يلاحظ المتتبعون للشأن الحقوقي والسياسي في المغرب بعض سمات التوتر التي تطبع علاقة السلفية بمحيطها على مستويات متعددة، مما أفرز اليوم واقعا معقدا تعكسه المعطيات التالية: - تقاطع الآراء والشهادات بشأن الاختلالات التي شابت عشرات المتابعات للعديد من أفراد التيار السلفي في المغرب، منذ سنة 2001، خاصة ما اصطلح على تسميته ب»السلفية الجهادية» في ظرفية دولية وإقليمية اتسمت ب»الحرب على الإرهاب»؛ - تنامي الشعور بالمظلومية لدى العشرات من السجناء ضمن تيار «السلفية الجهادية»، وغياب مساعي مؤسساتية للحوار، بالرغم من كون أقلية منهم صرحت باختياراتها المتصلة بالعنف؛ - تعميم التوصيف الجاهز للخطاب السلفي ضمن الخطابات المتشددة من طرف فاعلين إعلاميين وسياسيين؛ - استبعاد أو عدم تشجيع السلفيين على المشاركة الإيجابية في الحياة العامة. وبموازاة ذلك، يسجل المشتغلون والمتتبعون والمعنيون أنفسُهم بعضَ الملاحظات التي يمكن حصرها في ما يلي: - صعوبة الانتقال من الخطاب الدعوي الخاص إلى الخطاب السياسي العام وما يترتب عن ذلك على مستوى إعادة قراءة الواقع والتكيف والاندماج مع البنية الاجتماعية والسياسية في راهنيتها؛ - تنامي التوجه الداعم لنوع من «الإسلاموفوبيا» ضمن السياق الدولي خلال محاربة الإرهاب، بما سيجعل المنتمين إلى التيار السلفي هم أول ضحايا هذا الاتجاه؛ - غياب التواصل على مختلف المستويات للمنتمين إلى التيار السلفي، بما سيكرس الصورة النمطية التي تقدمها بعض وسائل الإعلام. «الحالة السلفية» في المغرب في سياق مساهمتها في التأسيس لمبادرة التفكير الهادئ حول مختلف هذه الإشكاليات المشار إليها أعلاه، ومن أجل العمل على خلق فهم مشترك من زوايا متعددة والتفكير في إيجاد بعض المسالك الممكنة لحل الإشكاليات العالقة ذات الصلة بالحالة السلفية، وفي أفق تقليص التوترات والتقاطبات الفكرية الحادة داخل المجتمع والتحفيز على إدماجها الإيجابي في الحياة العامة، التقت إرادة مجموعة من الفعاليات العاملة في مجال حقوق الإنسان للتشاور والتداول حول مختلف عناصر هذه الإشكالية من خلال تحديد برنامج عمل يتضمن محاور النقاش وورشات العمل المتصلة به والمشاركين من الفاعلين المعنيين بهذه القضايا. إن الهدف الرئيس لهذه المبادرة يتمحور حول رسم خارطة الطريق بشأن محاولة إيجاد تسوية شاملة ومتعددة المستويات ومتوافق عليها بخصوص السلفيين المعتقلين في إطار قانون مكافحة الإرهاب، وهي خارطة الطريق التي ينبغي أن تكون تتويجا لمسار تشاوري بين مختلف الفاعلين المعنيين بتدبير هذا الملف، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على مستوى الدولة، من وزارات ومؤسسات وطنية ذات صلة بالملف، وعلى مستوى الفاعلين بالأحزاب السياسية، والهيئات العاملة في مجال حقوق الإنسان والحكامة السياسية، وكذلك على مستوى التيار السلفي، من سلفيين شيوخ وتعبيرات وممثلي المعتقلين ضمن هذا التيار. وتهدف خارطة الطريق، باعتبارها مجموع العناصر والإجراءات الخاصة بهذه المبادرة، إلى التدرج في إعمال مقاربتها من خلال أربعة مستويات، وهي: - العمل على التأسيس لسياسة تصالحية لتصحيح الوضع المتوتر بين الأطراف ذات الصلة بهذا بالملف؛ - العمل على إطلاق سراح معتقلي السلفية ممن لم يتورط في العنف وفي جرائم الدم؛ - تمتيع باقي المعتقلين، على مستوى وضعيتهم في السجن، بالحقوق والواجبات كما هي متعارف عليها في القانون وفي المعايير الدولية ذات الصلة؛ - إعمال مبدأ التأهيل الاجتماعي والمصالحة، مع المعتقلين السلفيين المفرج عنهم.. وتوفير الدعم في اتجاه الاندماج في الحياة العامة. وإذ يشكل المستوى الإنساني أساس هذه المبادرة التي تندرج في منطق أشمل يهدف إلى إيجاد تسوية لمشكل المعتقلين السلفيين، فإن المسار التشاوري في حد ذاته يبقى أساسيا ومفيدا، لأنه يمكن الجميع من تبني وممارسة الحوار متعدد ومتنوع المستويات عبر حالة محددة هي «الحالة السلفية». المحاور المؤطرة لبرنامج العمل سيحاول هذا المسار التشاوري التركيز على مجموعة من الإشكالات ذات الصلة، وتأطيرها ضمن محاور اللقاء من خلال ما يلي: - محاولة بناء فهم مشترك ل»الحالة السلفية « من خلال توصيف خلفياتها الفكرية، اختياراتها الفقهية والمذهبية، سياقاتها، خطابها السياسي، مع التركيز على ما يسمى بالسلفية الجهادية؛ - محاولة فهم دور السياق الدولي في تنامي الفكر السلفي الجهادي، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر وإعلان الولاياتالمتحدةالأمريكية «استراتيجية مكافحة الإرهاب»، ومستويات الانخراط الدولي في تبني هذه الاستراتيجية؛ - محاولة تمثل الظرفية الجيوسياسية ومساءلة المقاربة الأمنية للمغرب على إثر أحداث 16 ماي الإرهابية بالدار البيضاء، وما رافقها من تداعيات اعتقالات، اختطاف، تعذيب، واختلالات على مستوى مرتكزات المحاكمة العدالة، وما ترتب عن ذلك من أوضاع داخل سجون المغرب، في علاقة بالمنتمين إلى الحالة السلفية. - محاولة بناء فهم مشترك لتحديات الاندماج الاجتماعي والسياسي للحالة السلفية، وكيف يمكن تشجيع الفاعلين المغاربة، وضمنهم السلفيون، على البحث في الأسباب التي أدت إلى هذه الوضعية. وسيكون مطلوبا تمثل أسباب المشكل، وخاصة ما يتصل منه بالسلفيين أنفسهم، وبباقي الفاعلين على المستوى الوطني من خلال ما يلي من تساؤلات: - كيف يمكن تقليص التوترات في علاقة بالحالة السلفية والعمل من أجل مشاركة إيجابية لها في الحياة العامة؟ - كيف يمكن التأسيس لثقافة الحوار «السياسي» و»العمومي» ما بين السلفيين وباقي الفاعلين والمؤسسات؟ - كيف يمكن تسهيل اندماج السلفيين في المشهد المغربي، والتطبيع مع مشاركتهم في الحياة العامة، في إطار القانون؟ - كيف يمكن التعبير والتدين بحرية دون تجاوزات وانزياحات التحريض على الكراهية والعنف؟ - كيف يمكن إقامة علاقات الثقة ما بين تيارات السلفية والمؤسسات العمومية (الدينية، والأمنية، والقضائية، والإعلامية،؟)... وبناء عليه، يتم تحديد مختلف مراحل هذه المبادرة، مع الاستئناس بالاطلاع واستحضار مختلف المبادرات والمشاريع الموازية في علاقة بالموضوع. التنظيم والمتابعة يسهر على تحضير اللقاءات التشاورية الهيئات التالية: «منتدى الكرامة لحقوق الإنسان» بشراكة مع جمعية «عدالة» وجمعية «الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان» وبدعم من «مؤسسة قرطبة بجنيف». وتقوم لجنة المتابعة بالإعداد الأدبي لهذه اللقاءات، وهي اللجنة المكونة من السيدات والسادة: خديجة مروازي ومراد الراغب عن جمعية الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، جميلة السيوري وأحمد مفيد عن جمعية عدالة، عبد العلي حامي الدين ومحمد حقيقي عن منتدى الكرامة ومحمد رفيقي (أبو حفص). ويشارك في اللقاء التشاوري الأول ممثلون عن منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان، وممثلو كل من المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى بعض رموز التيار السلفي وبعض المعتقلين السابقين، إلى جانب أكاديميين ومهتمين، على أن ينفتح اللقاء التشاوري الثاني على ممثلي بعض المؤسسات الرسمية ذات العلاقة بهذا الملف، بالإضافة إلى بعض ممثلي الحقل الديني، وذلك في أفق تتويج اللقاءات التشاورية بمناظرة وطنية تشارك فيها جميع الأطراف المعنية، وتتوافق على سجل المقترحات المتقاطعة على امتداد مختلف تلك اللقاءات، والإعداد لتصريحها بناء على المضامين المتعاقد حولها.