بعض القلق يلوح على وجه الضباط في هيئة الأركان العامة: فعلى مدى أكثر من أربع سنوات دحرت قضايا المناطق إلى أسفل قائمة التقارير اليومية. وكان هدف قيادة المنطقة الوسطى الحرص على أنه برعاية الهدوء في المناطق يركز الجيش الإسرائيلي على الجبهات الأكثر اشتعالا: الحدود المصرية، الحدود الشمالية وبالطبع إيران. ليس بعد اليوم. لقد أدت أحداث الأيام الأخيرة يوم الاثنين أيضا إلى أن يبدأ اليوم بالتقرير الميداني: ما هو حجم الاضطرابات على خلفية إضراب المعتقلين الفلسطينيين عن الطعام، ولاسيما على خلفية وفاة معتقل (بنوبة قلبية) في نهاية الأسبوع. الحقيقة هي أنه رغم أن الأحداث ضخمت في وسائل الإعلام في اليومين الأخيرين (بعد أن كادت وسائل الإعلام الإسرائيلية قبل ذلك تتجاهل الاضطرابات في الميدان) فإن حجم الاضطرابات لا يزال بعيدا عن أن يذكر بأحداث الانتفاضتين، الأولى والثانية. ومع ذلك، فإن إمكانية مواصلة التصعيد هائلة. يكفي أن يموت أحد المعتقلين المضربين عن الطعام كي يؤدي إلى تأجج فوري للوضع. كما أن عمليات الإرهاب من جانب اليهود في المناطق (تلك التي تسمى «شارة الثمن») من شأنها أن تصب الزيت على النار. يوجد فارق كبير بين ما يحصل اليوم وبين الفترة التي أدت إلى اندلاع الانتفاضة الثانية (شتنبر 2000) في حينه كان يسيطر في السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، الذي أشعل اللهيب ولم يكن معنيا حقا بالسيطرة عليه. أما الرئيس الحالي، أبو مازن، فبالذات يعارض الإرهاب، وينقل رسالة واضحة في هذا الشأن إلى قوات الأمن الفلسطينية. مسألة المسائل هي ماذا يريد أبو مازن وكيف سيتصرف الجيش الإسرائيلي. وصحيح حتى الآن، يبدو أن أبا مازن يريد أن يوجه هياج جمهوره، عقب الجمود السياسي وعدم دفع السلطة للرواتب نحو إسرائيل، بتأثير موجة الاحتجاج العامة في الشرق الأوسط. وهو لا يزال يؤمن بالطريق السياسي، ولكن جمهوره لديه أسباب وجيهة للاعتقاد بأن طريق كفاح حماس بالذات هو الذي يؤدي إلى الإنجازات الكبرى (حماس نجحت في الوصول إلى إنجازات ذات مغزى في الرؤية الفلسطينية، من خلال اختطاف جلعاد شاليط وإطلاق النار على تل أبيب في «عمود السحاب»). ومناسب لأبي مازن بعض الضغط من الشارع قبيل زيارة باراك أوباما، ولكن ليس أكثر من ذلك. لو كان الأمر منوطا بالجيش الإسرائيلي لأوصى بتحرير أموال السلطة المحتجزة في إسرائيل منذ توجه الفلسطينيين للاعتراف بهم كدولة في الأممالمتحدة، وذلك للسماح بدفع الرواتب، وأولا وقبل كل شيء لرجال الشرطة الفلسطينيين، وتخفيض مستوى الضغط. والكثيرون في الجيش الإسرائيلي كانوا سيوصون أيضا بمزيد من البادرات الطيبة تجاه السلطة، بما في ذلك تحرير سجناء قبل زيارة أوباما، ولكن مثل هذه القرارات منوطة بالقيادة السياسية. في هذه الأثناء سيحاول الجيش الإسرائيلي احتواء الأحداث. وهو سيستخدم أقل ما يكون من السلاح ويأمل أن تنجح المخابرات والشرطة في اعتقال رجال الإرهاب اليهودي الذين يسخنون الميدان عن عمد. وفي الجيش الإسرائيلي اتخذ منذ عدة أسابيع قرار للاستعداد لانتفاضة ثالثة. الاستعدادات، التي تتضمن أساسا تدريبات وتسلحا بالسلاح الأقل فتكا، ستنتهي في نهاية مارس، مع حلول «يوم الأرض» وسلسلة «أيام الغضب» الأخرى. في الجيش والمخابرات الإسرائيلية ليسوا واثقين من أن لدى الجمهور الفلسطيني ما يكفي من الطاقة المتراكمة لإشعال الانتفاضة الثالثة واستدامتها لزمن طويل. والأمل هو أن ينتهي إضراب السجناء دون موت أحد من المحتجزين وأن تخبو الاضطرابات في غضون أيام أو أسابيع. من غير المستبعد أن يحصل العكس بالضبط. عن «معاريف»