انقضت خمسون سنة على نشوب أزمة الصواريخ في كوبا. كانت تلك أخطر الأزمات في التاريخ الحديث لأنها كادت تسبب حربا ذرية بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي للقضاء على العالم. وفي هذه الأزمة عدد من نقاط الموازاة للأزمة الذرية الإيرانية وعدد من الدروس ذات الصلة. نشبت الأزمة حينما بدأ الاتحاد السوفياتي ينصب صواريخ ذرية على أرض كوبا التي كان قد أصبح يحكمها فيدل كاسترو. إن البُعد بين كوبا وشواطئ فلوريدا 145 كلم فقط، ورأت الولاياتالمتحدة الإجراء السوفياتي تهديدا مباشرة لمدن مركزية في ساحلها الشرقي ومحاولة لبناء قاعدة لثورات شيوعية في أمريكا اللاتينية. في أكتوبر 1962 تمت معركة انتخابية عاصفة في مجلس النواب الأمريكي، واتهم الجمهوريون الرئيس جون كنيدي بإدارة سياسة خارجية مهادنة ليّنة مع الاتحاد السوفياتي وكاسترو. وكان كنيدي مضطرا إلى وقف نصب الصواريخ في كوبا. إن الاتحاد السوفياتي، مثل إيران اليوم، كذب وضلل العالم كله حينما أنكر كل نية لنصب سلاح ذري في كوبا. ونشبت الأزمة حينما صورت طائرات تجسس أمريكية مواقع صواريخ في كوبا. وأحرج الأمريكيون السوفيات في الأممالمتحدة حينما كشفوا عن الصور المُجرمة. وأنشأ كنيدي لجنة خاصة لاتخاذ القرارات، جعل رئيسها أخاه روبرت كنيدي الذي كان وزير العدل آنذاك. واشتملت اللجنة على رجال من الإدارة وموظفين كبار سابقين ذوي تجربة كبيرة. وكانت المشكلة هي ضغط الوقت كما هي الحال اليوم في القضية الإيرانية. وأبحرت سفن سوفياتية محملة بالصواريخ والمعدات إلى كوبا وبُنيت قواعد إطلاق صواريخ في إيقاع سريع. وفي غضون زمن قصير، كانت الصواريخ ستصبح عملياتية وتصبح عملية مضادة لها غير ممكنة. تباحثت اللجنة في عدد من الاختيارات لمواجهة الأزمة وانحصر رأيها في نهاية الأمر في اثنين، هما: الهجوم على مواقع الصواريخ وحصار بحري. ووزنت اللجنة، في حرص، جميع المزايا والنقائص لكل اختيار، واستقر رأيها آخر الأمر على حصار بحري. وطلب كنيدي من الاتحاد السوفياتي أن يعيد السفن إلى الوراء ويبعد جميع قواعد الإطلاق والصواريخ التي قد وصلت إلى كوبا. ووضع خطا أحمر حول كوبا ووضع فيه سفنا حربية أمريكية وأعلن أن كل سفينة سوفياتية تحاول اجتيازه سيتم وقفها. وبعد بضعة أيام متوترة عصبية وتفاوض سري في قناة غير مباشرة، تراجع السوفيات وأبعدوا صواريخهم عن كوبا مقابل تنازلات أمريكية كُشف عنها بعد ذلك، كانت في الأساس التزاما بالامتناع عن إسقاط نظام كاسترو بالقوة. تدل الأزمة وصورة إنهائها على عدة دروس. من المهم الحصول على «مسدس مدخن». وقد حظيت الولاياتالمتحدة بتأييد عالمي بعد أن كشفت في الأممالمتحدة عن أكاذيب الاتحاد السوفياتي. وكان اتخاذ القرارات حذرا ومحسوبا. ومن المعلوم اليوم أن هجوما عسكريا أمريكيا على مواقع الصواريخ لو تمّ لكان سبّب حربا ذرية. ورسم الحصار البحري خطا أحمر ونقل الكرة إلى الطرف الثاني وخشي السوفيات اجتيازه. يُعد اتخاذ القرارات في أزمة كوبا إلى اليوم نموذجا لمسار منظم محكم، وقد أظهرت الولاياتالمتحدة الثقة والتصميم، وعزز كنيدي تصريحاته بأنه لن يُمكّن السوفيات من نصب صواريخ في كوبا بأعمال على الأرض. ومنع تفاوض سري حربا ذرية وأنهى الأزمة باتفاق، واستطاعت الأطراف كلها تبنيه. إن تطبيق هذه الدروس قد يساعد على وقف المشروع الذري الإيراني. عن «يديعوت»