إن نجاح قوات داعش في جعل الجيش العراقي يهرب من مدن شمال شرق الدولة، وتقدمها إلى الجنوب نحو بغداد، عرض الاستراتيجية الأمريكية في العراق كأنها أداة فارغة. وقد أظهرت قوات داعش المسلحة تفوق النظرية القتالية التي صاغتها في مواجهة قوى عسكرية محافظة صيغت في العراق بتوجيه أمريكي وفي إطار المعايير والقيم الأخلاقية والعملياتية لحروب الماضي. نشأ اتصال جغرافي خطير بين سورياوالعراق يربط أجزاء إسلامية محتلة في شرق سوريا بأكثر مساحة الأرض العراقية في غرب الدولة وجنوبها. وتخضع هذه المناطق لسيطرة المنظمات الإرهابية السنية التي تحقق حلم الخلافة الإسلامية حسب خطط القاعدة وتوابعها حقا. يظهر في المواجهات العسكرية المستمرة بوضوح تفوق عمليات حرب العصابات والإرهاب المصمم والمسلح بسلاح متقدم وبإيديولوجية إسلامية متطرفة على الكتائب الشيعية العراقية التي تفر في كل اتجاه؛ ذلك أمر يثير الاهتمام، لكن أسلوب القتال هذا -المسمى "الكر والفر"- هو جزء من النظرية القتالية الإسلامية منذ عصر محمد والذي مكّن، على مرِّ مئات السنين، مسلحين رحالين يلبسون خرقا ويحملون سيوفا محنية من التغلب على جيوش استعمارية ذات خبرة كبيرة. إن نوايا الأمريكيين الخيرة قادت منطقتنا إلى الجحيم؛ وقائمة الفوضى التي أحدثوها في مصر وسوريا وأفغانستان والعراقوإيران وكوريا الشمالية وإفريقيا طويلة، بل كادت إسرائيل تدفع ثمنا باهظا في الجولان ويهودا والسامرة بسبب مغامرة الأمريكيين. وقد دفعت أمريكا نفسها أيضا في إطار نواياها الخيرة قتلى ومالا كثيرا وخسارة حلفاء وسلاحا، ذهب هدرا بسبب مغامراتها. وقد انسحبت مثل ولد مصفوع يشعر بالإهانة لتدير العالم من المقعد الخلفي لمركب التاريخ، وتعلمون بأن القيادة من هناك داعية إلى حوادث السير بيقين. استُدعي الأمريكيون وعرضوا الحاجة إلى صد جهود داعش، وتضطر الولاياتالمتحدة في نفس الوقت إلى إجراء صلة معوجة في دول إسلامية "زميلة" تدعم بالسلاح والمال هذه المنظمات الإسلامية المتطرفة خاصة، بحجة أنها تعمل على مواجهة إيران، عدوتها الشيعية وتوابعها (حكومة المالكي الشيعي وإدارة الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان)، في حين تخشى تهديدات حركات "التكفير" هذه لها. وفي أثناء ذلك، يمد الأمريكيون "المسلمين المعتدلين الأخيار" الذين يعملون ضد الأسد بسلاح متقدم، في حين تحول الهزائم والتحولات في ميدان القتال وفي الولاءات وتنقل الإسلاميين بين الجبهات، تحول هذه المساعدة إلى عصا مرتدة؛ وهو ما يعزز آخر الأمر المنظمات الإسلامية التي على شاكلة داعش والقاعدة. توجب الشيفرة العملية الإسلامية التي توجه القاعدة وداعش العمل على "العدو القريب" وعلى "البعيد" بعد ذلك فقط. ولهذا يحتار "قادة" الخلافة الجديدة هل يُتمون في إطار "الربيع العربي" إجراءات السيطرة على النظم العربية السنية "الكافرة" في مصر واليمن والأردن ودول الخليج ويواجهوا إيران الشيعية بعد ذلك فقط، أم يستمرون في المواجهة العسكرية بينهم وبين "حرس الثورة" في سورياوالعراقولبنان. في إطار التزام أوباما لحلفائه، يجب على الأمريكيين الحائرين أن يعززوا معاقلهم في خط صد الإسلاميين على الحدود الأردنية وفي الجولان وغزة وشبه الجزيرة العربية والخليج وتمكين الإيرانيين (الذين يحكمون العراق أصلا) من علاج التهديد السني وحدهم. إذا أراد الإيرانيون مساعدة أمريكية على الإرهابيين السنيين في العراقوسوريا فليدفعوا ب"عملة ذرية" وإقليمية مبرهن عليها وإلا فإنه يجب على أمريكا أن تتنحى وتجلس جانبا. عن«إسرائيل اليوم