تعدّدت أسماء الولية الصالحة مسعودة، فالبعض يفضل تسميتها «الأميرة العالمة»، والبعض اختار لها اسم «السيدة الحرة الصالحة»، وأهل الجنوب يطلقون عليها لقب «مسعودة الوزكيتية»، و فئة من المؤرخين تلقبها ب«عنقاء الصحراء».. لكنْ مَهما تعددت أسماؤها وألقابها فإنها تفضل لقب الأميرة المحسنة، باعتبارها أمّ السلطان أحمد المنصور الذهبي.. لكن «مسعودة» يبقى هو اللقب المسجل في الروايات التاريخية، إلا أنّ «عودة» هو الأكثر شهرة، ولا يعرف الناس سبب هذا اللقب رغم أن مجموعة من الروايات الشفوية ربطته بقوامها الممتلئ، الشّبيه ب«العودة».. وقيل إنّ هذا اللفظ مخفف من مسعودة على طريقة أهل المنطقة.. يرقد جثمان مسعودة في قبور السعديين في حي القصبة داخل أسوار مدينة مراكش القديمة، في ضريح سلطانيّ يضمّ مجموعة من رجال ونساء الدولة السعدية، من قبر محمد الشيخ، مؤسس الدولة، إلى بقية أفراد العائلة. ولعلّ وجود ضريح لالة عودة في هذا الفضاء جعلها أقلَّ ارتباطا بالدجل، كما هو حال كثير من مزارات الوليات الصالحات في هذا البلد. وُلدت مسعودة في كنف والدها الشيخ أبي العباس أحمد بن عبد الله الوزكيتي الورزازي، وكانت منذ صغرها حريصة على اقتناء المفاخر راغبة في فعل الخير. وهي أمّ السلطان المنصور الذهبي، الذي ساعدها في توسيع مبادراتها التضامنية وحوّلها إلى السيدة الأولى للقصر السلطاني. أجمعت الكتابات التاريخية على أنّ لالة عودة عرفت بقلبها الرّحيم وبحرصها على الذكر وقيام الليل، وكانت تخصّص للأيتام حيزاً كبيرا من اهتمامتها، بل عملت على إقامة حفلات زفاف للأيتام واليتيمات وشجّعت الزواج من المتخلى عنهن، فضلا على اهتمامها بالعمران، لاسيما إنشاء المساجد والقناطر، وكانت تعمل على إصلاح الطرُق في البوادي والحواضر في زمن كان فيه ابنها مهتمّا بالفتوحات العسكرية وتقوية الاقتصاد الوطني. على بوابة المسجد العظيم لباب دكالة في مراكش إشارة إلى دور هذه السيدة في إنشاء هذه المعلمة الدينية، ويعرض السلاوي قصة يتداولها العامة حول سبب بنائها المسجدَ المذكور، تقول إنها «دخلت يوما بستانا من بساتين قصورها وهي في حالة الوحم، فرأت فيه خوخا ورمانا فأكلت منها في نهار رمضان والناس صيام.. ثم ندمت وفعلت أفعالا كثيرة من باب البرّ، رجاء أن يتجاوز الله عنها، ومنها بناء الجامع المذكور».. لكنّ المراكشيين يردّدون روايات أخرى عن لالة عودة السعدية أمّ المنصور الذهبي، تجمع على أنها أفطرت يوما عمدا في رمضان وشعرت بالندم فوهبت كل ما تملك لفائدة «النفافرية» ليدعوا لها الله جل جلاله بالمغفرة والتوبة، ومن يومها كان النفافري ينشد على نغمات نفّاره «عودة كالتْ رمضان بالخوخْ والرّمانْ اغفر ليها يا رحمانْ». ووصف ابن القاضي، في المنتقى المقصور، الولية بصفات أقربَ إلى التصوف، «الحرّة الجليلة، الحبيبة، الولية العابدة، الصالحة الصوامة القوامة، المشفقة على العباد، المحافظة على الأدعية والأذكار والساعية في الخيرات وأعمال البر والإيثار للأولياء، وبلغ الله من كل خير أملها وقصدها، وألهمها التوفيق والهداية إلى سَواء الطريق بعزيمة بلغ صدفها، ونية رضى عنها إذ كانت أدام الله حفظها أوفر الناس رغبة إلى التكثير من الخير والفحص على عمل البر والعثور على أسبابه، وأفعالها المستحسنة خرقت المعتاد خرقا وتجوب البلاد غربا وشرقا، وتلك هداية من الله تعالى». توفيت الأميرة للا عودة سحر يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شهر محرم سنة ألف ميلادية، ولازال مكان تعبّدها ماثلا للعيان في روضة قبور الأشراف السعديين في مدينة مراكش. وحين يذكر المراكشيون لالة مسعودة الصالحة فإنهم يذكرون بستان المنارة، الذي كان يحمل اسم «جنان الصّالحة» في عهد السعديين، وبعد وفاتها سماه المنصور ببستان المسرّة، وبعده سمى اسم «بستان المنارة». وقد كانت النساء تتغنى بهذا البستان لجماله وتخليدا لذكرى هذه الأميرة الفاضلة في أبيات شعرية متواترة عبر التاريخ في ما يشبه الكورال الطفولي الذي ردّده الجميع دون أن يعرف أحد أسباب نزوله: أجْرادة مالحة.. فين كنت سارْحة.. في جنانْ الصّالحة..