أعمال الشغب والتخريب التي عاشت على إيقاعها عدد من شوارع مدينة الدارالبيضاء قبل المباراة التي جمعت الرجاء البيضاوي والجيش الملكي، يوم الخميس الماضي، مازالت تثير الكثير من النقاش، والمتتبعون ينتظرون بفارغ الصبر ما ستسفر عنه التحقيقات الأمنية، من أجل أن نفهم جميعا حقيقة ما جرى وكيف جرى. بعض المحللين خرجوا ليربطوا بين التخريب والترويع الذي عاشته عدد من شوارع مدينة الدارالبيضاء بوضعية الملاعب المغربية، والظروف التي يلج فيها المتفرجون إلى المدرجات، وكيف أن مباريات الكرة أصبحت ملاذا للعديدين لتفريغ شحنات الغضب الموجودة بداخلهم، والتي تعكس بحسبهم التهميش والإقصاء الذي يعانونه، وهو عذر أقبح من الزلة، علما أن من بين مثيري الشغب، أبناء عائلات ميسورة، وشباب يتابعون تعليمهم في مدارس راقية. صحيح أن وضعية الكثير من الملاعب المغربية ليست جيدة، ولا تحترم كرامة المتفرج الذي يقتطع ثمن التذكرة، غير أن ما حدث لا يمكن أن يبرر بأي شكل من الأشكال ما وقع، ففي إفريقيا هناك الكثير من الملاعب التي تفتقد حتى للحد الأدنى من احترام آدمية المتفرج، ومع ذلك لا نكاد نسمع أن هناك أحداثا للتخريب وزرع الرعب في نفوس المواطنين، بقدر ما تجري المباريات في أجواء رياضية، ولمن يقولون إن وضعية الملاعب مسؤولة عن ما يجري، فإن عليهم أن يستيقظوا من سباتهم، ففي إيطاليا شهدت مباراة لازيو وروما أحداث شغب خطيرة، علما أن الملعب الأولمبي الذي احتضن هذه المباراة من بين أفضل الملاعب في العالم، أما الذين يعتبرون مثيري الشغب، ومنحرفي الكرة ضحايا، فإن عليهم أن يستيقظوا من نومهم، ومن هذه الازدواجية في الخطاب، التي تجرنا إلى الخلف بدل أن تدفع الأمور إلى الأمام. لقد وجد الشغب التربة الخصبة التي ينمو فيها، لأن المسؤولين في دار غفلون، ولأن عددا منهم مازالوا يعتقدون أن شغب الكرة ليس خطيرا، مادام أنه تغيب عنه أية حمولة سياسية، لكن، ما لا يدركه كثيرون هو أن مدرجات ملاعب الكرة هي انعكاس لما يجري في المجتمع، بل إنها صورة مصغرة عنه، وللأسف الشديد، فإن ليس هناك توجها لضرب الظاهرة في جذورها، بقدر ما أن هناك ليونة غير مفهومة في التعامل مع هذا الدمار. ما الذي كان يمنع من اتخاذ تدابير وإجراءات سريعة، من قبيل منع تنقل جماهير الفرق التي يمكن أن تتسبب في الشغب، أو التي سبق لمبارياتها أن عرفت أحداثا غير رياضية، وما الذي كان يمنع من تشديد المراقبة على جماهير الفرق، وما الذي كان يمنع من بيع التذاكر إلا إذا قدم الشخص الراغب في اقتنائها نسخة من بطاقة تعريفه الوطنية، وما الذي كان يمنع من مراقبة الجمهور وهو يتجه إلى الدارالبيضاء، والتحقيق مع كل من يحمل سلاحا أبيضا أو ماء النار؟؟؟.