يعيش سكان أحواز مراكش حياة العفاف والكفاف. كلما ابتعدنا عن المراكز الحضرية الموجودة على الطريق الرابطة بين مدينتي مراكش والصويرة، إلا وصادفنا سكانا يواجهون الحياة بأذرع مفتوحة. تقبل النساء، في قبائل «أولاد بني السباع» بضواحي شيشاوة، على حياكة زرابي رفيعة، ينسجنها بطريقة تقليدية يواجه تسويقها صعوبات جمة. نظمت وكالة التنمية الاجتماعية الأسبوع الماضي رحلة صحافية لتفقد مشاريع مدرة للدخل مولتها الوكالة بشراكة مع الجمعيات المحلية بجهة مراكش تانسيفت الحوز. في تعاونية الزرابي بجماعة سيدي المختار، أفهمتنا المشرفات على التعاونية أن الزربية السباعية متصلة بقبيلة أولاد بني السباع، وهي زربية معروفة بلونها الأحمر الداكن، أما إنجازها فيتطلب مدة زمنية تصل إلى شهر أو أكثر. حسب زهرة خراب، المرأة التي ألفيناها تقتعد كرسيا خشبيا وراء «منسج»، فإن الزربية السباعية التي تنجز على نطاق جماعتي شيشاوة وسيدي المختار، معروفة بجودتها لكن تسويقها يواجه صعوبات. «البازارات المنتشرة على الطريق الرابطة بين شيشاوة والصويرة تبيع السياح زرابي رخصية ومغشوشة، وهي تباع أحيانا بأسعار تفضيلية. بعض المرشدين السياحيين يقفون بقوافل السياح أمام هذه البازارات ويتحاشون التوقف عندنا في التعاونية. رغم أننا نطل على الطريق، فإنهم لا يعبؤون بنا. المرشدون يفعلون ذلك مقابل الحصول على (الجعبة)»، وهي الكلمة التي تعني حصول المرشد السياحي على عمولة من الأرباح مقابل بيع زربية بأحد البازارات. تشرح سمية المختاري، أمينة مال التعاونية، للصحافيين، قائلة إنه وبالرغم من كون هذه التعاونية أسست سنة 1995 وتحظى بدعم دول ككندا وفرنسا، فإن النساء العاملات بها يتقاضين أجورا هزيلة، بالكاد تسمح لهن بضمان قوتهن اليومي. فنجاة عطار، الشابة التي لم تتجاوز السادسة والعشرين من عمرها والقاطنة بحي «الدراع» بجماعة سيدي المختار، تتقاضى أجرة لا تتعدى 100 درهم في الأسبوع. زميلتها نعيمة دادة، 20 سنة، أرسلت نظرة عميقة وقالت بصوت خنوع»: غادرت مقعد الدرس منذ القسم الخامس ابتدائي لأجلس في المنزل، هكذا: لماذا انقطعت عن الدراسة؟ سألتها، «لم أشأ أن أكمل، فقال لي والدي أنت حرة، اجلسي في المنزل ولن أجبرك على الدراسة بالقوة»، مشيرة إلى أن أباها يعمل بناء موسميا ويجِدّ لإطعام أسرة مكونة من ستة أفراد. «إذا كانت الزربية صغيرة الحجم، فإن مدة نسجها لا تتعدى 15 يوما، أما إذا كانت من الحجم الكبير فإنني أقضي شهرا ونصف في نسج خيوطها بالصوف. وتصرف لي أجرة قدرها 100 درهم». لا يتعدى عدد العاملات اللواتي كن يتواجدن صباح الجمعة الماضي داخل تعاونية سيدي المختار للزربية السباعية 8 نساء رغم أن المنخرطات بها كثيرات. وحسب زهرة خراب، فإن الكثير من المنخرطات يفضلن تسلم المواد الأولية من التعاونية والعمل في منازلهن، خصوصا بعد أن رخصت السلطات لمقهى كبيرة، عبارة عن باحة استراحة، فقررت الكثير من النسوة العمل في منازلهن. سعر المتر المربع الواحد من الزرابي المنسوجة بالتعاونية يباع بسعر400 درهم، أما الصوف المستخدمة في النسيج فتشترى من مدينة سلا بسعر يصل إلى60 درهما للكيلو. زرابي تعرض في الطرقات لا تواجه الزربية المنتجة محليا بجماعة سيدي المختار منافسة أصحاب البازارات الباحثين عن اصطياد السياح الأجانب المارين من هذه البلدة المهمشة والواقعة بين مراكش والصويرة فقط، بل إنها تعاني أيضا من كون الضيعات الفلاحية التي أحدثت بالجماعة تمكنت من استقطاب اليد العاملة النسائية المدربة على حياكة الزربية الرفيعة. السبب أن العمل في الضيعة يدر على صاحبته أجرا يوميا قيمته خمسون درهما أما العمل في حياكة الزرابي فبدون جدوى طالما أن المرأة النساجة تتقاضى أجرة قدرها مائة درهم فقط بعد أسبوع من العمل. حسب مصدر من تعاونية الزرابي، فإن النسوة يفضلن العمل في ضيعة فلاحية وتقاضي أجرة يومية قدرها خمسون درهما على انتظار تسلم مبلغ 100 درهم بعد استكمال حياكة المتر المربع الواحد من الزربية السباعية والذي تستغرق حياكته مدة 15 يوما. هكذا، تواجه صناعة الزرابي التقليدية في المنطقة تحديا لمنخرطات تعاونية سيدي المختار ولمهنة لطالما شكلت لسكان المنطقة مصدر دخل أساسي ينضاف إلى الزراعة المعاشية. حسب عبد الواحد بوعياد، المنسق الجهوي لوكالة التنمية الاجتماعية بجهة مراكش تانسيفت الحوز، فإن دعم المشاريع الصغيرة المدرة للدخل، وضمنها مشروع مخبزة بجماعة سيدي المختار، يندرج في إطار اتفاقية بين مجلس الجهة والوكالة ووزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن وبرنامج الأممالمتحدة للتنمية. يشير بوعياد إلى أن التجربة الأولى في المغرب لدعم جهوية التشغيل والمبادرات المحلية، اعتمدت كتجربة نموذجية لملتقى التشغيل في الصخيرات مؤخرا، مضيفا أن حجم الميزانية المرصودة لدعم المشاريع الصغرى بالجهة يصل إلى 24 مليون درهم.