سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تعليم أردوغان الديني وتديّن والده لعبا دورا بارزا في رسم مَلامح شخصيته كان «شيخه» أربكان يؤيده في أيّ تغيير يُدخله على «حزب الرّفاه» إلى أن حُلّ في 1997
يؤكد «طيب» أنّ الرسول، صلى الله عليه وسلم، هو أسوته الأولى، لكنّ ذلك لا يمنع أنه تأثر أيضا بالزعيم الإسلامي التركي نجم الدين أرْبَكان، الذي منحه الثقة و أعطاه الفرصة ليصل إلى منصب رئيس فرع حزب الرفاه، وهو في الخامسة والثلاثين، ثم يصير رئيس بلدية إسطنبول، أكبر بلدية عامة في تركيا، عام 1994. كما أن تعليمه الديني وتديّن والده لعبا دورا بارزا في رسم مَلامح شخصيته. وممن تأثر بكتاباتهم الشاعران المسلمان محمد عاكف (توفى 1936) ونجيب فاضل (توفى 1985) الذي عاصره وتلقى عنه دروسا كثيرة في الشّعر والأدب. وقد درج أردوغان على الذهاب إلى مقبرة فاضل في ذكراه السنوية، وفي جمع غفير من أهالي إسطنبول للترحّم على روحه. أما عن علاقة أردوغان بنجم الدين أربكان، تلك الشخصية التي أثرت فيه كثيرا، فكان بمثابة القائد القدوة لأردوغان، فبدأت منذ كان رجب رئيسا لفرع «حزب السلامة» في ولاية إسطنبول، حيث تعلق بشدة بقائده وقدوته نجم الدين أربكان، إلى حد أنه أطلق اسم نجم الدين على أحد أبنائه. وكان أربكان يثق في أردوغان كثيرا ويرحّب بكل من ينضم إلى الحزب عن طريقه، وكان الشيخ يؤيد أردوغان في أي تغيير يدخله على الحزب.. إلى أن حُلّ «حزب الرّفاه» عام 1997. وما زال أردوغان يُكنّ الاحترام والتقدير لشيخه أربكان حتى بعد خروجه من السجن في 24 يوليو 1999م، إلى أن انفصل عنه عام 2001، ليؤسس «حزب العدالة والتنمية».. ومنذ بداية تأسيس الحزب أراد أردوغان أن يدفع عن نفسه أي شبهة باستمرار الصلة الإيديولوجية مع أربكان وتياره الإسلامي، الذي «أغضب» المؤسسات العلمانية مرّات عدة، فأعلن أنّ العدالة والتنمية سيحافظ على أسس النظام الجمهوري ولن يدخل في احتكاكات مع القوات المسلحة التركية وقال: «سنتبع سياسة واضحة ونشطة من أجل الوصول إلى الهدف الذي رسمه أتاتورك لإقامة المجتمع المتحضّر والمعاصر في إطار القيم الإسلامية التي يؤمن بها 99 % من مواطني تركيا».. وهو الموقف الذي بدا من أنّ أردوغان حاول من خلاله إمساك العصا من الوسط، مقدّما شكلا جديدا من الوسطية، التي سيكون لها الفضل فوز حزبه بالأغلبية في انتخابات عامي 2002 و2007. وكان أردوغان يحاول، دائما، التشديد على نهجه الوسطي، فكان يصرح بأنّ حزبه «ليس حزبا دينيا، بل هو حزبا أوروبي محافظ».. كما أنه دأب على انتقاد ما قال إنه «استغلال الدين وتوظيفه في السياية»، وأكد أنه لا ينوي الدخول في مواجهة مع العلمانيين المتشدّدين ولا حتى استفزازهم. وفي الوقت الذي كان أردوغان يلقي بثقله باتجاه قبول تركيا في الاتحاد الأوربي، لم يكن ذلك لإقناع العلمانيين بأنه ليس نسخة من أربكان فحسب، بل أدرك، أيضا، أن مثل هذه العضوية ستضع تركيا في فلك الديمقراطية الأوربية التي ترفض أي دور للعسكر وتمنح الناس حرية التدين أو عدمه، وهما أمران يمثلان ضربة قوية لجوهر النظام العلماني التركي، الذي يمنح الجيش صلاحيات واسعة ويسيطر على التدين وأشكاله. ورغم أنّ أردوغان تحاشى أيّ استفزاز للقوى العلمانية -حتى إنه أرسل ابنته المحجبة إلى أمريكا لتدرس هناك بسبب رفض الجامعات التركية قبول طالبات محجّبات- فإنّ ذلك لم يحُلْ دون حديث العلمانيين عن وجود «خطر رجعي» قال قائد الجيش التركي إنه «وصل إلى مستويات مقلقة». وحتى مع عدم اتهام أردوغان مباشرة بالرجعية، فإنّ الرئيس التركي السابق أحمد نجدت سيرو -وهو من أشدّ المدافعين عن العلمانية- اتهم حكومة أردوغان بمحاولة أسلمة كوادر الدولة العلمانية قائلا: إن التهديد الأصولي بلغ حدّا مقلقا، الأمر الذي ردّ عليه أردوغان بحدة قائلا: «إن من حقّ المؤمنين في هذا البلد أن يمارسوا السّياسة».. رؤيا زواجه يقول الكاتب الصحافي التركي فهمي جالموق، في كتابه الذي ألفه عن مسيرة حياة أردوغان: «بدأت قصة زواجه من المناضلة الإسلامية في حزب السلامة «أمينة» عام 1977 إثر رؤيا رأتها فتاة من أصل عربي من مدينة سعرد، جنوب شرق الأناضول، رأت البنت الناشطة آنذاك في حزب «السلامة الوطني» في المنام فارسَ أحلامها يقف أمام الناس خطيبا في منامها قبل أن تعرفه على أرض الواقع.. وبعد يوم واحد ذهبت أمينة مع الكاتبة الإسلامية شعلة يوكسلشنلر إلى اجتماع حزب السلامة فرأت ذاك الشاب نفسَه الذي رأته في المنام، ثم تعرّفت عليه، فإذا هو رجب، ذو الأصول القوقازية من شمال شرق مدينة ريزة، القريبة من جورجيا.. تزوج الاثنان في 4 يوليوز عام 1987، وبعدها أدّيا مناسك الحج معاً، واستمرّت الحياة بينهما يسودها الحب والمودّة، ووصلا إلى دفة الحكم في تركيا، رغم الحجاب الذي تريديه السّيدة أمينة (ولدت عام 1955) والذي يثير حفيظة الجيش والمعارضة العلمانية. ولأردوغان من زوجته أربعة أبناء: أحمد براق ونجم الدين بلال (سمي على اسم أستاذه نجم الدين أربكان من فرط إعجابه واحترامه لأستاذه) وبنتان: إسراء وسمية. وقد تزوج نجم الدين بلال، قبل 7 سنوات وكان أحد الشهود على زواجه رئيس الوزراء الإيطالي، سيلفيو برسكوني.. يومها، أبطلت الشرطة السّرية التركية خطة لمنظمة يسارية متطرّفة أعدّتها لاغتياله خلال الحفل، فتملص من محاولة كان الزفاف سيتحول معها إلى مجزرة.. وله من ابنته إسراء حفيدان، تبلغ أكبرهما 5 سنوات، وسمية تدرس في الولاياتالمتحدة، لأنّ البلاد التي يرأس أردوغان حكومتها منذ 8 سنوات تمنع الطالبات من ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات.. أما والدة أردوغان (تنزيل) فهي ما زالت على قيد الحياة ومعتلة الصّحة بمرض القلب.. بساطته جواز مروره اقترب «طيب» من الناس.. ربما يكون هذا هو السّر في أن الناس منحوه حبّا جارفا لم تعرفه تركيا منذ سنين طويلة في ما يتعلق برجال السياسة والحكم. سبق أن ذكرنا القليل عن خطه السياسي ومسيرته العملية، وسنواصل التطرّق لها بين دفتي هذا الكتاب، لكنّ ما يهمنا هو أن نتحدّث عنه الآن هو ما الذي جعله يحظى بكل هذا الحبّ.. وحتى نفهم بوضوح، لا بدّ لنا من سرد النقط التالية، التي شكلت في حد ذاتها أسبابا تبوح عن أسرار هذا الحبّ الدفين لهذا الرّجُل: -حماسي جدا وعاطفي جدا.. يمكن أن يكون هذا باختصار هو «طيب»: فالعلاقات الاجتماعية الدافئة هي من أهمّ ملامح شخصيته، ويرى البعض أنّ صفاته الجسدية (قامته الطويلة، جسمه الفارغ وصوته الجهوريّ) تلعب دورا هامّا في جذب الناس إليه. كما أنه ليس متحدّثا بارعا فحسب، بل إنه مستمع جيّد كذلك.