«أنا متقاعد شاب. شاب ربما، متقاعد أكيد. لم أعمل منذ خمسة أشهر، لم تكن لي إجازات لمثل هذه المدة أبدا في حياتي، والأسوأ هو أني سعيد بهذا الوضع».. ليست هذه كلمات أجير في إحدى الشركات، أو مدير أو حتى وزير استطعم توجيه الأوامر والظهور في الأنشطة العامة، بل هو تصريح لرئيس دولة سابق بدأ يحس بأنه في حاجة إلى «عمل»، بعد أن فقد منصبه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لصالح منافسه الاشتراكي، فرانسوا هولاند.. إنه نيكولا ساركوزي، الذي نتعرف على خططه للمستقبل من خلال الورقة التالية. بعد هزيمته أمام الاشتراكي فرانسوا هولاند، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لم يطل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الغياب عن الساحة، فقد أطل من نيويورك، من خلال محاضرة ألقاها في أحد الفنادق الفخمة بالمدينة بدعوة من مصرف الاستثمار البرازيلي. ويسعى رعاة اللقاء الذي حضره أيضاً الرئيس البيروفي السابق ألان غارسيا بيريز، إلى جمع المستثمرين برؤساء الشركات الكبرى في أمريكا اللاتينية. ورفض المقربون من الرئيس الفرنسي السابق التعليق على الموضوع، وقال أحدهم إن الأمر يخص ساركوزي فقط. وكانت صحيفة فرنسية قد كشفت مؤخرا أن المصرف البرازيلي، على استعداد لدفع مبلغ قيمته 250 ألف أورو للرئيس الفرنسي السابق مقابل إلقاء المحاضرة. وكان ساركوزي خطيب مؤتمر خاص منع الصحافيون من حضوره ونظمه مصرف الاستثمار البرازيلي «بي تي جي باكتويال» في فندق وولدورف إستوريا الفخم في مانهاتن. «حياة جديدة» «أريد حياة جديدة، لكن ليس فقط لإلقاء محاضرات (...) ما أحبه ليس السياسة، بل العمل، العمل في السياسة أو في غيرها»، هذا ما صرح به الرئيس الفرنسي السابق في نيويورك أمام حشد من المصرفيين، حسب مقتطفات من خطابه نشرت على موقع إلكتروني. وأضاف ساركوزي، في خطاب استمر لقرابة 50 دقيقة أمام حوالي 400 مصرفي: «أود فعلا أن أظهر أنه بالإمكان أن يكون المرء سياسيا وأن يفهم في الشركات». وفي مستهل خطابه، قدم ساركوزي (57 عاما) نفسه باللغة الانجليزية. وقال «أنا متقاعد شاب. شاب ربما، متقاعد أكيد. لم أعمل منذ خمسة أشهر، لم تكن لي إجازات لمثل هذه المدة أبدا في حياتي، والأسوأ هو أني سعيد بهذا الوضع». يشار إلى أنه أول خطاب يلقيه ساركوزي منذ مغادرته قصر الإليزيه قبل خمسة أشهر. ويبدو أن هذا الأخير اختار نيويورك ليعود إلى الأضواء، عن قصد، فقد كان السبق للرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون الذي رفض التقاعد بعد ولايتين متتاليتين في البيت الأبيض، وكان ضيف شرف في العديد من المناسبات، وحرص على الظهور لدعم المتضررين في الكوارث الطبيعية. وأطلق قمة سنوية يحضرها زعماء دول ومستثمرون لجمع الأموال من أجل محاربة الفقر. في المقابل، جنى كلينتون الكثير من المال مقابل مداخلاته، ففي 2010 تلقى أكثر من 10 ملايين دولار عن 52 مداخلة. وفي أوربا، يعتبر رئيس الوزراء السابق توني بلير من السياسيين المنتفعين، إذ كان يتقاضى 250 ألف جنيه إسترليني مقابل محاضرة تدوم 90 دقيقة. البحث عن عمل وتدل تصريحات ساركوزي خلال المحاضرة على أنه يواجه مشكلة حساسة تتمثل في «عمل» رؤساء الدول السابقين، الذين يضطرون إلى ابتكار حياة مهنية بعد أن تذوقوا أبهة السلطة، وهو ما يؤكده البروفسور باسكال دو سوتر، الخبير في علم النفس السياسي والمشارك في وضع كتاب «في رأس المرشحين»، الذي لفت الانتباه إلى أن «الخروج من السلطة يشكل مرحلة يصعب إدارتها بالنسبة إلى كل رؤساء الدول». مضيفا أنه «عندما تكرس كل طاقتك لبلوغ أعلى هرم السلطة، وعندما تعيش تحت الضغط محاطًا بالمتملقين الذين يمدحونك ويستجيبون لنزواتك، يصعب كثيرًا عليك القبول بأن تعود مواطنًا شبه عادي». من جهته، قال جان بيار فريدمان، دكتور في علم النفس وصاحب كتاب «السلطة والرجال»: «إن هناك فارقًا كبيرًا بين رؤساء الدول الأنجلوساكسونيين ونظرائهم اللاتينيين»، موضحا أنه «لدى الأوائل يدخل كل شيء في نطاق «البيزنس» (متعلق بالعمل) وغالبا ما يلقون محاضرات مقابل أجر كبير، ويستمر الحديث عنهم وتتم استشارتهم، لذلك لا يتولد لديهم الانطباع بأنهم لم يعودوا يمارسون السلطة».
الترشح للرئاسة من بين الحلول «طويلة الأمد» التي يبحث من خلالها ساركوزي عن «إنهاء تقاعده» الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، حيث ذكرت صحيفة «لو كانار أونشينيه» الأسبوعية أن الرئيس الفرنسي السابق أبلغ صديقا أنه «لا خيار» لديه غير السعي للترشح مرة أخرى لرئاسة فرنسا في 2017، بعدما قال إنه سيعتزل السياسة في أعقاب هزيمته الانتخابية في ماي الماضي. ونشرت صحف فرنسية ومواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام صورة لساركوزي مع زوجته كارلا، لكن المميز في الصورة ظهوره ملتحياً، لأول مرة، وعلّق مواطنون فرنسيون أن «مغادرة ساركوزي للإليزيه فعلت فيه الأفاعيل». ويتفادى ساركوزي جذب الأنظار إليه منذ خسارته أمام الاشتراكي فرانسوا هولاند ولم يدل سوى ببيان عام واحد انتقد فيه سياسة خليفته بشأن سوريا. ونقلت الصحيفة عن ساركوزي قوله لمعاونه ووزير الزراعة السابق، برونو لومير: «بالنظر إلى الشكل الكارثي الذي ستكون عليه فرنسا خلال خمس سنوات من الآن فلن يكون لدي الخيار في 2017.. السؤال ليس ما إذا كنت سأعود، لكن إذا كان لدي الخيار فهل أملك من الناحية الأخلاقية عدم العودة». ورفض معاون للومير التعليق على تقرير «لوكانار أونشينيه»، وهي صحيفة واسعة الانتشار وتعد مصدرا للنميمة السياسية في فرنسا. متاعب «الرئيس» بعيدا عن تطلع الرئيس الفرنسي السابق إلى حياة جديدة، للتخلص من رتابة «تقاعده»، بدأت المتاعب القضائية تلاحق ساركوزي بعد أن رفعت عنه الحصانة، حيث رفعت جمعية لمكافحة الفساد شكوى بتهمة المحسوبية واختلاس أموال عامة خلال إجراء استطلاعات للرئاسة الفرنسية، تستهدف بشكل غير مباشر الرئيس السابق، كما أفاد محاميه. وقال جيروم كارسانتي إن الشكوى التي رفعتها جمعية أنتيكور ضد مجهول تستهدف خصوصا الرئيس السابق والشركات التي أبرمت عقودا مع الرئاسة وخصوصا شركة «يبوبليفاكت» لمستشاره باتريك بويسون. وكانت الجمعية نفسها رفعت شكوى أولى في 2010، لكن محكمة الاستئناف في باريس جمدت التحقيق بسبب الحصانة الجنائية لرئيس الدولة. وفي الشكوى الجديدة توسع الجمعية المخالفات التي توردها وخصوصا اختلاس أموال عامة وتستند إلى وثائق من فواتير وعقود، جمعها الناشط في حماية البيئة ريمون إفريلييه. وتفيد الشكوى أنه «تبين عند قراءة استطلاعات الرأي التي أجريت أن بعضها ينبع من المصالح الخاصة أو الحزبية لنيكولا ساركوزي ومنصبه. وتشكل هذه الوقائع جنحة اختلاس أموال عامة».