يستحقون قطارات من الدرجة الأولى) جلست جنب كوكبة من الرجال أشبعوا جورج بوش وتوني بلير معيور وسبان. لكن المفاجأة حصلت لما وقف شخص على رأسي، أعرفه ولا أعرفه، ليخاطبني في مزيج من العربية-الفرنسية: آو أنت هو المعطي؟ le salaud, tu es toujours jeune الضاوي ولد عربية..ومن لا يعرفه !! واسترجعت في الحين ذكره لما كنا نتفرج على الحمير من فوق حائط السوق، ثم لما ضعنا لمدة نهار كامل في أقبية باردة ومظلمة تحت الأرض، لكنه كان في آخر المطاف حاذقا. بفضل ثروة والده، درس القانون وحصل على الدكتوراه ليصبح أستاذا في كلية الحقوق، فيما هزيت أنا القلاع إلى الخارج. تعانقنا بحرارة ولما أخبرته أنني متوجه إلى كازا أو مراكش لقضاء بضعة أيام عطلة، أقسم ثلاثا أنني ضيفه لمدة ثلاثة أيام في ضاحية...برشيد. هيا بنا قلت في خاطري، واللي ليها ليها. مال برشيد، ما عجباتكمش؟ والمدينة لما تحوم الطائرة للنزول صوب مطار محمد الخامس متراصة حتى وإن كانت بعض عماراتها شي داخل شي خارج؟ وفي هذا الباب فالكثير من المدن المغربية سيان. «بني وعلي واضرب البغلي» هو الشعار السائد. أما الحدائق بواحات خضراء تحفها الأزهار والنباتات الإكزوتيكية والنافورات التي ترش الرطوبة في الخواطر لما تشتد الحرنة، فانتظروا يا إخوتي جنة عدن إن كنتم من المفلحين. محطة قطار سيدي العايدي أفضل من محطة برشيد والنقاش مفتوح في هذا المجال... أستشهد بالميكة المبثوثة في الأفق حجة لذلك. في نظركم ما نوع السيارة التي كانت في انتظارنا عند خرجة المحطة؟ كات كات يا سيدي من فصيلة الشيروكي!! رتب السائق الشانطة فيما ركبت أنا والضاوي في الخلف. سلمت على السائق وشعرت أن الضاوي لم تكن له أي رغبة في إجراء التقديمات وكأن حال لسانه يقول: «كل واحد في بلاصتو». ولما انطلقت السيارة في اتجاه الدارالبيضاء، وكانت المرة الأولى التي أركب فيها سيارة كات كات، حيث شعرت وكأنهم حطوني على العمارية، خاطب الضاوي الشيفور: «عبد الحليم، غني لينا، فشرع على إثرها هذا الأخير في أداء أغنية «سواح ونا ماشي في حالي.. سواح...»!!. آسيدي عفريت، له نبرة وبحة العندليب الأسمر... ولمرافقته بدأنا في ضرب الرش. «الله ينعل الزلط»...عرجت السيارة على بعض المسارب، انتفضت منها الغبارية . على جهتي الطريق كانت المرشات ترقص لتنفض الماء بعيدا على حقول الذرة، اللفت، الفكوس، الكرعة... تتعارض هذه الحقول مع الأراضي المجاورة الناشفة تعارض الخير مع الشر. ما أن وقفنا أمام البيت ذي الهندسة الكولونيالية حتى انتصب من الجهة التي كنت جالسا بها كلب، ما هو سلوكي، ما هو berger allemand، المهم كلب يفرسك بحوايجك. نشر في تأهب أذنيه مثل البارابول. «كوشي كلادياتور ينعل بوك ...» زمجر فيه الضاوي. انبطح كلادياتور على الأرض، أحنى رأسه، لكنه بقي يتابعني بنصف عين قرأت فيها شيئا من: «واخا دابا نشد امك..». انفتح الباب الرئيسي على الحاج ولد عربية (وكلمة حاج هنا للتكبير فقط. - مرحبا، نهار كبير هذا..أخبرني الضاوي في الهاتف النقال بالمفاجأة السارة...مثل هذه الصدف شيء نادر...