لقي عاملان منجميان مصرعهما داخل إحدى آبار استخراج الفحم الحجري العشوائية، صباح الجمعة الماضي، اختناقا بالغاز المتسرب من جدران البئر/النفق المتشبعة بمياه الأمتار المختمرة، والتي يفوق عمقها 30 مترا، في غابة جرادة بالموقع المسمى «قبور النصارى» بمنطقة طريق 16 المحاذي للحزام الأخضر بالمجال الغابوي بضاحية مدينة جرادة . وباءت جميع الجهود المبذولة لإنقاذ حياة العاملين جمال وراز وعبد النور كعيوي بالفشل، ليتم في آخر الأمر انتشال جثتيهما من طرف العمال ورجال الوقاية المدنية ونقلهما إلى مستودع الأموات بالمستشفى الإقليميبجرادة، فيما تم نقل شابين آخرين إلى المركز الاستشفائي الجهوي بوجدة، حالة أحدهما مستقرة بينما حالة صديقه محمد بلخيري خطيرة تستدعي التدخل نظرا لمضاعفات في البطن. وكان العمال الستة يشتغلون داخل إحدى الآبار /الأنفاق (السندريات) التي يُطلَق عليها «آبار الموت» في غابة جرادة، حيث يعمدون إلى استخراج الفحم الحجري بطرق يدوية بدائية، في غياب كل شروط الوقاية والسلامة الصحية، إذ غالبا ما «تبتلع» تلك الآبار هؤلاء العمال أحياء ردما تحت أنقاض أطنان من الأتربة بعد انهيارها فوق أجسادهم، أو اختناقا بسبب انبعاث غبار الفحم وتفاعله أو بعد إصابتهم بمرض السيليكوز في عزّ شبابهم. وحسب تصريح أحد الشبان الناجين، فقد وقع حادث الاختناق مباشرة بعد قيام أحد الهالكين بحفر ثقب عميق داخل جدران البئر بهدف ضمان أكبر كمية من الأوكسجين تجنبا للاختناق بغاز الفحم الحجري، لكن بدل وصول جرعات من الهواء تسربت مادة الغاز الخانقة ليبدأ صراعهم مع الموت . وتحولت جنازة الهالكين ومراسيم الدفن بمقبرة المدينة، بعد ظهر أول أمس السبت، إلى مسيرة شعبية احتجاجية غاضبة، وسط مدينة جرادة، رددت خلالها شعارات تنديدية وحملوا مسؤولية أوضاع ساكنة المدينة المنجمية المحتضرة للسلطات الإقليمية والجهوية والحكومة، خاصة منها «حي كازي» محل سكنى أسر العاملين الهالكين وزملائهم في المحنة، أحد الأحياء الفقيرة والمهمشة. واستنفرت مختلف المصالح الأمنية عناصرها خلال مراسيم دفن الضحيتين، حيث انتشرت في محيط المقبرة، تحسبا لأي تحركات احتجاجية محتمَلة قوية قد تتحول إلى انفلات أمني كما وقع في السابق. وكانت مدينة جرادة قد عرفت حركات احتجاجية قوية ومظاهرات صاخبة تحولت إلى مسيرات شعبية في العديد من المرات والمناسبات الأليمة، لأكثر من 1000 عامل منجمي يشتغلون في هذه الأنفاق، تنديدا بوضع الاستغلال الذي يتعرض له أبناؤهم في استخراج وبيع الفحم الحجري في المدينة، وحولها البعض إلى أعمال شغب اعتقل على إثرها عمال شباب وحوكموا وسجنوا. وسبق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع جرادة، أن أشارت، في أحد بياناتها، إلى أن «ثقوب» /آبار استخراج الفحم هذه، التي تملأ الأراضي في محيط المدينة، أزهقت أرواح عشرات الشباب وأسكنت المرض اللعين في صدورهم، والبقية الباقية زجت بهم في السجون... معتبرة إياها من مخلفات السياسة الفاشلة للسلطة الإقليمية والوزارة الوصية على القطاع في التعاطي مع ملف استغلال الفحم الحجري، «وما هذا الحادث إلا تكريس لمنطق فرض الأمر الواقع في ما يخص السياسة العامة المنتهَجة من طرف القائمين على الشأن المحلي، عبر احتقار وإذلال المواطنين، عن طريق مصادرة حقهم في تنمية حقيقية تحميهم من الفقر وتضمن لهم العيش الكريم، وفق الإمكانات المتاحة. وما مؤشرات التنمية على مستوى إقليمجرادة، التي تراوح مكانها إلا دليل على ذلك، في ظل غياب أي بديل، بعد إغلاق مناجم الفحم».