لم يعد الأمر مجرد إشاعة، بل صار حقيقة أكدتها حفيدة الطبيب الشخصي للجنرال فرانكو الذي كان يشرف على مسالكه البولية، ف«ايل الكاوديو»، الذي حكم إسبانيا بقبضة من حديد طيلة أربعين عاما، كان رجلا بخصية واحدة فقط. لم يكد ينشر الخبر في صحيفة «إيل موندو» هذا الأسبوع، على لسان أحد الكتاب الإسبان، حتى فغر العديد من الإسبان أفواههم من فرط الدهشة. والواقع أن الخبر يبدو مؤلما لخصوم فرانكو أكثر منه لأفراد عائلته الذين كانوا يعرفون هذا السر ويتكتمون عليه، فالشخص الذي رماهم في الزنازين الباردة وجعلهم يعيشون خارج جبال إسبانيا لم يكن يعيش، بكل بساطة، إلا على أطلال رجولته. وببث هذا الخبر يكون آخر تمثال لفرانكو قد سقط من ذهن الإسبان، فهو صور نفسه، طيلة عقود، على أنه أسطورة لا تعرف الهزيمة، دخل مدريد مختالا يتخطى جثث الجمهوريين وأعلن حربا على الشيوعيين متكئا على بركة الكنيسة وصقور الجيش. بعد عقود طويلة من الصمت، ستفجر الطبيبة أنا بوكيفر القنبلة في وجه الجميع، والطبيبة الإسبانية ليست شخصا آخر غير حفيدة الطبيب الشخصي للجنرال القوي. ورغم أن الغموض مازال يكتنف الظروف الدقيقة التي فقد فيها الجنرال خصيته، فإن الاعتقاد السائد هو أن الأمر حدث في المغرب خلال مشاركته في قمع تمرد الريفيين ضد الاستعمار الإسباني، فالصور التاريخية تظهر الجنرال فرانكو ضمن الضباط الرئيسيين الذين قادوا إنزال الحسيمة عام 1926 الذي وضع حدا لحركة محمد بن عبد الكريم الخطابي في الريف. لكن الاعتقاد السائد أن صقر إسبانيا الراحل فقد خصيته إثر إصابة تلقاها سنة 1916، بعدما أصيب على مستوى أسفل البطن بشكل بليغ خلال مواجهات حرب الريف؛ فخلال ليلة 28 يونيو من السنة نفسها سيودع فرانكو رجولته الكاملة، ليتعايش مع سر مؤلم ثبت أنه تغلب عليه وكان محركا له لإحراز الانتصارات التي عاشها وتناقلتها كتب التاريخ. ومن غرائب الصدف أن هذه الحقيقة عن الجنرال فرانكو تزامنت مع حديث ابنته كارمن فرانكو بولو، لأول مرة، عن والدها الذي يقال، حسب هذه الرواية، أنه ليس والدها الحقيقي، لأنها ولدت بعد مرور عشر سنوات على إصابته في الريف وفقدانه لإحدى خصيتيه، كما أنه لم ينجب غيرها طيلة حياته. ورغم أن المغاربة كانوا وراء فقدانه رجولته، فإن فرانكو لم يحقد عليهم أبدا، فبعد انتهاء حرب الريف كانوا سنده في الحرب التي قادها ضد إخوانه خلال الحرب الأهلية الإسبانية، ومهدوا له الطريق ليحكم شبه الجزيرة الإيبيرية طيلة أربعة عقود، وحتى بعدما استوى على عرش قشتالة، لم يكن يثق إلا في المغاربة الذين كانوا يمشون بجانبه على خيولهم بلباسهم المغربي التقليدي، فهو آمنهم على حياته لسنوات رغم أنهم كانوا وراء طعنه في أعز ما يملكه.