مثلما أنجب إقليمالجديدة نوال المتوكل، بطلة المغرب السابقة في ألعاب القوى ووزيرة الشباب والرياضة الحالية، أنجب بطلة المغرب في القفز بالمظلات جودية كبورين، التي أبانت عن علو كعبها في الميدان، فكانت أول مغربية تقفز بالمظلة، وأول مغربية تحصل على شهادة حكم دولي للمظلات، وبطلة المغرب في الدقة. رأت النور بإقليمالجديدة سنة 1959، واختار قريب لها اسمها الشخصي بهدف أن يظل هذا الاسم خالدا في ذاكرة العائلة الكبيرة، بعد حرمانه من الزواج بفتاة أحبها حبا شديدا تحمل اسم «جودية». تقدم نفسها بأنها «دكالية من سيدي بنور وترعرعت في أسرة محافظة، تحدت والدها لإتمام دراستها، وتحدته مرة أخرى من أجل ولوج عالم الطيران وتزوجت من طيار وتعيش حياة مستقرة». أحبت الرياضة منذ نعومة أظافرها خاصة العدو الريفي وكرة الطائرة وكرة اليد، فاستحقت لقب «الزوفري» من قبل أسرتها التي كانت تنعتها بهذا الوصف كلما ضاقت ذرعا بميولها للرياضة الرجالية، شاركت كبورين في العديد من البطولات المدرسية أثناء مرحلة الابتدائي والإعدادي. لم يكن من السهل أن تتابع ابنة سيدي بنور تعليمها الثانوي بثانوية الخنساء بمدينة الدارالبيضاء، بسبب تشبث والدها بأن تبقى إلى جانبه بالمنزل، ف«هربها» شقيقها إلى العاصمة الاقتصادية، وترك لوالدته مهمة إقناع الأب بأهمية إتمام ابنته للدراسة. دامت مهمة إقناع والدها طويلا، فبعد متابعة دراستها بتفوق ونجاح إلى مستوى السادسة من التعليم الثانوي، قررت اجتياز مباراة لاختيار مظليين بالقوات المسلحة الملكية، فنجحت في الاختبار، فهددها والدها بإزالة اسمها من كناش الحالة المدنية إن هي التحقت بالقوات المسلحة الملكية، بسبب النظرة السيئة التي كان ينظرها المجتمع في تلك الفترة إلى هذه الفئة. لم تجد بدا من إقناعه رفقة أمها من جديد بمواصلة مسيرتها في ميدان الطيران، رضخ للأمر الواقع بعدما نبهته إلى أنها لن تكون وحدها ضحية قراره، فأختها مليكة ستكون ضحية لأن اسمها مكتوب على ظهر الورقة التي كان ينوي تمزيقها. لم تجد كبورين صعوبة في الانتقال من الثانوية إلى القاعدة الجوية الثالثة بالقنيطرة للشروع في التدريب الذي استمر ستة أشهر، لأنها ألفت الابتعاد عن أسرتها منذ أن كان سنها 15 سنة. بعدما تمكنت جودية من إجراء ست قفزات بنجاح حصلت على دبلوم الشهادة الأولى للمظلي، فانتقلت إلى مدينة مراكش بعد اختيارها من بين مجموعة من المتفوقات قصد الحصول على شهادة مدرب في القفز الحر. شاركت في بعض البطولات بالقاعدة الجوية بمعمورة، بعدما تم اختيارها لعدم توفر هذه القاعدة وقتها على مظليات فتيات. عاتبها بعض زملائها وزميلاتها على ترك مقعد الدراسة فارغا، واجتياز امتحان ولوج عالم يعتبرونه ذكوريا بامتياز، لم تأبه لانتقاداتهم، ولم تغير أقوالهم من رغبتها وطموحها شيئا، فخضعت لتداريب مكثفة وطويلة وسنها لا يتجاوز الثامنة عشرة بالقاعدة الجوية الثالثة دامت ستة أشهر بعدما تم اختيارها ضمن الناجحين في مبارة اختيار مظليين بالقوات المسلحة الملكية. حظيت جودية سنة 1986 كسائر الأبطال المغاربة باستقبال من الملك الراحل الحسن الثاني والملك محمد السادس، الذي كان وليا للعهد آنذاك، بالمركب الرياضي محمد الخامس بالدارالبيضاء، فشعرت بالاعتزاز والفخر لحضورها رفقة فريقها إلى جانب الفريق الوطني لكرة القدم الذي كان أول فريق عربي وإفريقي يجتاز الدور الأول لكأس العالم لكرة القدم بالمكسيك سنة 1986، كما التقت ابنة بلدتها نوال المتوكل، التي حصلت بدورها على الميدالية الذهبية في سباق 400 متر حواجز في أولمبياد لوس أنجلوس سنة 1984. عشقها للطيران دفعها لأن «تطير» إلى فرنسا سنة 1988، وهي حامل في شهرها الرابع من أجل مواصلة التداريب هناك، لم يتسلل إليها شعور الخوف على ما تحمل في بطنها من لحم ودم، فخضعت للفحص كباقي رفاقها، وأخفت خبر حملها تجنبا لاحتمال منعها من السفر، فواصلت تداريبها على أتم وجه وبمعنويات عالية. لم تأبه كبورين إلى الانتقادات الحادة التي كان يوجهها إليها المسؤول عن تدريبها عندما كانت تقوم بفتح المظلة قبل الوقت المخصص لذلك، فعاكسها الحظ ذات يوم ونجت بأعجوبة من موت محقق بعدما سقطت أرضا. شاركت في العديد من البطولات داخل المغرب وخارجه، أولها الدورة الثامنة عشرة التي أقيمت بالإمارات، فأحرز فريقها المرتبة الثالثة، كما انتزعت المرتبة الأولى في حركة الدقة، وفي «التشابك» خلال مشاركتها في بطولات وطنية من بينها الدورة الثامنة عشرة في بطولة المغرب للقفز بالمظلات. إصابتها ببعض الكسور في الرجل والغضروف لم يقف حاجزا دون إتمام مشوارها الرياضي، غير أن حاجة أبنائها إلى رعاية الوالدين، دفعها لأن تضحي عوضا عن زوجها الذي يعمل طيارا ودائم السفر، فتفرغت للسهر على خدمة أربعة أفراد تعتبرهم أبناءها أولهم زوجها وأبناؤها الثلاثة، أكبرهم يتابع دراسته بالسنة الثانية بمعهد الإعلام والاتصال بالرباط، فاقتحمت مجال الطبخ وتنظيم الحفلات، فأنشأت تعاونية خاصة بها وأصبحت تشارك في العديد من المعارض لتضيف إلى مسارها المهني جائزة جديدة في تنظيم الحفلات على المستوى الوطني.