لا شك أنه بصدور قانون رقم 14.07 المغير والمتمم بمقتضاه الظهير الشريف ل12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، ظهرت في حيز الوجود مقتضيات جديدة متعلقة بالتعرض على مطلب التحفيظ، سواء التعرض المنظم في إطار الفصل 24 أو ذلك المرتبط بالفصل 29 من الظهير المذكور أعلاه، باعتباره تعرضا خارج الأجل. غير أن ما يميز هذا الأخير هو طرحه مجموعة من الإشكالات القانونية على النحو الذي نورده تباعا: إشكالية الأجل القانوني نص المشرع في الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري على ما يلي: (بعد انصرام الأجل المحدد في الفصل 27 أعلاه، يمكن أن يقبل التعرض بصفة استثنائية من طرف المحافظ على الأملاك العقارية، ولو لم يرد على مطلب التحفيظ أي تعرض سابق، شريطة أن لا يكون الملف قد وجه إلى المحكمة الابتدائية...). صحيح أن المشرع نص على الأجل القانوني الذي بانصرامه يتأتى للمحافظ قبول التعرض الاستثنائي، وهو انصرام شهرين من تاريخ نشر الإعلان عن انتهاء التحديد بالجريدة الرسمية، غير أن الإشكال يطرح بخصوص المدى الزمني الذي يخول بواسطته للمحافظ على الأملاك العقارية قبول هذا التعرض الاستثنائي؟ بمعنى آخر، هل أجل التعرض الاستثنائي يبقى مفتوحا أم إن له ضابطا زمنيا لا يحق للمحافظ تجاوزه؟ باستقرائنا للفصل 32 من ظهير التحفيظ العقاري، في فقرته الرابعة، نجد أن المشرع ينص على ما يلي: (..خلال الثلاثة أشهر الموالية لانصرام الأجل المنصوص عليه في الفصل 23، يوجه المحافظ على الأملاك العقارية مطلب التحفيظ والوثائق المتعلقة به إلى المحكمة الابتدائية التي يقع العقار بدائرتها). مما يفيد بأن المشرع استعمل كلمة "يوجه" التي جاءت فعلا مضارعا بصيغة الأمر، أي أن المشرع ألزم المحافظ بإحالة الملف على المحكمة عند وجود تعرض استثنائي قدم داخل أجل الثلاثة أشهر الموالية لانصرام أجل الإعلان عن انتهاء التحديد، والمحدد في شهرين كاملين، وهذا إثبات بالإيجاب. وبمفهوم المخالفة، منع على المحافظ قبول التعرضات الاستثنائية المقدمة خارج أجل الثلاثة أشهر الموالية لانصرام أجل الشهرين التاليين لنشر الإعلان عن انتهاء التحديد بالجريدة الرسمية، وهذا إثبات بالنفي. تجديد أجل التعرض وأثره على التعرض الاستثنائي نص المشرع في الفصل 23 -في فقرته الأخيرة- من ظهير التحفيظ العقاري على ما يلي: (... أما إذا نص المحضر على تنفيذ العمليات المقررة في الفصل 21، فإن المحافظ على الأملاك العقارية يقوم وفق الفصل 18 من هذا القانون بنشر وتعليق إعلان يتضمن أن التعرضات على التحفيظ تقوم لدى المحافظة العقارية خلال أجل شهرين ابتداء من يوم نشره بالجريدة الرسمية. ينشر هذا الإعلان داخل أجل أقصاه أربعة أشهر الموالية للتحديد النهائي للعقار وينشر من جديد في حالة تحديد تكميلي لاحق ينتج عنه تمديد حدود العقار). وبالتالي، يحق للمحافظ على الأملاك العقارية فتح أجل جديد للتعرض إضافة إلى الأجل الأول حينما يتعلق الأمر بنشر خلاصة إصلاحية، موضوعُها تمديد حدود العقار، مما يفيد بأن من حق المحافظ قبول تعرض داخل الأجل الجديد، لكن في حدود ما نشر؛ بمعنى آخر، إذا ما قدم إلى المحافظ طلب تعرض داخل الأجل الجديد، لكن دون أن تكون له علاقة بالإجراء موضوع الخلاصة الإصلاحية الذي هو تمديد المساحة، فيمكنه (أي المحافظ) في هذه الحالة ألا يقبل هذا التعرض على اعتبار أن فتح أجل جديد تم في حدود قبول التعرضات المتعلقة بتمديد المساحة لا غير. لكن في المقابل، ألا يحق قبول تعرضات خارج الأجل تتعلق بحدود ما نشر، أي بعد انتهاء أجل الشهرين المواليين لنشر الإعلان الجديد عن انتهاء التحديد؟ وما حكم التعرض الذي قدم داخل الأجل الجديد وليست له علاقة بما نشر في الخلاصة الإصلاحية موضوع تمديد المساحة، لكن له علاقة بما لم ينشر؟ ألا يمكن اعتباره تعرضا خارج الأجل الأول، وبالتالي تعرضا استثنائيا، ترتبط استثنائيته بالأجل الأول وليس بالأجل الثاني؟ مدى قابلية قرار رفض التعرض الاستثنائي للطعن القضائي نص الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري في فقرته الأخيرة على أن قرار المحافظ على الأملاك العقارية برفض التعرض غير قابل للطعن القضائي. ترتيبا عليه، فهذا المقتضى القانوني يطرح إشكالين قانونيين اثنين، أولهما متعلق بماهية الحالات التي يحق للمحافظ من خلالها رفض التعرض الاستثنائي: هل حينما لا يدلي المتعرض بالأسباب التي منعته من تقديم تعرضه داخل الأجل وبالعقود والوثائق المدعمة لتعرضه، وبالتالي يرفض طلبه؟ أم إن الأمر يتعلق بأسباب شكلية وموضوعية أخرى تقتضي من المحافظ التحقق منها، مثل مدى ارتباط الوثائق المعتمدة من قبل المتعرض بالمراجع العقارية لمطلب التحفيظ أو بأوصاف العقار أو حدوده أو مشتملاته، وغيرها من المعطيات الجيوديزية المرتبطة بالوعاء العقاري موضوع طلب التعرض الاستثنائي؟ وثانيهما، متعلق بعدم قابلية قرار المحافظ برفض التعرض الاستثنائي للطعن القضائي، وهذه هي النقطة التي فجرت سجالا قانونيا حول مدى تكييف قرار المحافظ كقرار إداري قابل للطعن أمام المحكمة الإدارية كغيره من القرارات المشوبة بالشطط في استعمال السلطة، وبين اعتباره قرارا غير قابل للطعن بمقتضى نص خاص. لكن الإشكال القانوني الذي لم يختمر بعد في ذهني هو كالآتي: لنفترض جدلا أنه تم قبول الطعن ضد قرار المحافظ برفض التعرض خارج الأجل من طرف المحكمة الإدارية باعتبارها المحكمة المختصة نوعيا في الطعون ضد القرارات الإدارية، فهل سيتم هذا الطعن أمام قضاء الإلغاء أم أمام القضاء الشامل؟ *باحث في القانون العقاري