يجهش العديد من الزائرات وقليل من الزائرين عند قبور «الأولياء الصالحين» بالبكاء والشهيق والزفير، ومنهم من يتمدد إلى جانب القبر أو يضمه إلى صدره، ويتوسل إلى أصحابها الراقدين تحت أطنان من الأتربة منذ قرون، ويطلب منهم التوسط إلى الله، لإيجاد حل لمشاكلهم ومشاغلهم وهواجسهم من زواج أو طلاق أو تحكم في الزوج أو السيطرة على الزوجة أو طلب شفاء من مرض، أو قضاء حاجة في النفس أو طلب حماية من أخطار مهددة أو طلب خلاص من مأزق أو أشياء أخرى عجز عن حملها الإنسان الحي. حوالي الساعة الرابعة من عشية أحد الأيام القائظة من فصل الصيف، تمددت المرأة العجوز البالغة من العمر 75 سنة كعادتها، عند حائط الولي الصالح «سيدي إدريس القاضي» الذي تقصده العجائز والنساء للتبرك به وبأتربته كما يستقبل فتيات لنقش الحناء، لتستمتع بظلال شجرة يفوق عمرها الأربعة قرون وتغطي أغصانها سماء الضريح كله. لكن العجوز الغارقة في نومها خلال فترة القيلولة، فوجئت بالشجرة وهي تهوي على الضريح بعد أن انفصل الجزء العلوي الحامل لأطنان من الأغصان عن جذع الشجرة الفارغ المتآكل، ويقع جزء منها على جسدها النحيل ليكسر يديها وأضلعها ويسحق صدرها. كانت العجوز تصرخ وتستغيث وتتلفظ بالشهادة إلى أن لفظت أنفاسها الأخيرة رغم محاولات المواطنين إنقاذها وإخراجها من تحت أغصان الشجرة. لقد وقعت الشجرة وفجَّرت سور الضريح وجدرانه وقتلت العجوز وكادت الحصيلة أن تكون أكبر (تُعدُّ بعشرات النساء من جميع الأعمار) لو كان اليوم يوم الخميس، يوم الزيارات، دون أن يستطيع «الولي الصالح» دفع الخطر عنها وعن زواره. ورغم ما وقع وكان ذلك مناسبة ومبررا لإغلاق الضريح وتدمير معتقد بدائي، تم إصلاح الضريح وتبليط فنائه وتوسيعه حتى يستقطب عددا أكبر من الزائرات المتبركات بالأتربة. قرابين للتبرك والتقرب «زيارة الأضرحة قديما هو التبرك بقبر شخص كانت له صلة بالله من خلال علمه وعبادته، كان عالما أو متعبدا أو معروفا بالصلاح يشهد له بذلك في حياته. ويأمل الناس في زيارتهم لذلك القبر أن تصلح أحوالهم ببركاته وينتفعون بها ويدفعون بها عنهم المشاكل» يقول الدكتور عبد المجيد كمي، اختصاصي في الأمراض النفسية والعصبية ومجاز في علاج الإدمان على الخمر والمخدرات. يجهش العديد من الزائرات وقليل من الزائرين عند قبور «الأولياء الصالحين» بالبكاء والشهيق والزفير ومنهم من يتمدد إلى جانب القبر أو يضمه إلى صدره، ويتوسلون إلى أصحابها الراقدين تحت أطنان من الأتربة منذ قرون، ويطلبون منهم التوسط إلى الله، في أن يجدوا لهم حلا لمشاكلهم ومشاغلهم وهواجسهم من زواج أو طلاق أو تحكم في الزوج أو السيطرة على الزوجة، أو طلب شفاء من مرض أو قضاء حاجة في النفس أو طلب حماية من أخطار مهددة أو طلب خلاص من مأزق، أو أشياء أخرى عجز عن حملها الإنسان الحي...» فهذه أفكار خاطئة لم يقل بها الدين وحتى قبر رسول الله الذي منع التمسح به ولا يطلب عند زيارته إلا السلام عليه والدعاء...» يوضح أحد الأساتذة الجامعيين الباحثين في الدراسات الاسلامية بكلية الآداب بجامعة محمد الأول بوجدة، ثم يضيف قائلا «ومن أراد بركة عالم فليقرأ علمه ويأخذ مما ترك، أما أن يذهب إلى قبر ميت صاحبه في حاجة إلى الدعاء له من طرف الأحياء، فهذا غير معقول». ومن المشعوذين والمشعوذات من ينصحون «زبائنهم» و«زبوناتهم» بزيارة الأضرحة بدل الأطباء، ويلحون في وصفاتهم على تقديم قرابين لساكني تلك الأضرحة من الأحياء والموتى والجن والإنس كأن يذبحن الديكة والجديان وحتى الثيران من اللون الأسود، بحجة أن ساكنيها يبتهجون للون الأسود ويتخذونها لهؤلاء «الأولياء». زيارة الأضرحة لطلب الشفاء كانت ظاهرة زيارة الأضرحة أكثر شيوعا خلال فترة الاستعمار بالجهة الشرقية، حيث تكثر الأضرحة ولا شك في جميع أنحاء المغرب، لبعد الناس عن العلم، حيث كان الاستعمار لا يسمح للجميع بأن يواصلوا دراسات تمكنهم من اكتساب الوعي والابتعاد عن الخرافات والجهل والأمية، رغم أنه كان هناك علماء، لكن لم يكن ذلك كافيا لمحاربة الظاهرة التي كانت مترسخة في العقول إلى جانب التقاليد والجهل والأمية والتخلف. بالإضافة إلى ذلك، كانت ثقافة المواطن تميل إلى مقت الاستعمار وكان إذا مرض الشخص يفضل زيارة الأضرحة بدل زيارة الطبيب الأجنبي المستعمر إلا نادرا في حالة استعصاء الحالة المرضية أو كون الحالة استعجالية أو تتطلب عملية جراحية مع العلم أن عدد الأطباء كان قليلا. وفي الحالات العادية يفضل أهل المريض اللجوء إلى بعض الطقوس المعروفة والمتداولة أو زيارة الأضرحة التي تخصص كل ميت صاحب ضريح في نوع من المرض واشتهر به عند الأحياء، مع اعتقاد الكثير من الناس أن هناك أمراضا تتجاوز طاقة وعلم الطبيب الذي درس في الجامعات وتخصص بعد ذلك في شعبة من شعب الطب، ولا يمكن له اختراقها لأنها من الغيبيات ومن اختصاص صاحب الرفات إن بقيت رفاته بالقبر أو اندثرت بعد أن تحولت إلى رميم، أو إن كان بالفعل هناك أصلا رفات... وفي ضريح الولي الصالح سيدي يحيى بنيونس كبير أولياء وجدة و«سلطانها» لخير دليل على ذلك. هذا «الولي الصالح» يبعد عن مركز المدينة بحوالي 6 كيلومترات شرق مدينة وجدة ويعتبر «الحامي» لها و«المدافع» عنها. وكان نذرا على سكان المدينة والقبائل المجاورة لها تنظيم موسم سيدي يحيى «الوعدة» صيف كل سنة تبركا بالولي ويذبحون العجول والجديان لأجل ذلك. ومن المفارقات العجيبة أن الولي «سيدي يحيى بنيونس» يتجاذبه أهل الديانات الثلاث اليهودية والنصرانية والإسلامية ويزورونه ويتبركون به وكل منهم يدعي انتماءه إليهم، فهو في آن واحد «حواري» و«قديس» و«ولي». ومن الغرائب أن قبره موضوع على خط زاوية قائمة مع خط القبلة (رجلاه في اتجاه القبلة) بعكس قبور المسلمين. بل لا يوجد جثمان بالقبر بتاتا، حسب ما يرويه البعض. اختصاصات الأضرحة العلاجية اشتهر كل ولي من «أولياء الله الصالحين»، الذين يتجاوز عددهم الثلاثين بمدينة وجدة والذين تعرف أضرحتهم وتُزار أو تُذكر، اختص كل واحد منهم في علاج مرض ما أو حالة نفسية أو وضعية ما أو ظاهرة ما، ولا زال البعض يؤمن بذلك ويقصد العديد منهم لذلك «الغرض». وإذا كان أكبر الأولياء وأولهم وأقدمهم «سيدي يحيى بنيونس» يمنح الأطفال الذكور ويزوج العوانس، ويبرئ جذع إحدى أشجاره المتهالكة أمراض المفاصل، حيث يقصده العديد من الناس، ومنذ سنوات عدة، خصوصا أولئك الذين يعانون من أمراض الظهر والروماتيزم فيتمرغون فوق جذع «الشجرة الميتة المباركة» المتواجد خارج ضريح سيدي يحيى بنيونس بوجدة معتقدين أن تلك «الحركات الرياضية» بلسم وشفاء لهم. وقد تم قبل ذلك استئصال الشجرة التي كانت بقربها والتي كانت تعلق بأغصانها قطع من القماش تحمل «متمنيات ورغبات» العاقرات والبائرات. ودرءا لكل هذه المعتقدات عمد بعض المواطنين إلى طلاء جذع الشجرة بزيت محركات السيارات المحروقة لمنع الزائرات الوافدات على الضريح وبعض الرجال من التبرك بها، ثم بعد ذلك إلى اقتلاعها ثم اجتثاث شجرة ثانية... أمَّا الولي الصالح «سيدي إدريس» فيخرج الجن ويداوي «لرياح» فيما يعالج «سيدي أحمد التونسي» عناد الأطفال «الشحنة» أما «سيدي بنطيبة « فيتحكم في الجن دون أن ننسى ولي المدينة القديمة سيدي عبد الوهاب الذي يعافي الحمى ويبطل العناد. إن العديد من الأضرحة ما زالت تشعل لها الشموع وتغطى قبورها بأثواب خضراء، ويتبرك بترابها، حيث تدهن به الصدور والبطون. ومن بين الأضرحة المشهورة التي يقصدها مواطنو الجهة الشرقية ضريح «سيدي ميمون» الواقع على بعد كيلومترات من مدينة بركان صاحب اختصاص علاج المختلين عقليا وهناك يقيمون لأيام حسب وصفة «الفقها» و«الشوافات» و«الناصحون» من المجرِّبين... ُيرْمَى بالمصاب بأمراض عقلية أو نفسية داخل الضريح وتُغْلَقُ عليه الأبواب مع مرضى آخرين أو وحده أو مصحوبا بأحد أفراد عائلته، وبعد أن تُهْدى لأهل المكان ومالك الضريح دِيَكَةٌ حمراء أو سوداء أو صفراء أو جديانا أو تيوسا سوداء حسب رغبة وهوى «ساكني الضريح» مع علب من الشموع لا تشعل حيث يتم بيعها مرات ومرات... علاج روحي تعتبر زيارة الأضرحة من العلاجات الروحية كأن يخاطب المريض ذلك الولي الصالح في قبره ويطمئن إليه لما عرف عنه من تقوى وقوة الإيمان وكثرة الصلاح والخير ويتحدث إليه كأنه حي. ويرى الدكتور عبد المجيد كمي أن هؤلاء الزائرات للأضرحة وبعض من الرجال مع التأكيد أن أغلبهم نساء يجدن راحة ليس فقط في الزيارة والتبرك ولكن كذلك في التجمع والحديث والفسحة حيث خصص الوجديون لكل ضريح يوما ، فمثلا يوم «سيدي يحيى بنيونس» هو يوم الجمعة ويوم «سيدي معافة» هو يوم الاثنين ويوم «سيدي إدريس القاضي» هو يوم الخميس... يزور الشخص الضريح حتى يفرغ ما في قلبه من هموم ومشاكل ويتحدث للآخرين ويحس آنذاك بالراحة. وهناك جانب آخر وهو معروف عند الأمم القديمة ولاسيما لأمم الوثنية وهو ما يسمى ب«الجذبة» وهي تلك الحالة من «الحضرة» والصراخ عند الضريح والتمدد على قبره وهي حالة هستيرية تمكنها من تفريغ طاقة كبيرة، ثم تلف بها النسوة وتهتم بها فتحس بنوع من المواساة والعطف ربما كانت تبحث عنهما تتبعها راحة عميقة تؤدي بها إلى غيبوبة أحيانا. هذه الحالة توجد لدى الأمم البدائية ولو لم تكن لها علاقة بالأضرحة ولكن لها علاقة بالأرواح من خلال ممارسة طقوس ورقصات... ويأتي العلاج في بعض الحالات النفسية الخفيفة، حسب الأخصائي في الأمراض النفسية، بصفة تلقائية لدى البعض بنسبة 50% بمجرد زيارته الطبيب، ونفس الشيء بالنسبة للبعض الذي يعتقد علاجه في الأضرحة. ولكن يبقى علاج العديد من الأمراض عند الطبيب المختص. في بعض الأحيان تتداخل الصدف في حالات يشفى المريض وتلعب دورها ويعتقد الناس أن الضريح أو الولي الصالح فعل فعلته وفَعَّل بركته ليصبح الأمر يقينا يتوارثونه. ويرى بعض الزائرين أن ما كان يقع في «سيدي ميمون» أخف بكثير مما يقع بناحية مراكش بQبويا عمر»، إذ هناك من احترف تلك المهنة التي لا علاقة لها بالعلاج، حيث يسجنون المرضى ويربطونهم ويعذبونهم ويعاملونهم معاملة قاسية وغير إنسانية ويطلبون من أسرهم ألا يزورونهم إلا بعد أيام أو حتى يسمح لهم بذلك مقابل قدر مالي شهريا لا يستهان به. يؤسف للحالة التي يوجدون عليها، فلا عيش كريما ولا وضعية مريحة ولا علاجا مفيدا، وهذا العمل هو شعوذة في أخبث صورها وأوحش طرقها، والعديد من المرضى من يصاب بأمراض أخرى وتستفحل حالته ويرمى إلى الأهل مهدودا منهوكا بل جسدا دون روح ودون إحساس، وكل هذه معتقدات يجب محاربتها بمنعها... غرائب وطرائف يقع ضريح الولي الصالح سيدي يحيى بنيونس على بعد 6 كيلومترات شرق مدينة وجدة وهو «الحامي» لها و«المدافع» عنها. وكان نذرا على سكان المدينة والقبائل المجاورة لها تنظيم موسم سيدي يحيى «الوعدة» صيف كل سنة تبركا بالولي ويذبحون العجول والجديان لأجل ذلك. وكانت تقام الحفلات من الفلكلور المحلي برقصات العلاوي والنهاري ومسابقات الفروسية «فانطازيا» و«كوم» و«الخِيلة» وليالي «كناواة» و«عيساوة» تبركا بمكرمات «سيدي يحيى الولي مول النخل والدوالي» ورغبة في طلب حمايته لهم بهالته القدسية، كما يهيئ «الطعام» (الكسكس) ويوزع على الوافدين لمدة 7 أيام. كنا صغارا نذهب مع أمهاتنا لنزور الولي سيدي يحيى بنيونس ، فكن يحفرن القبر ويأخذن التراب ويطلينه على صدورنا بل منهن من كن يطعمن شيئا منه لأطفالهن لنبرأ أو حتى لا نصاب بمرض. وكلما فرغ القبر من ترابه يقوم «لمقدم» بملئه وهكذا دواليك... تقول إحدى المترددات على الضريح. وقع خلال سنة 1963 أن أصيب عدد كبير من الناس بإسهال كبير إثر تناولهم لكسكس «الوعدة». فتحولت «الوعدة» آنذاك إلى مأتم. فكان الوجديون يفسرون الواقعة بغضب الولي الصالح سيدي يحيى على سلوكات بعض الناس تمس الحياء والحشمة، فكان أن عاقبهم بذلك ورفض «طعامهم»...لكن واقع الأمر في ذلك أن الإسهال نتج عن تسمم غذائي صادر عن زيوت فاسدة...