تمثل المقاولات الصغرى والمتوسطة %90 من النسيج الصناعي بالمغرب يعرف النسيج الصناعي في بلادنا هيمنة المقاولات الصغرى والمتوسطة، حيث تمثل ما يناهز 90 % من مجموع المقاولات، أزيد من 90 % منها عائلية وحوالي 20 % موجهة نحو التصدير. ورغم أنها تتميز بطبيعتها بعدة مزايا، مالية وتقنية لا تتوفر في غيرها من المقاولات الكبرى، حيث لا يتطلب نشاطها الكثير من الرأسمال ووسائل إنتاجها وبنياتها التنظيمية تمكنها من إدخال الإصلاحات الضرورية والتكيف مع المتغيرات الطارئة، بسهولة شديدة وبمرونة كبيرة، فإن تطورها لايزال يصطدم بعدة صعوبات، كقلة السيولة وعدم الاستقرار في التمويل والتردد في إدخال طرق الإنتاج والتدبير الحديثة، والتي بدونها لا يمكن أن نتكلم عن نمو قوي ومستدام. ورغم أهميتها الرقمية، فإن المقاولات الصغرى والمتوسطة لا تساهم إلا بنسبة متواضعة في إنتاج القيمة المضافة، بحوالي %50 وفي خلق فرص الشغل، بما يقارب %50 كذلك. وهي نسب أقل من الممكن، بالنظر إلى المزايا التي تتوفر عليها والتي لا يتم استغلالها بشكل جيد وعقلاني. كما أنها تنتشر في التراب الوطني بشكل غير متوازن، حيث ترتكز، بصفة خاصة، في الوسط، على طول المحيط الأطلسي. فالدار البيضاء الكبرى وحدها تضم %41 وجهة طنجة- تطوان %9 والرباط- سلا %8 وفاس- مكناس %9 والباقي، أي %33، منتشرة عبر 14 جهة أخرى. هذا التوزيع يجعلنا بالفعل أمام مقولة المغرب النافع والمغرب غير النافع، مما يحتم على الدولة التدخل السريع، عن طريق سياسة جهوية صارمة لتصحيح هذا الاختلال. في زمن العولمة وبروز الأقطاب الاقتصادية الكبرى وتكون التحالفات الاستراتيجية بين الشركات العالمية والاتجاه السريع نحو إنشاء مناطق للتبادل الحر وظهور الفصول الأولى لأزمة اقتصادية عالمية وشاملة، والتي لا يعلم أحد بحقيقة ولا بحجم تداعياتها المحتملة، يتوقع أن يعرف النسيج الإنتاجي في بلادنا صعوبات جمة، لم يسبق لها مثيل، حيث سينقسم هذا النسيج إلى ثلاث مجموعات من المقاولات، مجموعة مؤهلة، ستتحمل هذه الصعوبات بدون مشاكل، ومجموعة ثانية، يمكنها، عبر إعادة هيكلتها وتأهيلها، الاستمرار في الإنتاج، لكنها تحتاج إلى إجراءات موازية، خلال فترة انتقالية، ومجموعة ثالثة ضعيفة ومحكوم عليها بالإفلاس إذا لم تتخذ وبشكل سريع إجراءات جذرية، وذلك بتحديث بنياتها التنظيمية واندماجها في تحالفات استراتيجية وإدخال الإصلاحات الأساسية، خاصة تلك المتعلقة بتقنيات الإنتاج وطرق التدبير والوعي كذلك بالجدوى من التكوين المستمر ومن شيوع ثقافة المقاولة، إضافة إلى خلق شروط إنتاج أكثر ملائمة، لتطوير قدرة المقاولة على المنافسة وتوفير مناخ عمل سليم، تسوده علاقات شغل يطبعها التعايش والتعاون، مما سينعكس، من دون شك، إيجابا على المردودية. وعموما، فإن الإجراء الملائم، بالنسبة إلى جميع هذه المجموعات، يبقى هو التحسيس بضرورة التأهيل، كمطلب أساسي ورهان استراتيجي، بل ومصيري كذلك، حتى تستطيع مقاولاتنا التصدي للمنافسة ومجابهة الاستحقاقات القادمة، بأقل الخسائر الممكنة. هذا التحسيس يجب أن تشارك فيه، إضافة إلى المقاولات، السلطات العمومية والجمعيات المهنية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، للتنبيه إلى مخاطر العولمة وإكراهاتها، وكذلك الفرص العديدة التي تتيحها. ولا يتم كل ذلك إلا عبر وضع برنامج وطني للتشخيص الموضوعي لجميع المقاولات وفي كل القطاعات، بهدف استخراج الأكثر عرضة منها للإفلاس والوقوف على مكامن الضعف، لتصحيحها وتفادي الوقوع فيها في المستقبل، وكذلك نقاط القوة من أجل دعمها وتقويتها. هذا التشخيص يجب أن يهم مجالين أساسيين اثنين؛ هما مجال التنظيم،حيث الحجم الصغير والبنية العائلية لأغلب المقاولات لا يتلاءمان وطرق التدبير الحديثة، وكذلك مجال التمويل، حيث إن محدودية الوسائل لا تمكن من وضع بنيات إنتاجية قادرة على تحقيق الإقلاع وغزو الأسواق الخارجية. لقد ظهرت المقاولات الصغرى والمتوسطة في بلادنا، أول ما ظهرت، على يد أناس لا يتوفر أغلبهم على الحد الأدنى من التكوين المطلوب، ينتمون إلى نفس العائلة ويحتلون جميع المواقع الأساسية ويتدخلون في جميع المهام، يفهمون في كل شيء، يحكمون ويخططون ويسيرون، منغلقين لا يفتحون أبواب مؤسساتهم أمام من يعتبرونهم غرباء عنهم، من الشركاء والمساهمين الجدد ومن الشباب، خريجي الجامعات والمعاهد العليا. وهكذا تطورت هذه المقاولات وتقوت وتنوعت نشاطاتها، مستفيدة، في كل ذلك، من نظام حمائي قوي وإجراءات إدارية وجمركية مساندة، الأمر الذي جعلها لا تقوى على المنافسة وغير قادرة تماما على الاعتماد على ذاتها وفك الارتباط الوثيق بينها وبين الدولة وغزو أسواق خارجية غير تقليدية وكسر حواجز الدخول المختلفة، لأنها بكل بساطة نمت وترعرعت على طلب المساعدة وعلى الامتيازات المختلفة، من دون أن تقدم في الوقت نفسه ما يقابل ذلك، إن اجتماعيا أو بشريا أو بيئيا... واليوم يجب عليها أن تدرك أن زمن الربح السريع واقتصاد الريع والاعتماد المفرط على الدولة، بل وفي بعض الأحيان حتى مقايضتها إن اقتضى الحال ذلك، يجب أن ينتهي تماما، ليحل محله زمن المسؤولية والفعالية والتحديث والتكيف مع كل المستجدات، وهي كلها في نظري كلمات سر أساسية للبقاء أولا ثم التطور والنجاح في المستقبل. إن عملا جبارا يجب أن ينجز اليوم من طرف الدولة، من أجل تسهيل ومواكبة عملية التأهيل، ليس بالاستمرار في سياسة الدعم المالي والمساعدة المباشرة، وإنما بالتكوين المستمر للموارد البشرية وبإصلاح الإطار المؤسساتي والتنظيمي وبخلق مناخ قانوني وجبائي واجتماعي ملائم وبتوفير البنيات التحتية الأساسية وإحداث مناطق صناعية مندمجة ومنخفضة الثمن (ولن يتأتى ذلك مادام هناك لجوء مستمر إلى الرصيد العقاري من طرف الدولة والجماعات المحلية، مما سيؤدي إلى استنزافه، ومادامت القوانين التي تحكم النظام العقاري بالمغرب معقدة وما دامت الأنظمة العقارية نفسها متعددة) وبالعمل على تجميع النسيج الإنتاجي الوطني حول قطاعات صناعية استراتيجية، توفر الشغل وتحقق النمو والتفكير في خلق وكالة وطنية، يكون من مهامها الأساسية خدمة المقاولة، في أهم مراحل نشاطها، ابتداء من دراسة السوق، إلى استكشاف الأسواق الخارجية، إلى طلب التمويل، حتى أداء الضرائب، إضافة إلى تفعيل نظام الشباك الواحد، كمخاطب إداري وحيد، الأمر الذي سيؤدي إلى تخفيف الإكراهات الإدارية وتبسيط المساطر وتحقيق السرعة في الإنجاز والاقتصاد في الجهد وفي الآجال والتقليص من التكلفة وبالتالي تحسين القدرة التنافسية. إن عملية التأهيل مسلسل دائم ويحتاج إلى موارد مالية. وبما أن المغرب ذو إمكانات مالية محدودة، فإن مهمة التمويل الذاتي لعمليات التأهيل تعد عملية صعبة. لهذا كان اللجوء، مند البداية، إلى الاتحاد الأوربي، الشريك التجاري الأول للمغرب، الذي ما فتئ يقدم المساعدات ويساهم بالمال وبالتكوين، وذلك عبر برامج تمويلية، بقيت آثارها، إلى حد الآن، محدودة جدا. لذلك وجب التفكير اليوم في قنوات وطنية بديلة للتمويل، فالقطاع البنكي مثلا، رغم توفره على سيولة مهمة، فإنه لا يزال يتجاهل عددا من المقاولات الصغرى والمتوسطة، وخاصة تلك المتمركزة في مناطق بعيدة عن المنطقة الوسطى، على طول المحيط الأطلسي، كما لا يزال يتعامل بمعدلات فائدة كبيرة جدا، اعتبارا للمعدلات العالمية، ويبالغ في الضمانات المطلوبة. أما بورصة القيم، كوسيلة تمويلية تكميلية للقطاع البنكي ذات أهمية بالغة، بالنظر إلى آفاق تطويرها، فيبقى دورها أساسيا وواعدا، على ضوء الإصلاحات القانونية المرتبطة بها، لكن، ومع ذلك، فإن مسألة التأهيل ليست مسألة موارد مالية فقط، لأن المقاولة يجب ألا تقتصر من التأهيل على الدعم المالي فقط وتغفل جوانب أساسية عديدة أخرى.