أجمع خبراء شاركوا في ورشات المناظرة الوطنية حول الجبايات على أن الحكومة مطالبة بتفعيل التوصيات الصادرة عن المناظرة، وعدم تركها حبرا على ورق، كما هو الشأن بالنسبة للمناظرات الأخرى التي تحولت إلى مناسبة احتفالية فقط دون أن يكون لها وقع على القطاعات المعنية. وقال الخبراء إن الوضع الاقتصادي المقلق، الذي يعيشه المغرب حاليا، يفرض التعامل بصرامة أكبر مع توصيات مناظرة الجبايات، على اعتبار أن الإصلاح الضريبي أصبح يفرض نفسه بقوة كحل للمشاكل التي تعيشها الموازنة العمومية، وكذا مجموعة من القطاعات الاقتصادية، التي تعاني من انتشار الأنشطة غير المهيكلة. بالمقابل، أكد الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، إدريس الأزمي الإدريسي، أن التوصيات المتعلقة بإصلاح الجبايات ستدخل حيز التنفيذ من خلال مقاربة تشاورية مع مختلف الفاعلين المعنيين ابتداء من قانون المالية لسنة 2014 . وأعرب الأزمي، في كلمة له بمناسبة اختتام المناظرة الوطنية الثانية حول الجبايات، عن أمله في متابعة جهود التشاور، التي تمت مباشرتها بنفس الاهتمام، بهدف التوصل إلى تنفيذ التوجهات والتوصيات المنبثقة عن هذه المناظرة. وقال في هذا الصدد إن البرنامج الحكومي أعطى الأولوية للإصلاح الضريبي بهدف جعل المنظومة الضريبية المغربية أكثر إنصافا وللرفع من مردوديتها، من خلال توسيع الوعاء الضريبي وتحسين أداء الإدارة الضريبية والتقليص المعقلن للاستثناءات والإعفاءات الضريبية وكذا تعزيز مراقبة الغش والتملص الضريبي. وأشار إلى أن التحديات والرهانات المرتبطة بضبط التوازنات الماكرو اقتصادية وتقوية تنافسية الاقتصاد الوطني تتطلب أن نجعل من النظام الضريبي رافعة بالغة الأهمية للتنمية السوسيو-اقتصادية ومصدرا دائما للموارد العمومية في إطار رؤية تزاوج بين الفعالية والعدالة والتنافسية. واختتمت أشغال المناظرة الوطنية حول الجبايات، أول أمس الثلاثاء بالصخيرات، بإصدار سلسلة من التوصيات تؤكد على تعزيز الإنصاف في النظام الضريبي، وتنافسية المقاولات، والمواطنة الضريبية. وأكدت التوصيات، في إطار محور «التشريع والإنصاف الجبائي»، على ضرورة إحداث توازن في هيكلة الإيرادات الضريبية (المباشرة وغير المباشرة)، وترشيد الإنفاق والإعفاءات الضريبية بكيفية تستجيب للأولويات الاقتصادية، والإقرار التدريجي للضرائب على الفلاحة، مع مراعاة خصوصيات هذا القطاع. كما أشارت التوصيات، التي تم تقديمها خلال اختتام أشغال المناظرة الوطنية حول الجبايات من قبل المدير العام للضرائب عبد اللطيف زغنون، إلى إعادة النظر في الضريبة على الدخل، حسب قدرة المواطنين على الأداء، مع الأخذ بعين الاعتبار التكاليف المختلفة التي تتكبدها الأسر (دافعو الضرائب). أما بالنسبة للضريبة على الثروة، فقد أكدت التوصيات على الزيادة في الضرائب على الاستثمارات غير الإنتاجية (الأراضي غير المبنية) وإنشاء رسم للتضامن، بكيفية تتيح للأسر الأكثر ثراء سداد الإعانات التي تتلقاها في إطار صندوق المقاصة. أما المشاركون في محور «محاربة الغش الضريبي والقطاع غير المهيكل» فقد دعوا إلى وضع سياسة شاملة لدمج هذا القطاع واتخاذ إجراءات تحفيزية لفائدة المقاولات الصغيرة والمتوسطة، التي تندرج في إطار القطاع المهيكل، مؤكدين على ضرورة تعزيز مكافحة التهرب الضريبي وتقوية الموارد البشرية وتحسين عمل اللجان الضريبية. بدورها تمحورت التوصيات الصادرة عن محور «النظام الجبائي وتنافسية المقاولات» حول خمسة محاور تتعلق بإرساء ميثاق الاستقرار الجبائي من شأنه تحسين مناخ الأعمال، والحد من العبء الضريبي، وتكييف الضرائب مع القدرة المالية للنسيج المقاولاتي المغربي (95 بالمائة من المقاولات الصغيرة والمتوسطة)، وإعادة تشكيل الضريبة على القيمة المضافة لجعلها جباية «محايدة»، وكذا الحد من التأثير الضريبي على عمليات إعادة هيكلة الاقتصاد. وبخصوص التوصيات الصادرة في إطار محور «نحو علاقة شراكة وثقة مع دافعي الضرائب» قال زغنون إنها تركزت حول تحسين نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين (استقبال دافعي الضرائب، تيسير وحوسبة الإجراءات)، وتوضيح النصوص والحد من السلطة التقديرية للإدارات الضريبية. كما دعت التوصيات، في هذا السياق، إلى تعزيز الأخلاق والحكامة الجيدة وتحسين أدوات اتصال الإدارة، وشروط المراقبة الضريبية وتسوية المنازعات. أما بالنسبة لأوراش الجهوية المتقدمة والتنمية المحلية والجباية، فاقترح المشاركون بتوجيه الضرائب المرتبطة بالعقارات لتمويل المشاريع المحلية، توجيه بعض ضرائب الدولة إلى الجماعات المحلية، وكذا إنشاء صندوق مخصص لتمويل مشاريع التنمية.