«السيد ألبير قصيري، سيرة حياة»، هو عنوان كتاب جديد صدر قبل أسبوع عن دار «كورلوفور» في باريس، من توقيع الكاتب الفرنسي، فريديك أندرو، الذي يقدم، على شكل سيرة ذاتية، إحاطة شاملة بتفاصيل حياة الكاتب المصري الراحل، ألبير قصيري، الذي يتزامن صدور الكتاب مع الذكرى المئوية لولادته. ولم يسبق للكاتب أن تعرّف على ألبير قصيري أو تحدث إليه، بل كان يراه عن بعد عندما كان يتردد على مقاهي حي «سان جيرمان دو بري» حيث أقام قصيري بمفرده في فندق حوالى ستين عاما، وكان ذلك بعد مغادرته مصر عام 1945. ويروي فيليب أندرو أنه اعتمد في كتابته لسيرة قصيري على لقاءات طويلة مع بعض معارفه وأصدقائه المقربين أمثال الممثلة الكبيرة، مونيك شوميت، التي كانت زوجته لمدة سبع سنوات، وناشرة كتبه، جويل لوسفيلد، وكذلك المغني العالمي، جورج موستاكي، الذي كان من أعز أصدقائه. وقد نهل المؤلّف من مقالات وكتابات تركها قصيري بعد أن فقد صوته في السنوات الأخيرة من حياته. واللافت هو التفاصيل الحميمة التي يقدمها عن ألبير قصيري الذي اختار كما هو معروف الكسل مهنة له.. وعلى الرغم من أنه أمضى حياته بلا عمل مأجور، فهو لم يكتب سوى ثمانية كتب، لكنها شكلت، على قلّتها، علامة مؤثرة في مسيرة الأدب المكتوب باللغة الفرنسية في القرن العشرين. ويتوقف الكتاب عند خصوصية قصيري، مبينا غرابة علاقاته حتى مع أقرب المقربين إليه، ومنهم مونيك شوميت التي تعرف عليها في سهرة باريسية، فتعلقت به قبل أن يقررا الزواج عام 1953. غير أن هذا الزواج لم يغيّر من عاداته، حيث ظل بلا عمل، مقيما بمفرده في غرفة بفندق «لويزيان». وكان يلتقي بها إما في الفندق أو في منزل والدتها في باريس. ولم يدم هذا الزواج الذي أدهش الجميع طويلا، فجاء الانفصال بطلب من الزوجة وبدون إجراء مراسيم الطلاق. وهي لم تطلقه رسميا إلا عام 1960 عندما قررت الزواج من الممثل الكبير فيليب نواري. ومهما تعددت علاقاته مع الكتاب والفنانين من حوله، ومنهم الكاتب العالمي جان جينيه، والنحات ألبرتو جياكوميتي، والكاتب العبثي ألبير كامي (جائزة نوبل)، فإن الغرابة كانت السمة التي طبعت تلك العلاقات حتى إن موقفه من موت كامو المفاجئ إثر حادث سيارة عام 1960، اتسم باللامبالاة، مما دفع البعض إلى التشكيك في صداقته بكامي، علما بأنها كانت صداقة جد قوية. تفاصيل كثيرة يوردها الكتاب بأسلوب شاعري متميز، وتغطي جميع مراحل حياة قصيري حتى وفاته في محاولة للكشف عن لغز هذه الشخصية التي واكبت العصر الذهبي للحركة الثقافية في حي «سان جرمان دو بري»، مركزا على سلوكه الغامض وأسلوبه الفج في التعاطي أحيانا مع الآخرين، وخاصة النُّدُل في المقاهي والمطاعم. وإذا كان قصيري مميزا وذكيا، فهو كان يلجأ أحيانا إلى الكذب، حسب تعبير الكاتب الذي اعتبر أن ألبير قصيري كان يتقن اللعب مع نفسه ومع الآخرين.