الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    تقرير إسباني يكشف مفاجأة بشأن اعتراف الصين بمغربية الصحراء    التوقيت والقنوات الناقلة لمواجهة الأسود والغابون    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    مأساة جديدة في إسبانيا.. حريق يودي بحياة عشرة نزلاء في دار للمسنين    تخليد الذكرى ال69 لعودة الملك الراحل محمد الخامس من المنفى إلى أرض الوطن    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    المغرب يترقب اللحظة المواتية لخروج الخزينة إلى السوق الدولية        مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    الرباط.. اختتام أشغال مؤتمر دولي حول الزراعة البيولوجية والإيكولوجية    بمعسكر بنسليمان.. الوداد يواصل استعداداته لمواجهة الرجاء في الديربي    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    "كوباك" تدعم التلاميذ ب "حليب المدرسة"    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    رئيس الكونفدرالية المغربية: الحكومة تهمش المقاولات الصغيرة وتضاعف أعباءها الضريبية    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    الأحمر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على الجزء الأول من مشروع قانون المالية 2025    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة        التحاق 707 أساتذة متدربين بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بدرعة-تافيلالت    كيوسك الجمعة | المغرب يسجل 8800 إصابة بسرطان الرئة سنويا    الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    فيضانات إسبانيا.. طبقا للتعليمات الملكية المغرب يعبئ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب        زيارة المسؤول الإيراني للمغرب.. هل هي خطوة نحو فتح باب التفاوض لإعادة العلاقات بين البلدين؟    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    النيابة العامة وتطبيق القانون    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    10 قتلى جراء حريق بدار مسنين في إسبانيا    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    غسل الأموال وتمويل الإرهاب… وزارة الداخلية تضع الكازينوهات تحت المجهر    "الأمم المتحدة" و"هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    صحيفة إيطالية: المغرب فرض نفسه كفاعل رئيسي في إفريقيا بفضل "موثوقيته" و"تأثيره"    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب في مواجهة التقارير الدولية.. «المساء» تكشف كواليس إعداد تقارير أغضبت المخزن
هكذا يعد الأجانب تقاريرهم عن المغرب
نشر في المساء يوم 09 - 11 - 2014

أصبحت التقارير التي تصدر من حين لآخر من طرف منظمات دولية وهيئات ومؤسسات عالمية، تشكل مرجعا أساسيا ليس فقط للدول لتصحيح مساراتها ومعالجة نقط الخلل التي تأتي بها هذه التقارير، بل أصبحت تلعب دورا بارزا في تشكيل السياسة الدولية في الوقت الراهن، وأصبحت الكثير من العلاقات بين الدول في العالم الحديث تنبني على الكثير من الأرقام والإحصائيات والمعطيات التي تأتي بها هذه التقارير، كما أنه قد تصبح وسيلة للتجاذبات بين السلطات وبين المنظمات أو الهيئات التي تعد مثل هذه التقارير.
وتظهر سنة 2014 مثلا أن المغرب كان موضوعا لتقارير مختلفة، محلية ودولية، غطت جميع المجالات، من تشغيل الأطفال، القضاء ونزاهته، إلى حقوق الإنسان ما يتمتع به المغاربة من حريات ومن فرص لتحسين وضعهم المعيشي، وكذلك الخدمات التي يتلقونها من السلطات.
وعلى الرغم من أنه في غالب الأحيان تتهم هذه التقارير أنها تهدف إلى الإساءة والتشويه كهدف أساسي، إلا أنها تسعى عبر أرقامها وانتقاداتها إلى الإسهام المباشر في إيجاد السياسات والتوجهات التي يجب أن تتبناها الدولة من أجل تجاوز النقط السوداء التي يتم التطرق إليها.
وترسم التقارير التي صدرت في السنة الجارية صورة قاتمة للمغرب في مجالات متعددة، فهو البلد حيث الحرية الدينية ضعيفة، وهو البلد الذي يعاني اقتصاده من الهشاشة بسبب تفشي الرشوة والفساد، كما ترسم تلك التقارير صورا قاتمة لعدم استقلالية القضاء في المغرب، وفي الوقت الذي تجمع فيه غالبية تلك التقارير على أن الإشكال في المغرب لا يتعلق بغياب ترسانة قانونية، بل يتعلق الأمر بغياب تطبيق حقيقي للقوانين التي تعطل في أغلب الأوقات.
ولأن غالبية التقارير الدولية تعتمد في جزء منها على أرقام صادرة عن منظمات محلية وإقليمية أو أحيانا أرقاما رسمية، الحقوقيون المغاربة والكثير ممن يسهرون على إعداد مثل هذه التقارير، ينفون بشدة أن تكون التقارير التي تنتقد المغرب جاءت من أجل التكالب عليه، بل هدفها تنبيه السلطات إلى بعض مكامن الخلل.
ويشير رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أحمد الهايج أن دور التقارير هو لتنبيه السلطات، وعوض أن تتجاوب بشكل إيجابي مع هذه التقارير وأن تأخذ بعين الاعتبار مضامينها، والسعي إلى تصحيح ما ينبغي تصحيحه من اختلالات وتجاوزات، فهي تنظر إليها بعين العداء، وتعتبر أن إصدار مثل هذه التقارير هو بهدف التكالب على الدولة، ومحاولة تلطيخ سمعتها وإظهارها بمظهر سلبي.
بدوره أشار أحد الدبلوماسيين العاملين في الخارجية الأمريكية إلى أن التقارير مثل تقرير الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان، غالبا ما تثير حساسية في المغرب كما في باقي الدول، قبل أن يستبعد أن تشكل مثل هذه التقارير تحولا في سياسة الإدارة الأمريكية تجاه المغرب.
ويؤكد الدبلوماسي الأمريكي أن السفارة الأمريكية في الرباط تتوصل بعشرات من التقارير من منظمات وجمعيات المجتمع المدني من مختلف المدن المغربية، لكنها تخضع كلها لتدقيق صارم، حيث تحذف المعطيات والوقائع غير المدعومة، كما يقوم بعض الدبلوماسيين بزيارات ميدانية لعدد من مدن المغرب، كل ذلك من أجل إعداد تقارير نزيهة وذات مصداقية.
في هذا الملف تلقي «المساء» الضوء على المغرب في عيون تقارير أجنبية ومحلية، وتستمع لمشرفين على كتابة تقارير عن المغرب، أجانب، هيئات دبلوماسية في المغرب، أو مغاربة ينشطون ضمن منظمات المجتمع المدني المغربي، كواليس كتابة التقارير ووصولها إلى هيئات الأمم المتحدة، كيف تكتب تقارير عن المغرب، من يكتبها، وكيف يتم التأكد من صحة المعطيات الواردة فيها.
تقارير «سوداء» ترسم صورة قاتمة لحقوق الإنسان في المغرب
مؤسسات دولية تشرح الوضع في المغرب
لعل مسحا سريعا لقائمة التقارير الدولية التي صدرت سنة 2014 عن مؤسسات ومنظمات دولية، يظهر العشرات منها التي تصدر بشكل دوري، تتناول بالأرقام والتحليل ظواهر معينة في المغرب، أو تتناول مسار قضايا معينة أو التزام السلطات بتوصيات دولية واتفاقيات وقعتها في مجالات متعددة.
وغالبا ما ينظر إلى تلك التقارير بنوع من التبرم من طرف السلطات في حال تناولت تصنيف المغرب في الترتيب الدولي في مؤشر من المؤشرات.
وكان للتقارير التي تناولت المغرب خلال السنة الجارية تأثير كبير على موقعه في مراكز التنقيط في مجال الاستثمار وفي مجال منح القروض، أو حتى في مجال تصنيف الوجهات السياحية في العالم.
ويشرح أحد المختصين ل«المساء» أن التقارير التي تصدر بين الفينة والأخرى غالبا ما يتم تجاهلها من طرف السلطات وينظر إليها على أنها تستهدف صورة البلد لا غير، غير أنه في الحقيقة ما يجب على الدولة أن تعرفه هو أن تلك التقارير تصدر من مؤسسات لها من الإمكانيات ما يسمح لها بإعداد تقارير تبقى الأقرب للواقع، وتشرح الوضع المغربي بدقة كبيرة، وتكون محل ثقة عند كبريات الهيئات الدولية.
فورين بوليسي
ولعل أحد أبرز التقارير الدولية التي تناولت المغرب بالشرح والأرقام والإحصائيات، كان تقرير «فورين بوليسي».
فخلال السنوات العشر الماضية دأبت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية على إعداد مقياس لمدى أوضاع بلدان العالم المختلفة وذلك حسب معايير، منها احترام حقوق المجموعات سواء الأقليات العرقية أو المجموعات التي تدين بمذهب أو دين مختلف عن باقي أغلبية السكان، وشكل المغرب على طول سنوات صدور تقرير المجلة الذائعة الصيت أهم البلدان التي تناولها تقرير المجلة بالوصف والتفصيل، ولم يخرج التقرير الأخير للمملكة عن نهجها المعروف في السعي نحو دقة المصادر والإحصائيات المعتمدة في التقرير الذي يعتد به لدى مصادر القرار الأمريكي.
وقد صنف آخر تقرير للمجلة المغرب في الرتبة 92 عالميا ضمن مؤشر الدول الفاشلة 2014 الذي تصدره سنويا، متقدما درجة واحدة فقط عن تقرير السنة الماضية الذي وضعه في الرتبة 93.
ورغم أن التقرير اعتبر المغرب البلد الأفضل في المنطقة المغاربية، إلا أنه جلده في مواضيع عدة وأبرزها حقوق الإنسان.
وكشف أحد المختصين أن تقرير المجلة هو انعكاس لعشرات من التقارير التي تعد عن المغرب في الفترة نفسها، بالإضافة إلى أرقام وإحصائيات صادرة عن مؤسسات دولية.
تقرير المجلة يكشف أن المغرب سجل تقدما طفيفا عن تقرير السنة الماضية، حيث جاء في الرتبة 93، واعتبر تصنيف المجلة المغرب أفضل الدول في المنطقة المغاربية، إذ تقدم على كل من الجزائر وتونس، وموريتانيا وليبيا، لكنه حذر في الوقت نفسه من التنمية المتفاوتة التي تسود جل مناطق ومدن المغرب، ومن العجز الاقتصادي الذي يتراكم سنويا.
ويعتمد تقرير المجلة على مصادر متنوعة منها المحلي ومنها الدولي، فمنها ما يأتي من جمعيات ومنظمات محلية وتقارير الظل التي تصيغها وتقدمها للأمم المتحدة والهيئات الدولية، ومنها الجزء الكبير من تقارير الهيئات الدولية التي تنشر بشكل دوري تقاريرها، ومنها أيضا التقارير الإعلامية التي تنشرها الصحف الدولية.
في التقرير ذاته حلت الجزائر ضمن قائمة الهشاشة في العالم في الرتبة 71/ فيما جاءت موريتانيا في المرتبة 28 في تصنيف الدول الفاشلة خلال العام 2014، وليبيا في المرتبة 41، والجزائر في المرتبة 71، وتونس في المرتبة 78 فيما تصدرت دولة جنوب السودان الدول الفاشلة لهذا العام متبوعة بالصومال ثم جمهورية إفريقيا الوسطى.
ويصنف التقرير الدول الفاشلة حسب أدائها ووضعيتها بخصوص العديد من المؤشرات وعلى رأسها في الضغوط الديموغرافية وإعداد المواليد في كل سنة، واللاجئين وأوضاعهم وأسباب لجوئهم والمعاملة التي يتلقونها عند وقوفهم أمام المصالح العمومية، والتظلمات الجماعية ومدى وصولها إلى القضاء، وعدم الشرعية الدولية، والتدخلات الأجنبية.
وأوضحت المجلة الأمريكية المتخصصة أنها اعتمدت في إعداد تقريرها على معايير منها نمو السكان، ندرة الغذاء، معدلات الوفيات، اللجوء والنزوح الداخلي، العنف داخل الدولة، معدلات الهجرة إلى الخارج، الفساد، الخدمات العامة، حقوق الإنسان، وأخيرا، التدخلات الخارجية مثل العقوبات، والغزو الخارجي، كل هذه المعايير والتصنيفات جاءت من مصادر خارجية ودولية.
وتعرف المجلة الدولة الفاشلة، على أنها دولة لا تستطيع السيطرة على أراضيها، في الوقت الذي ليس لحكومتها القدرة على اتخاذ قرارات مؤثرة، بالإضافة إلى عدم قدرتها على توفير الخدمات الضرورية لمواطنيها، كل هذه الأحكام لا يمكن للمجلة أن تنتقيها من بحث ميداني، بل من تقارير دولية ومحلية يشهد لها بالمصداقية.
مؤسسة مو إبراهيم
تقرير آخر صدر في وقت سابق من السنة الجارية ويحظى بقبول كبير لدى الحكومة البريطانية، كما يعد من بين النماذج الأخرى الكثيرة التي تحظى بمصداقية في الهيئات الأوربية المختلفة والغربية ومؤسساتها، وهو التقرير الذي تصدره مؤسسة «مو إبراهيم» للحكم الرشيد، ويتمحور حول وضعية حقوق الإنسان في أي بلد.
والمؤسسة أسسها الدكتور محمد إبراهيم، وهو بريطاني من أصول سودانية، وتعمل على نشر تقريرها السنوي بخصوص مؤشر الحكم الرشيد في إفريقيا. كما تعمل على إرساء مفاهيم الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وهي تقوم بتقديم جائزة سنوية للقادة الأفارقة، الذين يحققون إنجازات مهمة في فترة حكمهم كالأمن والتعليم والصحة.
ويحظى التقرير بقبول كبير من مسؤولي القرار السياسي سواء في بريطانيا أو باقي الدول الأوربية.
وكان آخر تقرير أصدرته المؤسسة صنف المغرب في الرتبة الأخيرة في المنطقة المغاربية على مستوى حقوق الإنسان، ورغم تحقيقه نتائج جيدة على مستوى مؤشرات أخرى مقارنة بدول المنطقة كالجزائر وتونس، فإن التقرير كشف أن وضعية حقوق الإنسان ومشاركة المواطن المغربي في الحياة السياسية هي الأضعف في المنطقة المغاربية، كما لم يتجاوز مجموع نقط المغرب 37 نقطة في مؤشر حقوق الإنسان والمشاركة السياسية، وقد حل وراء دول مثل أنغولا وزيمبابوي.
واحتل المغرب الرتبة 40 على مستوى حقوق الإنسان في القارة الإفريقية. فيما حل في المرتبة الأخيرة على مستوى المنطقة المغاربية، في الوقت الذي سجلت تونس أفضل تصنيف، إذ حلت في الرتبة 15 على مستوى القارة الأفريقية.
وتلعب التقارير المحلية التي تصدرها المنظمات المغربية المهتمة بحقوق الإنسان دورا كبيرا في تشكيل مضامين مثل هذه التقارير، لذلك لا تتردد مصادر «المساء» في ترديد أن هذه التقارير ما هي إلا صدى للعشرات من التقارير التي تصدرها المنظمات المغربية بشكل دوري، وتقدمها إلى الهيئات الدويلة وإلى الدولة نفسها بعد مرورها من مراحل عديدة من التمحيص والتدقيق.
تقرير حول القضاء في المغرب
منظمة دولية أخرى سبق أن صفعت المغرب في وقت سابق من السنة الجارية بتقرير دولي يرسم صورة قاتمة للقضاء والعدالة الاجتماعية في المغرب، ويشير إلى عجز القضاء أمام المسؤولين الحكوميين النافذين في الدولة، وانعدام استقلالية السلطة القضائية عن السلطة السياسية في المغرب.
التقرير الذي أنجزته منظمة مشروع العدالة الدولية، خرج بنتائج مخيبة ومخيفة للقاضي المغربي، ففي تقريرها صنفت المنظمة المغرب في الرتبة 52 عالميا من بين 99 دولة شملها التقرير الخاص في سنة 2014، مشيرة إلى استحالة تصرف قضاة المغرب ضد المسؤولين الحكوميين النافذين، وذلك بسبب تدخلات متشعبة ومتداخلة، يتدخل فيها النفوذ ويحضر فيها الامتياز الذي يحقق القرب من شخصيات مسؤولة أو مقربة من دوائر القرار».
وجاء تقرير المنظمة، التي تتخذ من الولايات المتحدة الأمريكية مقرا لها، بعد أكثر من 100 ألف مسح وبحث في مختلف دول العالم، على يد أكثر من 2400 خبيرا عالميا انصبوا طوال عشرات من الشهور على البحث والتنقيب الميداني في المغرب، ومراجعة عشرات بل المئات من التقارير التي أعدت عن القضاء في المغرب.
سجل التقرير «ضعف تمتيع المغاربة بالحقوق الأساسية التي تشمل مختلف المجالات، كما أشار إلى أن المغاربة ليسوا متساوين أمام القضاء، بل إن العدالة العقابية في المغرب ضعيفة مقارنة بدول أخرى، مؤكدا أن الضعف يطال أيضا مجال ضمان حماية الحياة الخاصة للأفراد، أي أن المغاربة لا يتمتعون بحماية قانونية لخصوصياتهم، التقرير ذهب أبعد من ذلك وأشار إلى أنه بناء على دلائل موثقة وقرائن وشهادات مستقاة من خبراء ومختصين محليين ونتائج بحوث ميدانية، أظهرت أن الأحكام القضائية التي تصدر عن محاكم المغرب غالبا ما تكون في غير توافق مع القانون، وأضاف التقرير أن نظام العدالة في المغرب يعاني من ضعف الفعالية العقابية، كما أن السلطة القضائية تعاني بدورها من عدم استقلاليتها عن السلطة السياسية.
أسابيع قليلة على صدور التقرير أصدرت محكمة أمريكية حكما يبطل حكما قضائيا صادر عن محكمة مغربية، وعللت حكمها بأن القضاء المغربي غير مستقل، ففي تنفيذ الحكم الصادر عن القضاء المغربي ضد رجل أعمال أمريكي تمت إدانته بتعويض مالي، قضت محكمة أمريكية برفض الحكم الصادر عن القضاء المغربي، معللة رفضها بعدم استقلال القضاء المغربي.
ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» مقالا مرفقا بوثيقة قضائية صادرة عن محكمة مدينة «أوستين» في غرب ولاية تكساس الأمريكية، في قضية متعلقة بالنزاعات التي نشأت عن ادعاء شركة «لون ستار» اكتشاف البترول في المغرب عام 2000 والذي خدعت به السلطات العليا.
القضية تتعلق بتطبيق حكم محكمة مغربية ضد رجل أعمال يدعى «ديلجوريا» والقاضي بتعويض شركائه المغاربة، بمبلغ بلغ 123 مليون دولار نتيجة خداعهم بوثائق مزورة تؤكد وجود البترول حسب الإدعاء، غير أن رجل الأعمال المذكور لجأ إلى محكمة أمريكية قصد إبطال تطبيق الحكم عليه وحتى لا يلجأ شركاؤه إلى فرضه عبر إصدار مذكرة من الشرطة الدولية الإنتربول.
المحكمة استندت في إصدار حكمها على تقارير دولية تشير إلى عدم استقلالية القضاء المغربي، كما استند محامو المتهم على أن الأحكام القضائية في بعض البلدان غير مستقلة وسياسية، وبالتالي لا يجب أن يعتد بها القاضي الأمريكي.
تنمية المغرب الهشة
أما تقرير الأمم المتحدة لسنة 2014 والخاص بمؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، فقد صنف المغرب في الرتبة 129 من بين 187 دولة، واعتبر التقرير أن المغرب يأتي ضمن البلدان ذات التنمية البشرية المتوسطة، وعادة ما تكون الدول التي تحتل ما بعد المائة في الرتبة ذات بنية اجتماعية هشة وفوارق كبيرة وسط سكانها، ويتم تصنيف الدول وفقا لأربعة مؤشرات مركبة تضم متوسط العمر، مستوى التعليم، مستوى الدخل الفردي وكيفية توزيع الثروة.
وتخلف المغرب حسب التقرير عن دول المنطقة، مثل الجزائر التِي تقدمت على المملكة، في التصنيف ب38 درجة، على إثر حلولها في المركز الثالث والتسعين عالميا، بل إن المغرب حل بين دول مثل تيمور الشرقية وناميبيا.
وأظهر التقرير أنه بالرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة المغربية، فإن مؤشر المغرب لم يتزحزح كثيرا في تقرير السنة الجارية، وكشف التقرير أنه على الصعيد المغاربي حلت ليبيا في الرتبة الأولى، بينما حلت تونس في الرتبة الثانية في المنطقة، والجزائر في الرتبة الثالثة، ثم المغرب الذي حل رابعا متقدما على موريتانيا التي كانت الأخيرة في المنطقة المغاربية.
تقرير آخر صدر السنة الماضية حدد بشكل واضح النقط السوداء التي يعاني منها مناخ الأعمال في المغرب، مشيرا إلى أن الحصول على رخصة إنشاء مقر للمقاولة في المغرب تتطلب أكثر من 3 أشهر، وهي مدة طويلة بالمقارنة مع بلدان أخرى، كما انتقد التقرير المدة الطويلة التي يتطلبها ربط المقاولة بشبكة الكهرباء في المغرب، إذ تفوق المدة 62 يوما، وهو ما جعل المغرب يحتل الرتبة 94 في هذا المؤشر.
وأشار التقرير إلى أن ذلك يكلف الاقتصاد المغربي الكثير، إذ اعتبر أن المغرب مازال متخلفا على مستوى حماية المستثمرين، كما أنهم يجدون صعوبة في الحصول على القروض البنكية اللازمة لتمويل مشاريعهم، إضافة إلى طول إجراءات الحصول على رخص البناء والتزود بالكهرباء، وهو أمر له انعكاسات كبيرة على الاستثمار والأعمال في المغرب.
تقارير الظل.. سبب التوتر بين السلطات والمنظمات الحقوقية
رغم أن الكثير من التقارير لا تصل إلى الأمم المتحدة بسبب افتقارها المعايير المعتمدة
تقدم الحكومة المغربية تقارير رسمية، بشكل دوري إلى هيئة الأمم المتحدة ولجانها المهتمة بحقوق الإنسان وبمراقبة مدى التزامها بالاتفاقيات الموقعة والمصادق عليها، وهو أمر عادي ويتم بشكل دوري وتتضمن أرقاما وإحصائيات تخص العديد من القضايا التنموية والحقوقية وتقييم لالتزاماتها الدولية، منها تشغيل الأطفال، التعذيب، الاعتقال الاحتياطي، قضايا مساواة الجنسين، احترام حرية التظاهر السلمي، حرية التعبير، إلى غير ذلك من القضايا الراهنة والتي تشكل صلب التزامات المغرب الدولية.
غير أن الأمر يصبح تحديا حقيقيا للحكومة عندما يتم تقديم تقرير موازي للتقرير الحكومي الرسمي، بخصوص نفس القضية أو الموضوع أو الاتفاقية موضوع التقرير، لكن في أغلب الأحيان بشكل مختلف وبسرد وقائع وتوثيق مختلف ومتناقض، حينها يصبح للتقرير أبعادا مكلفة سواء على مستوى المصداقية الدولية، وصورة البلد في المنتظمات الدولية ومنظمات تصنيف الدول على أسس مناخ الأعمال والاستثمار.
ففي السنوات الأخيرة يشرح أحد الحقوقيين المغاربة ل«المساء» أصبحت لهيئة الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة لحقوق الإنسان علاقة توصف أنها علاقة جيدة جدا، وذلك بعد تزايد أعداد المنظمات الحقوقية في المنطقة العربية بصفة عامة وفي المغرب بصفة خاصة، كما أسهمت «عولمة» عمل المنظمات في تقوية أدائها بشكل جعل تقاريرها تكتسي قوة في كواليس الأمم المتحدة.
ولا يخفي بعض ممن تحدثوا ل«المساء» أن هذه العلاقة تطورت على مر السنين، خاصة العقد الأخير، مما أسهم في دور كبير للمنظمات الحقوقية غير الحكومية في مراقبة حقوق الإنسان ومدى احترامها من طرف المغرب.
كما أن الاحتكاك بمنظمات دولية أكسب المنظمات المغربية المزيد من الخبرة، مما جعلها تحظى بمصداقية لدى الهيئات الدولية.
وكما تصدر السلطات تقريرها الرسمي وتبعثه إلى الهيئة الدولية، ترسل المنظمات المحلية تقريرها، وعندما تعد منظمة حقوقية تقريرها فهو يسمى تقرير الظل، تقرير الظل هو تقرير موزاي للتقرير الذي يقدمه البلد بشكل دوري إلى مجلس حقوق الإنسان، إذ أن المغرب يقدم تقريره الرسمي، لكن الهيئة الدولية تستعين بشكل أساسي بالتقرير الذي تقدمه المنظمات الحقوقية، إما بشكل متفرق أو بشكل جماعي، وتقارن بين المحتويين، وتجمع المتناقضات، يشير أحد المختصين.
وحسب بعض العارفين بدهاليز إعداد التقارير ووصولها إلى الأمم المتحدة، فتقرير الظل تقرير موزاي للتقرير الرسمي الذي يقدمه المغرب بشكل دوري حول التزام الحكومة المغربية بخصوص تنفيذ المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، ويسمى هذا النوع أيضا بالتقرير البديل، وفي أغلب الحالات تقرير الظل يكون مخالفا للتقرير الرسمي للحكومة المغربية.
قوة موقف المنظمات الحقوقية تكمن حسب المصادر ذاتها، في أن المنظمات الحقوقية غالبا ما تنتظر حتى صدور التقرير الحكومي، مما يسمح بمراجعته ومناقشة مضامينه، وهو ما يتيح لها الوقت والإمكانيات للتعقيب عليه وفحص كل ما جاء فيه من مقدمته إلى الإحصائيات والأرقام التي أوردها.
عندما يصدر التقرير الرسمي للحكومة المغربية، تعمل المنظمات غير الحكومية والمنظمات الحقوقية على توثيق مدى تقدم أية حكومة مغربية على صعيد ممارسات حقوق الإنسان، عن طريق مراجعة مضامين التقرير ومقارنته بما جمعته هيئة الممثلين المحليين، قبل إعداد التقرير الموازي، ومن ثمة تزويد الخبراء في الهيئات الرقابية بتقييم بديل يبين أي تناقضات في التقرير الحكومي.
وحسب ما كشفه بعض ممن تحدثوا ل«المساء»، فعندما تقدم الحكومة المغربية تقريرها إلى لجنة حقوق الإنسان المنبثقة عن هيئة الرقابة في مجلس حقوق الإنسان أو لجنة خاصة بمراقبة مدى التزام الدولة المغربية بمعاهدة معينة، تسارع اللجنة المشرفة على مراجعة التقرير الذي تقدمه الحكومة المغربية، إلى التقرير البديل أو تقرير الظل الذي تعده منظمات المجتمع المدني، وبناء على ذلك تعد اللجنة تقريرها حيث تظهر مدى التزام الحكومة بأحكام وشروط المعاهدة، ويقدم توصيات تتعلق بتحسين حماية حقوق الإنسان في الدولة المعنية.
وأصبح بإمكان منظمات المجتمع المدني المغربية، يضيف محدثنا، المشاركة في عمل هيئات وآليات الأمم المتحدة، وحضور الاجتماعات والتفاعل مع الحكومات أو موظفي الأمانة العامة. كما تحظى المنظمات غير الحكومية التي يعتمدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي تلقائيا بفرصة المشاركة في أبرز مؤتمرات الأمم المتحدة، ما يمكنها من المشاركة في العمليات التحضيرية أيضا.
وتعتقد الأمم المتحدة أن المنظمات غير الحكومية خلال العقد الأخير أصبحت تلعب دورا مهما في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان وحماية هذه الحقوق، إذ تسهم في مناقشات وقرارات وإجراءات مختلف هيئات الأمم المتحدة الخاصة باتفاقيات حقوق الإنسان، ويبقى أحد أهم دور تلعبه المنظمات حسب الأمم المتحدة هو رفع مستوى الوعي وتبادل المعلومات، وإجراء البحوث والتحليل وتعبئة الناس لآليات الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان، وهو ما نجحت فيه بشكل كبير العديد من المنظمات، أما التي مازالت تتلمس طريقها أو تفتقد لآليات عمل تتماشى مع متطلبات الهيئات الدولية فإنها تبقى مغيبة.
ليست كل تقارير الظل التي تعدها المنظمات الحقوقية تصل إلى أروقة الأمم المتحدة، فبعض المنظمات تفتقر لآليات كتابة تقرير الظل، وهو ما يقف حاجزا أمامها لإيصال تقاريرها إلى الهيئة الدولية، حيث تفرض الأمم المتحدة معايير لكتابة تقارير الظل، وأي منظمة تفتقر لتلك المعايير لا يتم اعتماد تقاريرها، ولتجاوز هذه العقبة على أي منظمة غير حكومية تنشط في مجال حقوق الإنسان أن تتبنى استراتيجية تقوم على تقوية قدرات نشطائها، وتستفيد من التدريبات الدولية في مجال بناء القدرات، والانخراط مع خبراء دوليين في هذا المجال، بالإضافة إلى عقد عدد من دورات رفع التوعية حول الآليات الدولية للمناصرة.
وتغيب عن بعض المنظمات معايير كتابة التقارير، إذ أن رصد مظاهر التحسن التي حققتها الدولة في مجال من المجالات، لا تقل أهمية عن رصد مظاهر التردي والتراجع الذي حدث في مجال من المجالات، ومن شأن ذلك أن يعطي مصداقية للتقرير.
وهو ما يسمح في المقابل للهيئات الدولية إلى دفع ما يسمى ب«ثمن معنوي» إلى أي دولة مقابل خطواتها لتحسين حقوق الإنسان، مثلما تدفع الثمن من سمعتها بانتهاك تلك الحقوق.
معيار آخر لقبول تقرير الظل هو غربلة المعلومات عندما تتوافر معلومات غزيرة بشأن الانتهاكات نفسها، أن تعطى الأولوية في التقرير إلى الوقائع والأحداث الجسيمة، والتي يصعب التشكيك فيها، كما تجب إزالة كل واقعة لم توثق بالشكل المطلوب.
كما يتعين على المشرفين على كتابة تقرير الظل بأن يكونوا على دراية تامة بمحتوى الحقوق وطبيعة الالتزامات التي تميلها كل اتفاقية حقوقية وقعها المغرب،
وتأتي المعايير والالتزام بها خوفا من فتح المجال أمام تقارير شهادات فردية تفتقر لأسس صلبة تجعلها غير قابلة للتصديق والاعتماد: أدلة إدانة أو أدلة تدعم موقف الدولة، لذلك تفرض الهيئات الدولية سواء الهيئات التابعة للأمم المتحدة أو هيئات أخرى تهتم بحقوق الإنسان، معايير معترف بها من أجل إضفاء المصداقية على تلك التقارير المتوصل بها.
غير أنه بالإضافة إلى معايير كتابة التقارير المعتمدة هناك معيار آخر، يهم تكوين هذه الجمعيات، وأعضاءها وموقفها من قضايا معنية، ولا تخفي مصادر «المساء» وجود منظمات وجمعيات خاصة ناشطة في مخيمات تندوف» مواقفها متحيزة، لذلك غالبا ما ينظر إلى تقاريرها بشكل حذر، كما أنه في أغلب الأحيان تقصى تقاريرها أو تقصى القضايا التي تناقض فيها تقارير أخرى كتبت من طرف جمعيات لها من المصداقية ما يجعل تقاريرها في المقدمة.
تقرير الظل يشكل نقطة قوة للجنة الأمم المتحدة المكلفة بحقوق الإنسان، أولا لإعداده من طرف منظمات تتمتع بالكثير من المصداقية اكتسبتها من تجارب وتقارير سابقة،
ويصبح تقرير الظل أكثر أهمية عندما لا يقدم المغرب أي تقرير رسمي، عند ذلك تلجأ لجان حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى التقارير البديلة وتصبح المعلومات التي تقدمها المنظمات غير الحكومية معلومات ذات قيمة كبيرة، وعند الانتهاء من مراجعته تقدم اللجنة المراجعة تقييما غير رسمي لوضعية حقوق الإنسان في المغرب.
وتلجأ المنظمات غير الحكومية التي لها تجربة طويلة في المجال إلى توحيد جهودها فيما بينها لكتابة تقرير ظل واحد، بتنسيق مع العديد من التقارير من المنظمات غير الحكومية المختلفة، وهو ما يشكل قوة إضافية للتقرير وتكون نتائجه أكثر فعالية.
وتورد مصادر «المساء» أن أهم تقرير كلف المغرب كثيرا بسبب تقارير الظل، هو تقرير الظل الذي تناول معتقل «تازمامارت» الرهيب، فقد أنكر التقرير الرسمي للحكومة المغربية وجود معتقل باسم «تزمامارت» رغم الكتابات الصحفية التي انتشرت سواء في فرنسا أو بريطانيا، إلا أن عشرات من الشهادات الحية التي تحدثت في أروقة الأمم المتحدة وأمام عشرات من خبراء حقوق الإنسان جعلت المغرب ووفده المكون من أمنيين في أغلب الأحيان يعيش فترات عصيبة، خاصة أمام الشهادات الحية.
ويقول «أحمد الهايج» رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تصريح ل«المساء» إنه على عكس ما تعتقده السلطات فدور التقارير سواء التي تتناول قضايا اقتصادية أو قضايا فساد أو قضايا حقوق الإنسان، تقارير تأتي لتنبيه الدولة إلى الاختلالات ودفعها لإصلاحها، يجب على الدولة أن تعي دور هذه التقارير، فهي بمثابة منبه لمجموعة من الاختلالات والانتهاكات، ودفعها بالتالي للعمل على وقفها، وهي التقارير ذاتها التي يؤخذ بها في تعاون الدول مع بعضها البعض، والتي يمكن أن تكون وسيلة للضغط على الدولة من أجل تحقيق مصالح الشعب وتحسين حقوق الإنسان.
بدوره يعتبر إدريس لكريني مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات في حديثه ل»المساء» أن التقارير وعلى اختلاف توجهاتها وخلاصاتها؛ تقدم خدمة مجانية للدول من حيث تنبيهها إلى مكامن الخلل، الحاصلة في مختلف التشريعات والسياسات والأوضاع، مضيفا أن الإعداد يكون على خبراء لهم دراية بالقطاعات التي يعكفون على متابعتها ومواكبتها..
إدريس لكريني *: هناك تقارير تقدم خدمة مجانية للمغرب عبر تنبيهه لمكامن الخلل
قال إن المستثمر لا يمكنه المجازفة بأمواله في بلدان لا تحترم فيها القوانين
- إلى أي حد يمكن القول إن التقارير التي تصدر بين الحين والآخر ترسم صورة حقيقية عن واقع حقوق الإنسان في المغرب؟
سواء تعلق الأمر بتقارير صادرة عن منظمات حقوقية دولية أو وطنية؛ غالبا ما تبنى هذه التقارير على مؤشرات عدة ومختلفة لقياس مدى التطور أو التأخر الحاصلين في مجال من مجالات حقوق الإنسان.
لا يمكن وصم هذه التقارير بالقداسة فهي تحتمل الصحة كما الخطأ تبعا للمؤشرات المعتمدة والظروف التي تعد فيها ومدى توافر المعطيات والمعلومات اللازمة؛ علاوة على الإشكالات التي تؤثر بالسلب في توخي الموضوعية عند إعدادها.
الغريب في الأمر أن الدول عادة ما تتعامل مع هذه التقارير التي قد تكون صادرة عن جهة واحدة؛ بمعيارين ومنطقين مختلفين؛ فعندما تحمل هذه التقارير أرقاما ومعطيات تشيد أو تدعم تطورا حقوقيا؛ ترحب بهذه التقارير وتروج لها على نطاق واسع، لكنها في مقابل ذلك تتعامل معها بالرفض والتشكيك في معطياتها ومؤشراتها؛ عندما تحمل انتقادات أو تضع هذه الدول في مراتب متأخرة في مجال من المجالات (حرية الصحافة؛ وجودة التعليم؛ وفساد القضاء؛ وانتشار الرشوة؛ وتمكين المرأة..)..
- هل تنعكس المواجهات بين الدولة والمنظمات الحقوقية المغربية سلبا على التقارير التي تتناول الوضع الحقوقي في المغرب؟ وهل من تكلفة لتلك المواجهات سواء على مستوى الاستقرار الداخلي أو على صورة المغرب الخارجية؟
لقد كان للحركة الحقوقية أثر كبير في تعزيز مسار حقوق الإنسان بالمغرب على مستويين، يتمثل الأول في الضغط نحو دفع السلطة في المغرب إلى المصادقة على الكثير من المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، وإصلاح وسنّ مجموعة من التشريعات انسجامًا مع التحولات المجتمعية والتطورات الدولية في هذا الشأن. ويرتبط الثاني بترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في أوساط المجتمع.
إن وجود دينامية حقوقية بالمغرب لا يمكن إلا أن يكون في صالح المغرب الذي قطع أشواطا مهمة في هذا الصدد؛ كما أن الأمر تؤكده وتثمنه مقتضيات الدستور الجديد الذي حمل مجموعة من المستجدات في هذا الصدد.
بل إن دعم مسار حقوق الإنسان وتعزيز دينامية هذه الفعاليات الحقوقية؛ سيقطع الطريق حتما على جهات خارجية تحاول فرض «وصاية» أممية على حقوق الإنسان في الصحراء المغربية. وفي هذا السياق يمكن القول إن هذا الدعم لا يتأتى عبر الضمانات الدستورية فقط؛ بل يظل بحاجة إلى توافر مجموعة من العوامل والشروط الداعمة؛ في ارتباطها بالسعي إلى تنزيل هذه المقتضيات الدستورية على أحسن وجه؛ ومتابعة تحققها وترجمتها على المستوى التشريعي ومخرجات السياسات العمومية بصورة سليمة، وإشراك هذه الفعاليات في تعزيز مسار حقوق الإنسان بالمغرب.
كما أن الأمر يتطلب من هذه الفعاليات اعتماد عمل احترافي متطور ينبني على تطوير الكفاءات البشرية وبلورة المشاريع والرؤى الاستراتيجية؛ والتفاعل بشكل إيجابي مع المحيط الاجتماعي؛ والقدرة على التشبيك والتعاون مع مختلف المتدخلين من مؤسسات عمومية؛ وجماعات محلية؛ وأحزاب سياسية؛ وإعلام؛ والتعاطي بموضوعية مع هذه الملفات من خلال الموازنة بين الوقوف على المكتسبات من جهة والاختلالات من جهة أخرى..
- هل يمكن القول إن التقارير السلبية عن حقوق الإنسان بالمغرب تنعكس سلبا على جاذبيته في الاستثمار والسياحة؟
ينبغي الإشارة إلى أن هذه التقارير؛ وعلى اختلاف توجهاتها وخلاصاتها؛ تقدم خدمة مجانية للدول من حيث تنبيهها إلى مكامن الخلل؛ الحاصلة في مختلف التشريعات والسياسات والأوضاع المتعلقة بحقوق الإنسان؛ وبخاصة وأن هذه التقارير تعتمد في جزء مهم منها في الإعداد على خبراء لهم دراية بالقطاعات التي يعكفون على متابعتها ومواكبتها..
كما أن هذه التقارير غالبا ما تخلق حالة من التنافس بين الدول على اعتبار أنها تضع ترتيبا للدول في مجالات حقوقية معينة.
حقيقة أن المنظمات الدولية والوطنية التي تشتغل على قضايا حقوق الإنسان لا تمتلك إمكانات سياسية أو اقتصادية.. تسمح لها بالضغط على الحكومات؛ لكن نشر التقارير التي تخلص إليها وتعميمها عبر وسائل الإعلام المختلفة التقليدية منها والحديثة وطنيا ودوليا؛ يعتبر سلاحا قويا؛ يضع الدول المعنية وهي الحريصة على سمعتها ومنجزاتها؛ في حالة من الحرج والارتباك الداخلي والدولي..
ولا تخفى- بالفعل- الآثار التي تحدثها هذه التقارير في حال تضمنها لمعطيات سلبية بصدد أوضاع حقوق الإنسان على السياحة والاستثمار وسمعة الدولة في محيطها الإقليمي والدولي. والمستثمر كما هو معلوم لا يمكنه المجازفة بأمواله في بلدان لا تحترم فيها القوانين أو ينخر الفساد مؤسساتها القضائية أو تخرق فيها الحقوق والحريات..
- هل يمكن اعتبار تنظيم المغرب لمنتديات دولية كمنتدى مراكش لحقوق الإنسان انخراطا رسميا في الجهود الدولية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان؟
تنظيم هذه اللقاءات يعكس وجود قدر من الانفتاح الذي يطبع تعاطي المغرب مع قضايا حقوق الإنسان؛ كما يعكس الثقة الدولية والإقليمية التي يحظى بها في هذا الصدد.
لكن ذلك لا يمكن اعتباره مؤشرا كافيا لقياس تطور حقوق الإنسان بالمغرب؛ ذلك أن الأمر يظل متوقفا على المنجزات الميدانية المتعلقة بحقوق الإنسان في شموليتها؛ والتفاعل الإيجابي والبناء مع التقارير الموضوعية الوطنية والدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان في المغرب؛ عبر تجاوز الاختلالات والمشاكل المطروحة؛ بدل تضييع الوقت والجهد في الرد عليها..
* مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات
السفارة الأمريكية: هكذا نكتب تقاريرنا حول المغرب وهكذا نتحقق مما يصلنا من معلومات
تتوصل مصالحها بتقارير من منظمات حقوقية ودبلوماسيين
غالبا ما يفضل الدبلوماسيون الأمريكيون العاملون في المغرب الحديث عن حقوق الإنسان بشكل مفصل، يجمع بين الإشادة بما حققته الدولة المغربية في المجال، وبين ما يجب التنبيه له، ولا يتردد أغلبهم في القول إن التقارير التي تصدرها الخارجية الأمريكية لا تؤدي إلى قطيعة دبلوماسية إلا في حالات استثنائية كخروقات خطيرة لحقوق الإنسان.
ويشرح أحد دبلوماسيي السفارة في حديث ل» المساء» طرق إعداد التقرير الذي يرسل إلى الخارجية الأمريكية، وطرق تجميع التقارير من المنظمات المحلية، والتأكد من صحة المعلومات الواردة فيها.
فإعداد التقرير السنوي للخارجية الأمريكية حسب المتحدث ذاته، يكون وطوال السنة، حيث تتوصل مصالح السفارة بتقارير من منظمات وجمعيات محلية، كما يقوم الدبلوماسيون المعتمدون في المغرب بزايات ميدانية، ويضيف الدبلوماسي «أقوم بزيارات متعددة حتى إلى المناطق الصحراوية».
وكشف المتحدث ذاته أن مصالح السفارة المكلفة بالملف الحقوقي تتلقى عشرات التقارير من منظمات وجمعيات مختلفة، بعضها محلي يختص في منطقة أو مدينة معينة كما هو الشأن بالنسبة لمدن الصحراء، وبعضها وطني يغطي المملكة المغربية بأكملها، لكن الكثير من مضامين تلك التقارير لا تعرف طريقها إلى تقرير السفارة النهائي الذي يرفع للخارجية الأمريكية، يضيف المتحدث.
ويضيف المصدر ذاته أن كل تلك التقارير تخضع لغربلة دقيقة، حيث يتم عزل التقارير المتضمنة لوقائع وأحداث مشكوك في صحتها أو وقائع كاذبة، وحتى المنظمات التي لها تجربة كبيرة ومصداقية تخضع تقاريرها لرقابة وغربلة.
تقريرنا يضيف مصدر «المساء» يتطلب شهورا من الإعداد، تتخللها زيارات ميدانية يقوم بها دبلوماسيونا من السفارة، للوقوف على الأوضاع بصفة شخصية، تمكن من رسم صورة مقربة للواقع، والتحقق من المعطيات التي تتضمنها التقارير التي تتوصل بها مصالح السفارة قبل حذف كل ما يجانب المصداقية.
في حالة المغرب والوضع الخاص للأقاليم الصحراوية، يضيف المصدر، يكون هناك تعامل خاص مع التقارير التي تأتي من منظمات محلية، فهناك تقارير تأتي من منظمات تتبنى الطرح الانفصالي، وقد تغالي أو تورد معطيات كاذبة وغير صحيحة لتشويه صورة المغرب، مضيفا أن الساهرين على التقارير الحقوقية يعون ذلك، ويدركون أن بعض التقارير التي تصل، هدفها كيدي لتشويه صورة الحكومة المغربية والمغرب.
بدورها، كشفت «جوليان بورنز» المسؤولة في وزارة الخارجية الأمريكية عن ملف حقوق الإنسان بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في لقاء سبق للسفارة الأمريكية في واشنطن أن نظمته في مقر دار أمريكا بالدار البيضاء وحضرته «المساء»، أن تقرير حقوق الإنسان الذي تصدره الوزارة الأمريكية سنويا يعتمد على مصادر مختلفة ومتنوعة لتجميع المعلومات، قبل إخضاعها للتحقيق للتأكد من صحتها.
وأشارت المسؤولة الأمريكية، إلى أن تقارير المنظمات الحقوقية سواء المغربية أو الدولية تخضع للكثير من التمحيص للتأكد من صحة المعلومات، قبل اعتمادها في التقرير السنوي الذي تصدره الخارجية الأمريكية حول وضعية حقوق الإنسان.
وأوردت المسؤولة ذاتها أن تقارير كثيرة تصل إلى الجهات المعنية بإعداد التقارير من منظمات حقوقية مغربية وتنظيمات حقوقية مختلفة، وتخضع كلها للتحقق عبر وسائل دقيقة جدا، تسمح بإبقاء المعلومات ذات المصداقية فقط.
وأكدت المسؤولة أنه يتم الاعتماد على تقارير المنظمات الحقوقية المحلية، لكن بعد إخضاعها لمجموعة من الإجراءات للتأكد من صحتها.
كما أشارت إلى أن موظفي السفارة الأمريكية لا يكتفون بتقارير المنظمات الحقوقية التي تصلهم من مدن كالعيون والداخلة، بل يقومون بزيارات ميدانية هناك، تسمح لهم بالوقوف على حقيقة الأمور بأنفسهم، قبل كتابة تقاريرهم التي ترسل إلى دوائر القرار في الخارجية الأمريكية.
وأكدت المسؤولة الأمريكية أن تقارير حقوق الإنسان التي تصدر عن وزارة الخارجية الأمريكية لا تؤدي إلى متابعات قضائية بحق الدول التي يشير إليها التقرير على أنها لا تحترم حقوق الإنسان، لكنها بالمقابل قد تؤثر على علاقتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وتشير إحدى العاملات في السفارة الأمريكية في الرباط إلى أن قضايا حقوق الإنسان تعد من المحاور الجوهرية للأنشطة الدبلوماسية للولايات المتحدة، وتشكل التقارير الأسس الواقعية التي تعتمد عليها في صياغة وتوجيه سياساتها، لذلك فهي تثير مشاكل وحساسيات، وكان التقرير الأخير يضيف المصدر ذاته قد أثار استياء مغربيا.
وكان وزير الاتصال مصطفى الخلفي قد سارع إلى القول إن التقرير الأخير شابته ثغرات أخرى تتمثل في لجوئه إلى تجاهل بعض المعطيات والمؤشرات الإيجابية المرتبطة بحقوق الإنسان في المغرب، ورغم ما تضمنه من معطيات إيجابية حول تطور حقوق الإنسان في المغرب، ومن ذلك على سبيل المثال تجاهل معطيات متداولة ومعروفة من سبيل تقديم الحكومة لقانون خاص بحرية الحصول على المعلومة من أجل تنزيل المقتضيات الدستورية، مشيرا إلى أن مشروع هذا القانون كان محل نقاش وطني وموضوع مناظرة وطنية قبل إقراره.
واتهم الخلفي التقرير الأمريكي أيضا بأنه «تجاهل نتائج الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة وما نص عليه في ما يخص استقلال القضاء».
ردود الفعل مثل هذه متوقعة يضيف محدثنا، قبل أن يستبعد أن تشكل مثل هذه التقارير تحولا في سياسة الإدارة الأمريكية تجاه المغرب، فقد لا تتغير سياستها بفعل تلك التقارير، لكن قد تتغير هذه السياسة في حال كان التقرير يحمل خروقات فظيعة لحقوق الإنسان.
وتسعى تقارير الخارجية الأمريكية إلى الإشادة بالإيجابيات والتنويه بالسلبيات، كما كان المثال أيضا في آخر تقرير للحريات الدينية في المغرب، إذ أشاد تقرير وزارة الخارجية السنوي 2014 حول الحريات الدينية في العالم بسماح السلطات المغربية للمسيحيين واليهود بممارسة طقوسهم بكل حرية وعدم التضييق على رموزهم الدينية ولباسهم الديني، إذ اعتبر أن السلطات المغربية تحترم حق غالبية المواطنين في ممارسة شعائرهم الدينية، وأن الدستور وباقي القوانين يحمي حرية المعتقد.
لكن اعتبر أن الحكومة تمنع خروج المواطنين من الدين الإسلامي، وتمنع أنشطة غير المسلمين المندرجة ضمن التبشير، كما رأى أن الحكومة المغربية متشددة في حماية الوحدة المذهبية للمغاربة، ومتسامحة بشكل كبير مع معتنقي الديانة اليهودية، في مقابل حظرها الشامل لجميع أنشطة التبشير المسيحي.
ويضيف الدبلوماسي الأمريكي أنه قليلا ما تقف تقارير حقوق الإنسان عائقا أمام المساعدات التي تقدم للمغرب، مشيرا إلى أنه حتى الولايات المتحدة الأمريكية تكون موضوعا لتقارير حقوقية من منظمات دولية، تنتقد في أغلب الأوقات حقوق الإنسان في أمريكا، لكن الأمر لا يثير حساسية، بل تعمل السلطات الأمريكية على تحسين الحقوق وفق مضامين تلك التقارير.
وكان الكونغرس الأمريكي قد صادق على قانون يطالب من خلاله كتابة الدولة التأكد من احترام حقوق الإنسان في المغرب كشرط مسبق لأي مساعدة مالية-عسكرية تمنح للمغرب، قبل أن يتم تجاهل ذلك، والمصادقة على المساعدات الأمريكية للمغرب، بما فيها تلك المخصصة لمدن الصحراء، قبل أن تدفع ضغوطات نواب من الحزبين إلى مراجعة الموقف الأمريكي، ليحظى المغرب بمساعدات ودعم أمريكي غير مسبوق، حتى أن الكونغرس خصص أكثر من 20 مليون دولار سنويا، وتشمل التمويل العسكري الخاص بصيانة التجهيزات العسكرية الأمريكية، برنامج التكوين والتدريب العسكري، بالإضافة إلى دعم برنامج مكافحة الإرهاب وإجراء تدريبات عسكرية متطورة للجنود المغاربة، وكذا إلقاء دروس لتقوية قدرات المغرب في محاربة الإرهاب.
أحمد الهايج *: نعد تقاريرنا من أجل تنبيه الدولة للتجاوزات وليس للتكالب عليها
قال إن المغرب مازال عليه الكثير ليفعله من أجل أن يظهر بمظهر الدولة الراعية الفعلية لحقوق الإنسان
- لماذا تقاريركم تثير الكثير من الحساسية للسلطات؟
التقارير التي تصدر بخصوص أوضاع حقوق الإنسان في المغرب، سواء كانت هذه التقارير محلية أو دولية، خصوصا تلك الصادرة عن خبراء أو المقررين التابعين للأمم المتحدة، هي تقارير تأتي لتنبيه الدولة إلى الاختلالات ودفعها لإصلاحها، يجب على الدولة أن تعي دور هذه التقارير، فهي بمثابة منبه لمجموعة من الاختلالات والانتهاكات، ودفعها بالتالي للعمل على وقفها، وهي التقارير ذاتها التي يؤخذ بها في تعاون الدول مع بعضها البعض، والتي يمكن أن تكون وسيلة للضغط على الدولة من أجل تحقيق مصالح الشعب وتحسين حقوق الإنسان.
هذا هو دور التقارير، لكن المشكل هو عدم تجاوب السلطات المغربية مع ما تتضمنه، وعوض أن تتجاوب بشكل إيجابي مع هذه التقارير، وتأخذ بعين الاعتبار مضامينها، والسعي إلى تصحيح ما ينبغي تصحيحه من اختلالات وتجاوزات، فهي تنظر إليها بعين العداء، وتتهم من يصدر مثل هذه التقارير بأنه يهدف إلى محاولة تلطيخ سمعتها وإظهارها بمظهر سلبي.
والحال أن المغرب حقق ما حققه حتى الآن من خلال العمل الدءوب التي تقوم به منظمات المجتمع المدني، وتجربة هيئة الإنصاف والمصالحة إلى غير ذلك من أشكال النضال.
ولكن المغرب مازال عليه الكثير ليفعله من أجل أن يظهر بمظهر الدولة الراعية الفعلية لحقوق الإنسان، إذ أن المشكل في المغرب ليس هو تعدد التجارب، وليس هو وجود قوانين، وإنما يبقى المشكل في الممارسات والتطبيق، ووقف الانتهاكات التي تتم في الواقع، وبالتالي هناك فرق بين الخطاب الذي تطلقه الدولة وبين ممارسات مؤسساتها في هذا الباب.
- هل تؤثر مواجهات السلطات مع منظمات حقوقية على مصالح المغرب؟
التكلفة دائما موجودة، على الدولة المغربية أن تعي أن قضية حقوق الإنسان ليست مسالة ثانوية أو من الكماليات، بل نحن نتحدث عن وجود دولة يسود فيها القانون، دولة تحترم حقوق مواطنيها، وبالتالي دولة يشيع فيها مناخ يسمح بجميع أشكال الحقوق، مما يؤدي إلى ازدهار الاقتصاد والتعليم.
وبغياب الحقوق فالمغرب يدفع تكلفة كبيرة، وعلى سبيل المثال تكلفة عدم إصلاح التعليم، فالدولة المغربية لا تريد أن تقر بأن النظام التعليمي في المغرب هو نظام يذهب من سيء إلى أسوء، وأن تصحيحه وتقويمه لا يأتي عبر مرور بشكل متسارع إلى خوصصته.
مجال آخر يكلف المغرب كثيرا هو مجال القضاء، فتكلفة الفساد رغم محاولة الدولة إخفاءه فهي كبيرة، وأيضا على مستوى السياسات الخاطئة التي تقوم بها في مجال حقوق الإنسان، التضييق على المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، وهو ما يؤثر ليس فقط على صورة المغرب، بل أيضا على مصالحه، وفيما يخص الشراكة التي تربطه بالاتحاد الأوربي فهو مقبل على نقاش حول إلى أي مدى الدولة ملتزمة بالبند الخاص باحترام الحقوق.
- لكن الدولة تنخرط في الجهود الدولية كمنتدى مراكش المقبل
منتدى مراكش هو حدث كان ينبغي أن يكون لحظة، للقيام بانعطافة جديدة في مجال حقوق الإنسان، لكن يبدو أنه يهيئ في أجواء غير سليمة.
كان على الدولة المغربية أو الجهات التي تسعى جاهدة من أجل تثبيت أو تحسين أوضاع حقوق الإنسان في المغرب، أن توفر ظروفا أفضل من تلك المتوفرة حاليا، لا يمكن أن نتحدث عن حدث مثل هذا ونحن نشهد المجازر التي ترتكب في حق المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، سواء كانوا أفرادا أو منظمات.
* رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.