«سمعة الإدارة المغربية في الحضيض» هكذا لخص أحد أعضاء ترانسبرانسي المغرب الوضع بشأن الرشوة في الإدارة المغربية، خصوصا أن آخر تقارير هذه الجمعية يقول إن 95 في المائة من المغاربة أعطوا رشاوى للحصول على وثائقهم من الإدارة المغربية. ففي المقاطعات أو المصالح الإدارية المختلفة، تصبح «دهن السير يسير» هي الطريق السالك للحصول على وثيقة قد تكون قانونية أو لا تكون، خصوصا وأن سلسلة الإجراءات المعقدة والجهل بالقانون هما السبب المباشر فيما يحدث. وفي غياب مراقبة صارمة من لدن الرؤساء، يصبح الموظف المكلف هو سيد القرار، إلى درجة أنه يعتبر الحصول على رشوة حقه المكتسب بالنظر إلى أنه يقدم خدمة، ينسى أنه يتقاضى عليها أجرا نهاية كل شهر. ويعتقد المواطن الجاهل بحقوقه أن إعطاء الرشوة واجب للحصول على الحق. لذلك تتعدد صور الرشوة في جل الإدارات العمومية التي تصبح فيها الظاهرة قاعدة بدلا من أن تكون استثناء. 80 في المائة من المغاربة يرون أن القضاء مرتش في تقرير ترانسبرانسي المغرب، قال 80 في المائة من المغاربة إن الرشوة متفشية في قطاع العدل بشكل مخيف. ويعترف 39 في المائة من هؤلاء بأنهم أعطوا رشاوى في محاكم المملكة بالنظر لما تعرفه من سمسرة تصل بين القاضي والمواطن الذي يأمل في نيل حقه، خصوصا حينما يتعلق الأمر بقضايا الإرث. اليوم لم يعد خافيا على أحد أنه في جنبات كل محكمة يوجد سماسرة قادرون على ربط الاتصال بين قاض مرتش وزبون مستعد للدفع. الطرف الآخر في العملية لم يسلم من الآفة. إنهم المحامون الذين ينخرطون سواء في عملية السمسرة بين القاضي والزبون، أو في عمليات أكبر خصوصا مع شركات التأمين. والحصيلة هي أن المواطن هو الضحية في كل المحطات، على الرغم مما تقوم به المفتشية العامة لوزارة العدل التي تراقب عمل القضاة، دون أن تتمكن من تنظيف البيت الداخلي. 1500 درهم للحصول على شهادة طبية تعتبر الرشوة من العناوين الكبرى لما يعرفه قطاع الصحة في المغرب، خصوصا بداخل المستشفيات العمومية. لذلك وقفت ترانسبرانسي على جملة من الإختلالات في هذا المجال. واعتبرت أن الدخول إلى مستشفى عمومي تعني تحريك رشوة, سواء مع ممرضين أو أطباء. بل إن حراس أبواب المستشفيات تعلموا الظاهرة. المجال الصحي الخاص لا يخلو هو الآخر من سماسرة يرابطون أمام أبواب بعض المصحات الخاصة لاقتناص زبائن يتم اقتيادهم إلى المستشفيات لإجراء عمليات جراحية بأثمنة أقل. والحصيلة هي أنه لكي تمرض في المغرب، فأنت مطالب بالأداء. لذلك لم تتردد منظمة الصحة العالمية في تصنيف المغرب في الرتبة 57 من بين الدول التي تعاني من نقص حاد في الأطر الصحية. 0.5 من الناتج الداخلي الخام يضيع بسبب رشوة الصفقات العمومية قدر البنك الدولي الخسارة التي يتكبدها المغرب بسبب رشوة الصفقات العمومية ب 3.6 مليارات درهم خلال سنة 2007، أي ما يعادل 0.5 من الناتج الداخلي الخام. وعلى الرغم من أن القانون يفرض إخضاع الصفقات العمومية التي تزيد عن 5 ملايين درهم للمراقبة، إلا أن ذلك لا يزال حبرا على ورق. وكثيرا ما ضاعت حقوق البعض بسبب غياب الشفافية في الإعلان عن الصفقات العمومية. 27 في المائة من المنعشين العقاريين أعطوا رشوة يصنف العقار اليوم على أنه المجال الذي يعرف حالات رشوة من مستوى عال. فإذا كانت الإدارة تفرض على المواطنين رشاوى بقيم بسيطة يمكن ألا تزيد عن المائة درهم، فإنها في العقار تصل إلى الملايين. لذلك اعترف 27 في المائة من المنعشين العقاريين في تقرير ترانسبرانسي أنهم أعطوا رشوة للحصول على تراخيص البناء. كما أن استفادة عدد من المحظوظين من أراضي الدولة بأثمنة بخسة تعتبر قمة الرشوة التي تقدمها الدولة للمقربين منها، على الرغم من أن العملية أضاعت عليها ملايير الدراهم. زد على ذلك أن العملية أضحت محتكرة من طرف جهات بعينها تستفيد من ريع جديد للدولة اسمه الأراضي، التي يضارب فيها المنعشون على حساب الراغبين في الحصول على سكن. 58 في المائة من المغاربة أعطوا رشوة لرجال الأمن والدرك حينما قيل لإدريس البصري، وهو وقتها وزير للداخلية، إن رجال الأمن يتقاضون أجورا زهيدة، رد بأنهم يعيشون مع المغاربة، في إشارة إلى أنهم يتقاضون رشاوى وهم يمارسون مهامهم على الطرقات. ومن يومها أصبحت رشوة رجال الأمن والدرك شبه مشروعة. ونادرا ما قيل إن الإدارة العامة للأمن الوطني أو إدارة الدرك اعتقلت أحد المتلبسين بتلقي رشوة. غير أن التحركات التي سيعرفها المجتمع المغربي في السنوات الأخيرة، والرفع من أجور رجال الأمن بنسب محترمة، فتح على هذه الفئة نيران المراقبة وأصبحت اللجان تتبع خطواتهم. ظل الأمن متهما بالرشوة بشكل كبير. وقال تقرير ترانسبرانسي إن 58 في المائة من المغاربة أعطوا رشوة لرجل أمن أو لدركي حينما يرتكبون خطأ، خصوصا بعد أن فضح «قناص تارجيست» و»قناص سيدي افني» المسكوت عنه في رشوة الدرك. غير أن بنود مدونة السير الجديدة فوتت على هذه الفئة فرص الرشوة خصوصا ما يتعلق ببعض المخالفات التي لا مجال فيها للتفاوض كالسرعة مثلا. المثير في العملية هو أن الرشوة في القطاع تنطلق من المسؤول الأول لتصل إلى أصغرهم. ولا غرابة أن الرشوة متفشية داخل هذه الأجهزة نفسها إلى درجة أن الترقية تفرض أداء رشوة.