من خلال تتبع عمل حكومة بنكيران ومشاريعها يتضح أن توزيع مساعدات مادية، بشكل مباشر على الأفراد والأسر، يشكل أهم أولوياتها التي أكد عليها عبد الإله بنكيران مند توليه رئاسة الحكومة. فقد كشف في إحدى الجلسات الأخيرة للمساءلة الشهرية بمجلس النواب بعض ملامح إصلاح صندوق المقاصة، حيث قال إنه يعتزم توجيه مساعدات إلى الأشخاص الفقراء تتراوح بين 250 و300 درهم، وستصل قيمتها الإجمالية إلى 24 مليار درهم في السنة، لكن العديد من المهتمين وكذا السياسيين يرون بأن هذا الدعم المباشر يجب أن توضع له أولا الميكانيزمات الكفيلة بإنجاحه، بينما ترى بعض جمعيات المستهلكين أن المغرب لا يزال في حاجة إلى صندوق المقاصة في الوقت الحالي. خلال جلسة الأسئلة الشفوية لمجلس المستشارين في 26 نونبر المنصرم، أكد محمد نجيب بوليف، الوزير المنتدب المكلف بالشؤون العامة والحكامة، بأن الحكومة منكبة على إصلاح صندوق المقاصة، وبأنها اعتمدت في ذلك، من بين ما اعتمدت عليه، الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، وكشف في حوار صحافي أجراه مؤخرا عن بعض جوانب وترتيبات هذا الإصلاح وكيفية توزيع هذه المساعدات المادية بشكل مباشر على حوالي مليوني أسرة، أي حوالي عشرة ملايين مواطن ومواطنة، وقدر هذه المساعدات بقرابة 1000 درهم في الشهر للأسرة. مباركة صندوق النقد الدولي في خطوة نالت دعم صندوق النقد الدولي، تهدف حكومة بنكيران إلى إصلاح أوضاعها المالية بتقليص الدعم وتركيز الإنفاق على الفقراء، وقال وزير الشؤون العامة والحكامة نجيب بوليف في بيان نقلته وكالة المغرب العربي للأنباء إن إصلاح نظام الدعم جاهز تماما من الناحية الفنية. وأضاف أنه فور استكمال المحادثات واتخاذ القرار سيتم تدشينه على الفور. وأضاف أن المغرب يستعد للبدء في إصلاح نظامه الشامل لدعم المواد الاستهلاكية والطاقية في شهر يونيو المقبل، إذا اتخذ قرار سياسي بذلك، حيث بلغت قيمة الدعم الحكومي أزيد من 53 مليار درهم في 2012 بما يعادل 15 بالمائة من إجمالي الإنفاق العام مقابل 48.8 مليار درهم في 2011، و29,8 مليار درهم في2010. وتعتزم الحكومة تغيير نظام الدعم الحالي لتحل محله مدفوعات نقدية شهرية قيمتها ألف درهم لنحو مليوني أسرة فقيرة. وفي حالة تنفيذ الإصلاح بالكامل فإنه قد يقلص حجم الدعم السنوي إلى 24 مليار درهم، حسب تكهنات الحكومة. وأضاف بوليف أن الإصلاح سيستغرق نحو أربعة أعوام وربما يسفر في النهاية عن ارتفاع معدل التضخم إلى سبعة بالمائة مقابل أقل من اثنين بالمائة حاليا، حسب البيانات الرسمية. بينما يرى وزير المالية والاقتصاد نزار بركة في مناقشة برلمانية أن خطورة الإصلاح تكمن في إفقار الطبقة المتوسطة. وكان صندوق النقد الدولي قد وافق في غشت الماضي على تخصيص خط ائتمان احترازي للمغرب بقيمة 6.2 مليارات دولار على مدار عامين، بينما حث على إصلاح نظام الدعم، لكنه لم يربط رسميا بين الإصلاح والمساعدات. وتهدف الحكومة إلى تقليص العجز في ميزانية الدولة إلى 4,8 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي في عام 2013 مقابل ستة المائة في العام الماضي. وتتوقع أن يكون نمو الناتج المحلي في حدود 4.5 بالمائة هذا العام بعدما كان 3.4 بالمائة في 2012. إشكالية تصنيف الأسر الفقيرة شرح نجيب بوليف في حوار صحافي مؤخرا الطريقة التي ستعتمدها الحكومة في تصنيف الأسر وتحديد من سيستفيد من الدعم المباشر ومن يتحمل عبء الزيادات التي ستترتب عن رفع الدعم عن المواد. إذ أشار وزير الشؤون العامة والحكامة إلى إمكانية تحديد الفئات الفقيرة والهشة من خلال تعبئة ورقة تعريفية بالأسرة تضم أربعة معايير هي مستوى عيش الأسرة، وقدرتها الشرائية، ومستوى الغنى، أي الممتلكات، وحجم استهلاكها للمواد المدعمة. ويرى بعض الباحثين الجامعيين أن هذه المعايير التي ستحدد من خلال تعبئة بطاقة معينة لا يمكن أن تعطي صورة واضحة عن الوضعية الاجتماعية والاقتصادية لملايين المواطنين، خاصة أنها ستعتمد على التصريح الطوعي والتمثيلية الأسرية وتعبئة البطاقات، وربما رأي «المقدمين والشيوخ» واقتراحات أو تزكيات ممثلي الأحزاب بالدوائر الانتخابية. ويضيف هؤلاء الباحثون أن العملية، في ظل الشروط والوضعية الاجتماعية التي تحيط بحياة الأسر والأفراد والدواوير والأزقة والدروب في القرى والمدن المغربية، يمكن أن تتيح فرصا جديدة للاستغلال السياسوي والحزبي، وأن تتحول إلى أداة تأثير وتوجيه، وأن تنتج عنها مظاهر استغلال وإساءة للعملية الديمقراطية والإرادة الشعبية في العديد من المناطق والجهات. وسبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن أكد مؤخرا، في تقرير حول «النظام الضريبي المغربي٬ التنمية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي»٬ أن إصلاح صندوق المقاصة من شأنه توفير موارد هامة للدولة. لكنه أكد أن إصلاح نظام المقاصة ينبغي أن يكون موضوع نقاش وطني مفتوح قصد تحديد الإجراءات الخاصة أساسا بتحديد الشريحة المستهدفة وأدوات التنفيذ، والتأثير المحتمل على القوة الشرائية للطبقة المتوسطة. وفي الحوار المذكور أكد بوليف بأن الدراسات المتوفرة لديه تفيد بأن تحرير الأسعار للمواد المدعمة ستؤدي إلى زيادة 570 درهما كنفقات شهرية على الأسر المغربية. كما رجح خيار أن تكون أول المواد المحررة هي المحروقات، التي سيتحمل المواطنون من مختلف الفئات والطبقات وبشكل مباشر أو غير مباشر الفرق بين السعر الحقيقي والمدعم. الدعم والانتخابات الجماعية يرى محللون اقتصاديون أن المغرب سيشهد تأجيل أحد أمرين، إما تأجيل الانتخابات الجماعية، أو تأجيل إصلاح صندوق المقاصة وتوزيع الدعم على الفقراء. أما الوزير المكلف بالشؤون العامة والحكامة، فقد صرح بأن إصلاح صندوق المقاصة جاهز من الناحية التقنية، ويحتاج فقط إلى قرار سياسي. لكن مصادر مقربة من الحكومة استبعدت أن تقدم الحكومة حوالي ألف درهم تقريبا للمغاربة المعوزين قبل الانتخابات، بسبب خوف العديد من الأحزاب السياسية أن يستغل العدالة والتنمية ذلك ويكتسح الانتخابات المقبلة.وقالت المصادر إنه إذا حصل توافق حول تنظيم الانتخابات الجماعية قريبا، فإنه من المؤكد أن يتم تأجيل تطبيق إصلاح صندوق المقاصة، لكن إذا تم تأجيل موعد الانتخابات من جديد، فإن إصلاح صندوق المقاصة، والشروع في توزيع الدعم، سينطلق في يونيو المقبل. من جانبه، اتهم عادل الدويري، رئيس رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، حزب العدالة والتنمية بمحاولة استغلال البرنامج الحكومي للدعم المالي المباشر للأسر الفقيرة لأهداف انتخابية. وقال إن الحزب الإسلامي يسعى من موقعه في رئاسة الحكومة إلى اعتماد برنامج لتوزيع مساعدات مالية مباشرة وغير مشروطة على مليوني شخص مع اقتراب الانتخابات الجماعية المقبلة، مضيفا أن برنامج الدعم المباشر للأسر الفقيرة كان يندرج في الأصل في إطار إصلاح صندوق دعم الأسعار الداخلية، وأن حزب الاستقلال خلال رئاسته للحكومة السابقة اقترح ربط المساعدات المالية المباشرة للأسر الفقيرة بشروط منها إرسال الأطفال إلى المدرسة، واستفادة النساء من الرعاية الطبية. وقال خلال مشاركته في منتدى باريس الاقتصادي بالدار البيضاء مؤخرا «ما تسعى إليه الحكومة الحالية من منح دعم مالي غير مشروط لبعض الأسر سيدخل البلاد في مأزق يصعب الخروج منه، لأن أساس منح هذا الدعم غير محدد. كما أننا لا نعرف ما هي أسس اختيار الأشخاص الذين سيستفيدون من المساعدة المالية». الإشكالية لا يمكن حلها ب300 درهم أكد شمس الدين عبداتي، رئيس المنتدى المغربي للمستهلك في اتصال مع «المساء»، أن صندوق المقاصة ما زالت الحاجة ماسة إليه في ظروف المغرب الحالية، ولكي يتم التخلص منه لابد من بناء استراتيجية تدريجية مبنية على دراسات واقعية تصنف للمغاربة المستويات المعيشية والطبقات الاجتماعية وقدراتها المعيشية وفقا للمعطيات الجغرافية والدخل الاقتصادي لكل فئة، ومصادر هذا الدخل ومدى استقراره من عدمه، ثم وضع مرحلة تجريبية لمن هو مؤهل للدعم، ومن هو في حاجة إليه أكثر، وما مقدار هذه الحاجة، وما هو تقدير هذه الفترة: هل سنة أو عشر سنوات، وما هي الدعائم والإجراءات التي تمكن الأفراد في وضعية الهشاشة والفقر وضعف الدخول وعدم استقراره، من تجاوز مرحلة الحاجة إلى دعم هذا الصندوق. ولذلك، يضيف رئيس المنتدى المغربي للمستهلك، فإن الملف لا يمكن إغلاقه ب 300 درهم، مؤكدا بأنه لابد من التريث والاستئناس ببعض تجارب الدول العربية كمصر والسعودية والعراق والكويت من أجل إجراء دراسة مقارنة حول بطائق الدعم وكيفية منحها ومعايير تصنيف الفقير والمعدم والعاجز عن الكسب، مضيفا أن ذلك يحتاج إلى إشراك الجميع في نقاش عمومي مع المجتمع المدني والمنظمات المتخصصة والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين.
المساعدة المباشرة للفقراء نوع جديد من الريع
حذر نزار بركة، وزير الاقتصاد والمالية، من أن تخلق المساعدة المباشرة للفقراء، في إطار إصلاح صندوق المقاصة، «نوعا جديدا من الريع الذي لا يقابله عمل تنموي أو مجهود مواطناتي». وأكد بركة، الذي كان يتحدث في اليوم الدراسي الذي نظمته فرق الأغلبية حول إصلاح صندوق المقاصة، أنه ينبغي أن تأخذ الأهداف الأساسية للمنظور الشمولي للإصلاح بما جاءت به المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من أفكار هدفها إخراج المستضعفين من فقرهم.وأكد الوزير على ضرورة اتخاذ الحكومة للتدابير المواكبة «حتى نتمكن من ضمان استقرار اجتماعي وفي الوقت نفسه تطور اقتصادي»، مضيفا أنه «إذا كان هناك إجماع على ضرورة الإصلاح فهناك إجماع أيضا على صعوبته».وأشار بركة إلى أنه لابد لأي إصلاح أن يكون في إطار تشاوري وتشاركي مع جميع الفعاليات من أجل مواجهة هذا الإشكال الكبير الذي أصبح يهدد استقلالية القرار الاقتصادي في بلادنا، مؤكدا أن إصلاح المقاصة مرتبط بتكامله مع إصلاحات أخرى كالإصلاح الضريبي.