محمد بلوش أتذكر لقائي الأخير بالمخرج الراحل محمد مرنيش، رفقة الصديق السيناريست عبد الله المناني، في يوليوز الأخير، بكل حرقة، خاصة أن علامات التعب والصدمة من «الحصار» الذي ضُرب على مشاريعه المقدَّمة لصندوق الدعم، التابع للمركز السينمائي، وعدم توصله بمستحقات برامج من إنتاجه سبق لقناة «تمازيغت» أن بثتها كانتا تضيفان إلى معاناته من داء السكري بشكل حوّل تقاسيم وجه الرجل من ذلك الإنسان المرح والحيويّ إلى وجه شاحب، يعبّر عن كل معاني الألم والمعاناة... في جلستنا الأخيرة، كان بيننا حوار حول طريقة تعامل بعض أعضاء لجنة الدعم مع السيناريو الذي تقدّمَ به للحصول على الدعم، ولعل ما لن أنساه، مهما حييت، تلك الأسئلة التي كان يطرحها مذيع أخبار الفرنسية في القناة الأولى سابقا، الممثل علي حسن بالخصوص، كاستغرابه عدمَ تضمّن الحوار جملا بالعربية، مستغربا أن تعيش شخصيات المشروع الفيلمي وسط بيئة أمازيغية منغلقة، وهو سؤال ندعو السيد علي إلى طرحه بالمقلوب على عشرات الأفلام السينمائية التي أنتِجت في المغرب بالدارجة العربية دون حضور لحوار أو شخصيات أمازيغية وحسانية.. الجانب الذي يثبت هشاشة مقاييس رفض دعم بعض المشاريع وغموضها، بل وحيفها المطلق، إن شئنا التعبير دون بالمباشر الصريح... لقد مات محمد مرنيش وفي حلقه غصة، لأنه سيتضح له أثناء الإنجاز أن الفيلمين السينمائيين اللذين أنتجهما، مستفيدا من بعض الدعم، يفرضان عليه البحث عن موارد إضافية لتغطية عدم كفاية قيمة ذلك الدعم «الهزيل»، وهنا بدأت حكايات بيع عقار والسيارة والاستدانة، أحيانا.. وما تحيلنا عليه مأساة الراحل محمد مرنيش، في باب «الحصار» العام المفروض على الفيلم السينمائي الأمازيغي، هو تلك المأساة التي عجّلت في وقت سابق، برحيل المخرج العملاق محمد الركاب.. اختلفت السنوات وتوحدت الطريقة... نحتفظ للراحل مرنيش في الذاكرة بالحسّ النضالي الفردي الذي تميز به في إطار ريبرتوار الفيلم الأمازيغي، فهو المنتج الوحيد -في علمي- الذي كان يتقبل إنتاج أفلام لمخرجين جدد، دون التدخل في جزئيات وتفاصيل عملهم.. كما كان المخرجَ الأمازيغيّ الأول الذي قام بإخراج ثلاثة أفلام قصيرة لنيل بطاقة مخرج حسب المرسوم المعتمد، بل ورغم هامش التحايل الذي استلذه الكثيرون، فإن التاريخ يسجل للرجل تصوير فيلم «تمازيرت أوفلا» بالسيلولويد -مقاس 35 ملم، بدل التصوير بالفيديو والتحويل إلى السيلولويد بعد ذلك.. وهي العملية التي جنى منها مخرجون كثر غنائم مادية، رغم أنها تعطي، في الغالب، منتوجا ضعيفَ الجودة... في السنوات الأخيرة، كان صديقي الراحل محمد مرنيش يفكر في إخراج أعمال بالعربية الفصحى، وفي هذا الباب أذكر أنه استشارني في مشروع فيلم يعالج قضية معاناة المختطفين سابقا في مخيمات تندوف، قبل إخراج ربيع الجوهري فيلمَه الوثائقي المعروف حول «مكلومي تندوف».. فكان الخيط الرئيسي الذي فكر مرنيش في الاعتماد عليه هو شهادة سائق حافلة اختطف جل ركابها في أوائل الثمانينيات، لكن جانب التوثيق والاستعانة بأرشيفات الإعلام الوطني وكذا بشهادات ضحايا متعددين خلق نوعا من تأجيل التنفيذ، رغم أن الراحل مرنيش كان يثني، دوما، على باحث وأديب من كلميم أبدى استعداده للمساهمة في العمل قدْر الإمكان.. لقد قدّم الراحل مرنيش الكثير للفيلم الأمازيغي، ونظن أن تكريمه في الدورة الثالثة من مهرجان «تايوغت» في إنزكان سيظل إحدى ذكرياتنا الجميلة معه، وكم كانت سعادته بالغة وهو يحس بوجود من قدّروا نضاله من أجل الفيلم الأمازيغي، تلك السعادة التي دمّرها صندوق الدعم السينمائي بحصاره غير المفهوم، المفروض على كل ما هو أمازيغيّ، رغم استبشارنا خيرا بروح الدستور الجديد، الذي يبدو تنزيل بنوده مهددا بجيوب مقاومة... رحم الله مخرجنا الراحل محمد مرنيش، الذي غادرنا إلى دار البقاء في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة، 28 ستنبر 2012، وتعازينا إلى أبنائه وأحفاده وكافة أسرته الكبيرة والصغيرة، فقد فقدنا بوفاته مناضلا حقيقيا، ظل حريصا على تجاهل متاعب المغامرة، كما فقدنا برحيله منتجا قدّم الكثير للفيلم الأمازيغيّ.. ناقد سينمائي