كلما اجتاحت الحارس الدولي نادر لمياغري نوبة غضب يعلن اعتزاله الكرة،، كلما شعر بالاختناق إلا وأعلن الهروب بعيد إلى ضفة الاسترخاء. قبل ثلاث سنوات أعلن لمياغري اعتزاله حراسة مرمى عرين الوداد، وانتظر نهاية مباراة فريقه ضد النادي المكناسي ليضع على عشب ملعب الأب جيكو، قميصه بكل هدوء وقبل أن ينصرف نحو مستودع الملابس وضع قفازتيه على القميص وقبله ورفع يديه تحية لجمهور الوداد معلنا اعتزالا بالمرموز. في اليوم الموالي حضر نادر حصة تدريبية مع فريقه، وقال إن الوداد غفور رحيم، بعد أن استمع إلى نداء العقل، وإلى نصائح والده العارف بتفاصيل الكرة وتضاريسها. ولأن نادر يرفض الأدوار الثانوية، فقد تمرد يوما على المدرب لوزانو وطالبه بالإفراج عنه وتحريره من «السجن الاحتياطي»، قبل أن يحزم حقائبه ويرحل إلى عاصمة سوس هاربا من زحمة كرسي بدلاء يجلس فيه حراس دوليون. في دوربان، أطلق لمياغري صرخة من الأعماق ووعد بمباراة أمام جنوب إفريقيا بالقلب والروح قبل الخطط والمناهج التكتيكية، ولأن أصحاب «السيئات» قد استغلوا التصريح على نحو آخر، وسعوا إلى حفر هوة خلاف بين الحارس وزملائه في المنتخب، فإن نادر التمس من الطوسي إعفاءه من شارة عمادة لا تجلب له سوى المتاعب لكن الناخب الوطني رفض ولف ذراعه بشارتين. قال مدرب حراس المرمى سعيد بادو وهو غارق في دوامة القلق، ساعات بعد انتهاء المباراة بمقر إقامة الفريق الوطني: -أنت تعرف نادر أكثر مني، إنه حارس زاهد لا يرضى بغير الانتصارات، إنه محترف بدرجة عالية. وقال فتحي جمال الذي كان يقاسمنا جلسة سمر بلا قهوة ولا شاي: -أنا من اختار لمياغري قبل أزيد من عشر سنوات في منتخب عصبة الدارالبيضاء. وقال رشيد الطوسي وهو يستعيد شريط ذكرياته مع الإدارة التقنية: -أنا من طلب من مدرب حراس مرمى المنتخب استدعاء الفتى للمشاركة في معسكرات الفريق الوطني، وقبل على مضض. صمت عبد الأله أكرم، قبل أن يتخلص من دخان صادر سيجارته الكوبية، ويقول بصوت خافت: -إذا انتابت لمياغري نوبة غضب، أتركه لحاله لا أصب الملح على الجرح، لأنني أعرف أن حبه للقميص يفوق كثير من اللاعبين، فالمباراة بالنسبة إليه معركة حياة أو موت. تحولت الجلسة المسائية إلى مناظرة حول لمياغري، وبوليميك حول شارة العمادة، قبل أن يخلص الجميع إلى أن القلق جزء من المعيش اليومي لحارس يرتطم رأسه بالأرض والقائم عشرات المرات في اليوم. قبل أن نغادر الندوة الصحفية، سألت لمياغري عما إذا كان يرغب في قضاء فترة راحة واستجمام في دبي، قبل السفر إلى المغرب، فقال: -مكرهتش ولكن خاصني ندخل توحشت لبنيات والوداد. حينها آمنت أن في دواخل الرجل فيض مشاعر لا تظهر للعيان حين يرتدي القفازتين.