أمام اشتداد الأزمة وتأثر مجموعة من القطاعات والشركات التي كانت إلى الأمس القريب مضرب مثل في القوة والمناعة، يجد الخبراء أن الحكومة المغربية ستجد نفسها مضطرة إلى نهج أسلوب «الحمائية» في الدفاع عن الاقتصاد الوطني وحمايته من المنافسة الخارجية، خاصة أن هناك بنودا وضعتها منظمة التجارة الدولية تنص على ذلك. ورغم أن هذا الأمر يصطدم بعراقيل سياسية إلا الأمر أصبح ملحا، وهو ما يعكسه لجوء الحكومة، سابقا، إلى توقيع اتفاقية للحماية التجارية مع الصين. ليس أدل على أن الأزمة بدأت بالفعل تنخر عظام الاقتصاد الوطني الهشة أكثر من الوضعية التي آلت إليها العديد من الشركات الكبرى التي كانت إلى الأمس القريب مثالا في القوة والمناعة، مثل «مغرب ستيل» و«سنيب»، والتراجع القوي لقطاعات بفعل المنافسة الخارجية، وهو الأمر الذي يسقط أوراق التوت عن الوعود التي أطلقتها الحكومة بخصوص تحسين تنافسية الاقتصاد الوطني والانتقال إلى نموذج اقتصادي أكثر نجاعة وفاعلية لمواجهة رياح الأزمة التي تهب علينا من الخارج. شركات تتهاوى أمام الأزمة والمنافسة الخارجية حسب فاضل السقاط، المدير العام ل«مغرب ستيل»، فإن الأزمة التي تتخبط فيها الشركة تعزى أساسا إلى تراجع كبير لصادراتها نحو أوربا التي تعيش أزمة خانقة، موضحا أن السوق الأوربية كانت واعدة بالنسبة للشركة، حيث تستهلك كميات مهمة من الصلب، غير أن الأزمة خفضت الطلب في العديد من البلدان إلى مستويات غير مسبوقة، بل إن بعض الشركات الأوربية بدأت تصدر فوائضها إلى المغرب بأثمان بخسة، وهو ما أدى إلى إغراق السوق المغربية. ويضيف السقاط أن الصلب الأوربي معفى من الرسوم الجمركية، حسب اتفاق التبادل الحر الموقع مع المغرب، وهو الأمر الذي جعل الأوربيين يكسرون الأسعار المعمول بها في المغرب ويدفعون بعض الشركات المغربية إلى البيع بالخسارة، في الوقت الذي تكتفي السلطات بالتفرج. بالمقابل، طالب مسؤولو «سنيب» بتدخل الدولة عاجلا وفتح تحقيق في قطاع «بي في سي»، بعد أن أغرقت شركات كبرى عالمية السوق المغربية بهذه المادة، مما دفع الشركة المملوكة للملياردير الشعبي نحو الأزمة، حيث كشفت الحصيلة السنوية ل«سنيب» للبيترو كيماويات عن نتائج سلبية، فقد تكبدت خسائر بلغت 31.8 مليون درهم إلى حدود نهاية 2012، مقابل أرباح بقيمة 25.3 مليون درهم خلال سنة 2011. وقد وضعت شركة «سنيب» تقريرا مفصلا حول وضعية الإغراق التي يعيشها قطاع «بي في سي» إلا أن وزارة الصناعة والتجارة لم تتحرك إلى الآن، وظلت تتابع كالجميع الانهيار المتواصل للشركة. اتفاقيات التبادل الحر في قفص الاتهام بعد دخول هذه الاتفاقيات حيز التنفيذ اتضح أن بعضها وقع دون أن تسبقه دراسة لانعكاساته على القطاعات المعنية. فقد أكد محمد توفيق منير، المدير العام للمعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية خلال ندوة نظمها المعهد، سابقا، حول اتفاقيات التبادل الحر وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني، أنه باستثناء الأردن والجمعية الأوربية للتبادل الحر (AELE)، فإن الميزان التجاري سجل تفاقما في العجز لفائدة جل الشركاء الذين وقع معهم المغرب اتفاقيات للتبادل الحر، ما انعكس على ميزان الأداءات، وجعل من المحتم على المسؤولين المغاربة تقييم مختلف الاتفاقيات من أجل تصحيح الانعكاسات السلبية على التوازنات الخارجية للمغرب. ويعتبر المدير العام أن العجز التجاري لفائدة أهم الشركاء التجاريين والاقتصاديين للمغرب يطرح عددا من التساؤلات، خاصة ما يتعلق بفاعلية برامج تأهيل الاقتصاد الوطني المعتمدة، وتعدد الأنظمة التجارية، التي تجعل تدبيرها مهمة صعبة، مؤكدا أن المغرب وقع اتفاقيات تبادل حر دون دراسة، في بعض الحالات، لانعكاساتها، إذ بإمكانها، ليس فقط، أن تحدد مستوى التنازلات على مستوى الحواجز الجمركية وغيرها، بل كانت هذه ستمكن المغرب من اعتماد آليات التدخل في حال أي تدهور للتوازنات التجارية. إضافة إلى ذلك، فإن عمليات التأهيل، غالبا ما تعتمد بعد التوقيع على اتفاقيات التبادل الحر، ما يؤخر الانعكاسات الإيجابية لهذه الاتفاقية على الاقتصاد الوطني. ويعتبر المدير العام للمعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية أن حصيلة هذه الاتفاقية على التوازنات الخارجية للمغرب تطرح بحدة مسألة تجانس وفاعلية السياسة التجارية الخارجية للمغرب، وتفرض تدعيم تنافسية النسيج الإنتاجي وتنويع العرض القابل للتصدير. منظمة التجارة العالمية تدافع عن نفسها
ترى منظمة التجارة العالمية أن ما يتم وفق مبدأ تحرير التبادل من سلع أو خدمات يتعلق في الحقيقة بما ترغب كل دولة من الدول أن تتفاوض فيه، وأنه من الصحيح فعلا أن أحد مبادئ منظمة التجارة العالمية يرتكز في الأساس على تقليص العقبات الحمائية وتحرير التبادل. وفي النهاية يستفيد الجميع من التبادل التجاري. أما فيما يتعلق بحجم تقليص ورفع الحواجز، فإنه أمر يتوقف على الدول الأعضاء المتفاوضة. وتضيف المنظمة أن الوضعية التفاوضية ترتبط بإرادة تقليص الحواجز، وبما ترغب الدول في الحصول عليه من الأطراف الأخرى، مشيرة إلى أن دورها هو توفير إطار مؤسساتي للتفاوض لتحرير التبادل، كما أنها أيضا تضع القواعد التي تحكم تحرير التجارة. وتؤكد منظمة التجارة أن هذه القواعد تمكن من تقليص تدريجي للحواجز حتى يتمكن المنتجون الوطنيون من التأقلم، كما أن اتفاقيات المنظمة تحتوي على بنود خاصة تأخذ بعين الاعتبار الدول النامية وتوضح أيضا متى وكيف يمكن للحكومات أن تحمي المنتجين الوطنيين ضد واردات تتمتع بدعم أو تشكل حالة من حالات الإغراق، مثلا. ففي هذه الحالة، فإن الهدف هو إقامة تجارة عادلة منصفة. وهناك أيضا مبادئ أخرى مهمة في نظام منظمة التجارة العالمية، بل ربما أكثر أهمية من مبدأ حرية التبادل التجاري مثال: مبدأ عدم التمييز، ووضع شروط ثابتة وشفافة للتجارة. خبراء يدعون إلى تطبيق «الحمائية» يرى الاقتصادي حماد قسال، أن النظرية الاقتصادية السائدة اليوم على المستوى العالمي هي تلك القائمة على العرض والطلب، والعرض الذي يقدمه المغرب حاليا ضعيف جدا، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، وبالتالي فالدولة تلجأ إلى الاستيراد من أجل تعويض هذا النقص، ونتيجة لذلك تساهم في خروج العملة الصعبة وفي حدوث مشاكل في السيولة. وانطلاقا من ذلك، يعتبر قسال، أن النموذج الاقتصادي المعمول به في المغرب هو نموذج خاطئ، مضيفا أن «الغريب أن الاقتصاد الوطني لا يمكن إدراجه حاليا في أي نموذج اقتصادي عالمي، فلا يمكن أن نقول إن الاقتصاد الوطني هو اقتصاد السوق أو اقتصاد ليبرالي أو اقتصاد تتدخل فيه الدولة، والحكومة عوض أن تقوم بإيجاد حلول للوصول إلى النموذج الصحيح ووقف النزيف الاقتصادي نجدها منهمكة في مشاكل جانبية». وبخصوص النموذج الاقتصادي البديل، يعتقد الاقتصادي حماد قسال أنه لابد أن يقوم، أساسا، على تشجيع استهلاك المنتوجات المصنعة محليا، وهذا هو الخيار الذي لجأت له فرنسا من خلال خلق وزارة خاصة بتقويم الإنتاجية تقوم على تشجيع استهلاك المنتوجات الفرنسية، وهي الوزارة التي ذهبت بعيدا إلى حد مطالبتها بإعادة توطين مراكز النداء في فرنسا من أجل مواجهة البطالة. ويضيف قسال أن الحكومة يجب أن تضع استراتيجية حمائية لذلك تقوم، أولا، على مراجعة اتفاقيات التبادل الحر من خلال إعادة النظر في لائحة المنتوجات المستوردة من البلدان التي تربطنا بها هذه الاتفاقيات، والاقتصار فقط على المنتوجات التي نحن في حاجة إليها والتي لا يمكن تصنيعها محليا، وثانيا، على تشجيع المواطنين على استهلاك المنتوج الوطني، وهذا يجب أن يتم بموازاة مع محاربة المنتوجات المهربة، وثالثا، على تشجيع الاستثمارات الموجهة للقطاعات الإنتاجية والصناعية ذات المدى البعيد، فاليوم نسبة مهمة من الاستثمارات تذهب في اتجاه قطاعات العقار والأفشورينغ والمناولة، التي تعتبر قصيرة الأمد، بينما يتم إهمال القطاعات الصناعية ذات القيمة المضافة العالية، التي تتيح توفير منتوجات محلية قادرة على المنافسة. اتفاقيات غير مفعلة في مجال الحماية التجارية ويبدو أن هناك أبعادا أخرى سياسية تتدخل في مسألة اللجوء إلى الحمائية، فقد وقعت الصين والمغرب، خلال الشهور الأخيرة، مذكرة تفاهم ترسي آلية للتعاون الثنائي في مجال تدابير الحماية التجارية، لكن نتائجها لم تظهر إلى الآن في الواقع. ووقع هذه المذ كرة عن الجانب المغربي وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، عبد القادر اعمارة، وعن الجانب الصيني وزير التجارة، شين دمينغ، وذلك على هامش منتدى التعاون الصيني الإفريقي (فوكاك) الرابع. ويرى اعمارة أن هذه الآلية تهدف إلى إرساء مشاورات بين الطرفين حول القضايا المرتبطة بتحقيقات الحماية التجارية قصد تحفيز تعامل متكافئ في المجال التجاري، من خلال التسوية الودية لمختلف القضايا. واتفق البلدان، في هذا الإطار، على تشكيل فريق تقني مشترك يجتمع كل سنة من أجل ضمان متابعة تفعيل المذكرة والتباحث بشأن القضايا المرتبطة بها وجميع الإشكاليات التي يمكن أن تطرأ. كما سيحرص الفريق التقني على تبادل المعلومات حول تعديل الأنظمة المرتبطة بالتدابير التجارية التصحيحية، والممارسات والأنظمة المعتمدة من الطرفين في مجال الحماية التجارية وتقاسم التجارب في هذا المجال. وتنص هذه المذكرة أيضا على إحداث إطار يفسح المجال للنهوض بالتعاون التقني بين المغرب والصين في مجال الحماية التجارية.
البلدان الكبرى أول من يلجأ إلى الإجراءات الحمائية أظهر بحث أجراه البنك الدولي أنه، منذ وقع قادة بلدان مجموعة العشرين في بداية الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2008 على تعهد بتجنب اللجوء إلى الإجراءات الحمائية وطيلة سنة من ظهور العلامات الأولية للأزمة، قامت مجموعة من بلدان العالم، من بينها 17 من بلدان مجموعة العشرين، بتنفيذ 47 إجراء من شأنها إعاقة التجارة على حساب البلدان الأخرى. وحسب قائمة البنك الدولي لرصد التجارة والإجراءات المرتبطة بها، أقدم المسؤولون منذ بداية الأزمة المالية على اقتراح أو تنفيذ حوالي 78 إجراء تجاريا. وتضمنت هذه الإجراءات 66 إجراءً تمثل معوقات تجارية و 47 إجراء لعرقلة التجارة تم تنفيذها في النهاية. ويرجح أن يكون تأثير هذه الإجراءات ضئيلا بالنسبة لحجم الأسواق التي لم تتأثر لكنها ذات تأثير سلبي على مصدرين بعينهم ممن خرجوا من السوق. وتحذر دراسة البنك الدولي من أن الثمن الناجم عن التراخي إزاء أجندة جولة الدوحة من مفاوضات التجارة العالمية في ارتفاع مستمر. فحتى الآن، لم تقم غالبية البلدان بزيادة التعريفة عن المستويات التي تم الالتزام بها أو باستغلال المساحة المتاحة أمامها لدعم المنتجات الزراعية بشكل كامل. ومع هذا، وبينما يزداد الركود عمقا، ربما تجد العديد من البلدان أنه لا مناص من ذلك. ويؤكد هذا الخطر على أهمية الدفع قدما نحو الانتهاء السريع من جولة الدوحة. وتبيِن دراسة البنك الدولي أنه رغم أن تأثير هذه الإجراءات الحمائية حتى الآن مازال ضئيلاً بالنسبة لحجم الأسواق التي لم تتأثر، فإنها تظل ذات أهمية كبيرة لمصدرين بعينهم استبعدوا من الأسواق المشمولة بالحماية. فالزيادة في الرسوم لا تشكل سوى نحو ثلث هذه الإجراءات ونصفها بالنسبة للبلدان النامية. وعلى سبيل المثال، رفعت روسيا التعريفة الجمركية على السيارات المستعملة، بينما زادت إكوادور التعريفة على أكثر من 600 سلعة. وتضمنت الإجراءات غير الجمركية سياسات منها على سبيل المثال فرض متطلبات استخراج تراخيص جبرية بالنسبة لقطع الغيار، والمنسوجات، وأجهزة التلفاز، واللعب، والأحذية، والمنتجات الجلدية الأخرى. وطالبت إندونيسيا بعدم السماح لخمس فئات من السلع (منها الملابس، والأحذية، واللعب، والمنتجات الإلكترونية، والأغذية والمشروبات) إلا في خمسة موانئ ومطارات فقط. وتشير دراسة البنك الدولي إلى أن تشديد المعايير في بعض البلدان أدى إلى إبطاء دخول الواردات. وشملت تلك الإجراءات، على سبيل المثال، الحظر الذي فرضته الصين على واردات لحوم الخنازير من إيرلندا، ورفض بعض منتجات الشكولاته الواردة من بلجيكا، والبراندي الإيطالي، والصلصة البريطانية، والبيض الهولندي ومنتجات الألبان الإسبانية، وفرضت الهند من جانبها حظرا على واردات اللعب الصينية.