سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
شيات: التقارب الفرنسي الجزائري قد يكون مكلفا سياسيا بالنسبة للمغرب وصف العلاقات الفرنسية المغربية بأنها من أمتن العلاقات التي تجمع المغرب مع دولة أجنبية
في هذا الحوار، يوضح خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بكلية الحقوق بوجدة، وعضو مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، عمق الدلالات التي تحملها زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى المغرب، باعتباره من الشركاء الأساسيين لفرنسا خارج الاتحاد الأوروبي، وأيضا باعتبار فرنسا أول زبون خارجي للمغرب، مع استعراض أهم النقط المطروحة على أجندة زعيمي البلدين. كما يتحدث أستاذ العلاقات الدولية في حواره مع «المساء»، عن البرود الذي طبع علاقات البلدين، مؤخرا، ومستقبل هذه العلاقات في ظل حكومتين متناقضتين في كل من البلدين، اشتراكية في فرنسا، وإسلامية في المغرب، وتأثير التقارب الفرنسي الجزائري على المصالح العليا للمغرب، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي. - ما هي الدلالة التي تحملها أول زيارة للرئيس الفرنسي إلى المغرب، خاصة أنها تأتي في المحطة الثانية بعد زيارته إلى الجزائر؟ أعتقد أنه يجب وضع السياسة المغربية الفرنسية في سياقها الثنائي أولا، فهي علاقات يمكن أن توصف بأنها من أمتن العلاقات التي تجمع المغرب مع دولة أجنبية، إن لم تكن هي أمتنها على الإطلاق. في الجانب السياسي هناك حوار منتظم ومكثف، كان آخره في شهر دجنبر من السنة الماضية، حيث جمع كلا من رئيس الحكومة المغربي ونظيره الفرنسي في إطار اللقاءات السنوية التي تجمع الجانبين، وهذا يعطي للبلدين إمكانية تقريب مستويات التعاون في كافة المجالات، لاسيما أن فرنسا هي عضو فعال في الاتحاد الأوروبي، وتعتبر بالنسبة للمغرب بوابة بخصائص متعددة. على المستوى الاقتصادي تعد فرنسا الشريك التجاري الأول بالنسبة للمغرب حيث تتجاوز سنويا السبعة ملايير أورو، فهي من جهة الممون الأول للمغرب بحوالي 14 في المائة من حصة السوق المغربي، ومن جهة ثانية أول زبون بحوالي 20 بالمائة من الصادرات المغربية. هي أيضا أول مستثمر بالمغرب، بل يعتبر المغرب واحدا من ثلاث دول الأكثر جلبا للاستثمارات الفرنسية بعد الصين والهند. عودة إلى رمزية العلاقات المغربية الفرنسية، يمكن التذكير بأحداث طبعت هذه العلاقات؛ صحيح أن الرئيس هولاند اختار زيارة الجزائر كأول بلد بعد تقلده الرئاسة، لكن يمكن التذكير بأن الملك محمد السادس كان أول رئيس دولة يستقبله بعد تنصيبه، كما أن العاهل المغربي كان قد اختار فرنسا في أول زيارة لدولة أجنبية بعد تقلده العرش، أي في سنة 2000. أعتقد أن زيارة هولاند للجزائر لم يحكمها كثير من الرمزية، إذ إنها كانت تدخل في إطار أولويات السياسة الخارجية وتمهيد الحرب في مالي، أكثر مما أحيط بها من تحليلات تصب في خانة الاعتذار الرمزي عن الاحتلال الفرنسي للجزائر، لقد خرجت حقيبة هولاند من الجزائر بأكبر قدر من النجاح، فلقد مهدت للتدخل في مالي من جهة، وحققت مكاسب مالية واستثمارية يحتاجها الاقتصاد الفرنسي في مرحلة الأزمة من جهة أخرى. - ما هي أهم النقط المطروحة على أجندة زعيمي البلدين خلال الزيارة المرتقبة بعد أيام؟ اعتبارا للمعطيات الاقتصادية السابقة، وإضافة إلى معطيات أخرى من قبيل التحويلات الخاصة بالمغاربة المقيمين بفرنسا أو المداخيل الخاصة بالسياح الفرنسيين، وحجم المقاولات الفرنسية بالمغرب، والعدد الهائل من فرص الشغل التي تسمح به، وغيرها من القضايا التي تبين أهمية الشراكة الاقتصادية الفرنسية للمغرب، يمكن القول بأن الجانب الاقتصادي مهم لتمتين هذه الروابط بين البلدين، لكن الأمر لا ينطبق على المغرب فحسب. المرحلة مرحلة أزمة، وبالنسبة لفرنسا، فإن المغرب يمكن أن يتيح فرصا لإعادة التنشيط للاقتصاد الفرنسي في ميادين متعددة مثل الطاقة أو الصناعات الفلاحية، وقطاعات أخرى تتيح ضخ الروح في المقاولات الفرنسية، وهذه سياسات اعتمدها المغرب في مراحل كثيرة في علاقته مع فرنسا، وهذا ما يجعل الثقة أكبر في النموذج السياسي المغربي بالنسبة لفرنسا في المنطقة المتوسطية وإفريقيا بصفة عامة، حيث تعتبر المغرب شريكا استراتيجيا ليس فقط للمزايا التي تجنيها ويجنيها البلدان معا، لكن أيضا لفاعلية هذه العلاقات في فترات الأزمة، ومقارنة مع الجارة الجزائر مثلا، ففرنسا تمثل العلاقات التقليدية مع الدولة المغربية في إطار «الثقة» التي توارثت منذ استقلال المغرب، وهذا عامل أساسي رغم أنه غير حسي أو مادي، لكنه يضمن أحيانا توازنات إقليمية، المغرب كان وسيظل في حاجة إليها. - رغم أن المغرب حليف رئيسي لفرنسا، إلا أن علاقة البلدين عرفت شيئا من البرود خلال الفترة الأخيرة، هل يمكن تفسير هذا البرود بوصول الاشتراكيين إلى الحكم؟ ما أسميته بالبرود قد ينعت بالاستقرار في العلاقات وقد يصل إلى حد التنافر في المواقف أحيانا، وهذا أمر طبيعي بين الدول، فالذي يحكمها بشكل أساسي هو مصالحها، وهذا أمر طبيعي، لكن الوصف الذي تقدمت به راجع لعوامل متعددة؛ أولا المغرب في علاقته بالاتحاد الأوربي كان قد وقع اتفاقا للتبادل الحر سنة 1996، وهذا أمر دفعه لاعتماد اقتصاد منفتح على أوربا بالشروط التي جاءت في الاتفاق، لكنه أيضا دفعه للانفتاح على العديد من الاقتصاديات الدولية. ومنذ سنة 2000، أصبح عامل الانفتاح هذا يؤثر على العلاقات مع فرنسا، وأصبحت العلاقات التجارية في استقرار أو مقارنة مع ما كانت عليه، بل تراجعت أحيانا إلى مستويات ضعيفة، وسمحت بدخول شركاء جدد للمغرب، خاصة الاقتصاديات الصاعدة كالصين مثلا، والتي كانت ثالث ممون للمغرب سنة 2009 مثلا، وقد لعب العامل الاقتصادي دورا حاسما دائما في العلاقات الفرنسية المغربية، وتراجعه سيؤثر لا محالة على طبيعة هذه العلاقات. أعتقد أنه من جملة المشاكل أن فرنسا تعتبر المغرب قاعدة خلفية لا يمكن أن يتزحزح ولاؤها، وهذا أمر صحيح إلى أبعد الحدود، إذ إن المغرب لا يحتفظ فقط بعلاقات سياسية واقتصادية طيبة مع فرنسا، لكن أيضا هناك جانب حضاري وحضور قوي للثقافة الفرنسية في النخب والتعليم والإدارة بالمغرب، لكن لا يمكن أن يبقى المغرب مغلفا بالهوية الفرنكفونية على حساب قدراته التنموية واستقراره الاجتماعي والسياسي أحيانا. ومن جهة أخرى جانب من البرود هو مرتبط بطريقة مقاربة فرنسا للوحدة الترابية للمغرب، لأن المغرب قد لا يحتفظ بذكريات طيبة مع وصول الاشتراكيين لسدة رئاسة الدولة بفرنسا، رغم أن ذلك ارتبط أساسا بتجربة واحدة هي فترة رئاسة الراحل فرانسوا ميتران، لكن لا يمكن اعتبار الأمر بمثابة القاعدة، إذ يمكن أن تكون العلاقات في ظل حكم الاشتراكيين عادية، إذا احتفظ المغرب بقدراته الدبلوماسية مع فرنسا، وإذا استطاع أن يعزل أعداء الوحدة الترابية في الزوايا التي يحتلونها في ظل النظام الديمقراطي الذي يتيح التعبير لمثل هذه التصورات، وحتى في مثل هذا الوضع برزت العلاقات المتينة بين البلدين. لقد كان الدور الفرنسي في مجلس الأمن حاسما، وحافظ على قدر كبير من التوازن في مراحل حاسمة من مسار الوحدة الترابية للمغرب، بما فيها المرحلة الأخيرة التي تتسم بعدم حياد المبعوث الأممي. - ألن يؤثر هذا البرود على مصالح المغرب العليا، خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء ودعم فرنسا في مجلس الأمن؟ عمليا لم يتحقق ذلك، حيث لا زالت فرنسا دولة داعمة للموقف المغربي الذي يدافع عن الحل السياسي المتوافق عليه كنمط لتقرير المصير، لكن اللعبة واضحة سيبقى هذا الثبات مادام الوضع يحقق التوازن في السياسة الفرنسية تجاه الأطراف الأخرى، وما دام المغرب ملاذا آمنا لفرنسا لحماية مصالحها الاقتصادية أساسا. - هل يمكن أن تستمر فرنسا الشريك الاستراتيجي الأول للمغرب مستقبلا، خاصة في ظل التنافس الموجود على دول المنطقة ومن بينها المغرب؟ الخاصية الأساسية التي تميز المغرب عن غيره من النماذج السياسية الأخرى بالمنطقة تجاه فرنسا تتجلى في عاملين أساسيين، الثقة التي تحققت بين البلدين طيلة فترة ما بعد الاستعمار، والذي يمثله استقرار العلاقات السياسية والاقتصادية طيلة العقود الأخيرة، وإمكانيات تطورها في المستقبل في اتجاهات مختلفة في إطار المصالح المشتركة. ثم جوانب الترابط الثقافية المتينة التي تجمع الجانبين، واستمرار النفوذ السياسي الذي تمثله النخب الفرنكفونية، إذ إنه بالمغرب توجد حوالي 30 مؤسسة تعليمية فرنسية تستقبل أكثر من 30 ألف تلميذ أكثر من نصفهم مغاربة، وفي هذا إيحاءات متعددة ثقافية وحضارية، لكنها أيضا سياسية، وهناك إحصائيات تشير إلى أن أكثر من 40 بالمائة من المغاربة يستطيعون التعبير باللغة الفرنسية، وهذا عامل مهم يحدد طبيعة الإعانات التي يستقبلها المغرب من فرنسا. لكن لا يجب إغفال العوامل الاقتصادية، سيكون لها دور حاسم في المرحلة المقبلة، وهذا يعتمد على التوازن الذي يمكن أن يحققه المغرب مع الجزائر بالمنطقة، على عكس الوضع العام، تسجل ارتفاعا في احتياطاتها النقدية بالعملة الصعبة الذي يعد محوريا في تفعيل الاستثمارات، إذ لا شك أن ذلك يثير رغبة الفرنسيين في التقرب من الجزائر أكثر للخروج من الأزمة الاقتصادية، والعملية بدأت فعلا، لكن هناك عامل محبط هو سوء التدبير في الجزائر التي تعد واحدة من الدول الأكثر فسادا من الناحية التدبيرية، فرنسا قد تقوم بتفعيل شراكات مع الرأسمال الجزائري دون التقيد بها على الصعيد الاستراتيجي، سيكون ذلك مكلفا من الناحية السياسية بالنسبة للمغرب، على الأقل مرحليا. - كيف تنظر إلى مستقبل العلاقات بين البلدين، في ظل حكومة اشتراكية في فرنسا، وأخرى يقودها الإسلاميون في المغرب؟ في البلدين معا هناك ضمانات سياسية لاستقرار واستمرار الأنظمة السياسية، حيث إنه لم يتغير النموذج، ولا زال هناك التناوب التقليدي بفرنسا، لكن التحول في الحكومة بالمغرب لا يمثل أي تحول في الاستراتيجية تجاه فرنسا، وهنا يمكن أن نسترجع الطريقة المعتمدة في الدبلوماسية المغربية القائمة على وجود مخاطبين اثنين في وزارة الخارجية، يمثلان ضمانة لاستمرار التصور التقليدي، وأيضا احتفاظ المؤسسة الملكية بقدر كبير من التأثير في هذه السياسة، وذلك ظاهر اعتبارا للعديد من المعطيات التي لا يمكن تحليلها في هذا المقام. ومن بين الأشياء التي توحي بالاستمرارية أيضا، مسألة التعيين في الوظيفة الدبلوماسية، ولاسيما التعيين الأخير للسيد بنموسى كسفير للمغرب بباريس. الملاحظ في هذا المستوى هو تضاؤل الدور الذي تقوم به وزارة الخارجية التي يوجد على رأسها السيد العثماني للعامل السابق ذكره، لكن أيضا لعدم وضوح التصور والرؤية لدى القائمين على هذه الوزارة المهمة، وهذا لا يبخس الدور الذي تقوم به، لكن أعتقد أنها لم تعبر بعد عن توجه حضاري يعكس تغييرا في مقاربة الدبلوماسية، طبعا في ظل الوضع الذي توجد فيه العلاقات المغربية الفرنسية لا يمكن تصور وضع أحسن مما هو عليه اليوم.