أطر التدبير الإداري بالوزارة تصعّد وتطالب بإنصاف مالي وتعويض عن المخاطر    المغرب ينتزع جائزة "باتريوت" بروسيا.. وتتويج دولي غير مسبوق لمنصة الشباب المغربية    "اَلْمَعْقُولْ".. مَطْلَبُ الْمَغَارِبَةِ الْمُؤَجَّلُ !    النفط يتجه لمزيد من الارتفاع وسط قلق بشأن الإمدادات    البنك الإفريقي للتنمية يمنح 150 مليون أورو للمغرب لتمويل مشاريع التنمية الترابية    إطلاق ميزة البث المباشر من غوغل عند الطوارئ عبر أندرويد    مركز حقوق الإنسان بأمريكا الشمالية يدق ناقوس الخطر في اليوم العالمي لحقوق الإنسان    قبل مواجهة سوريا.. رئيس اللجنة المنظمة لكأس العرب يزور مقر بعثة المنتخب المغربي    كأس إفريقيا للأمم (المغرب 2025).. الكرة "إيتري" أو النجمة التي تحتفي بالتراث المغربي العريق وتضيء سماء إفريقيا    رحلة الحلم مستمرة..المغرب يواجه نسور قاسيون لإنهاء مهمّة العبور إلى المربع الذهبي    تساقطات مهمة بعدة مدن مغربية    انتعاش النقل عبر التطبيقات يخيّم على استعداد الطاكسيات لل"كان" بالمغرب    انطلاق فعاليات الدورة الرابعة عشرة للجامعة السينمائية بمكناس    تتويج الذهبي بجائزة "الأثر الإنساني"    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    تقرير: السياسات الفلاحية بالمغرب تستنزف الماء وتهمل الأمن الغذائي وتهمش الفلاحين الصغار    عندما يصبح الصحافي موظفاً حكومياً: أين تنتهي المهنة وتبدأ البروباغاندا؟    "فاجعة فاس".. مجلس حقوق الإنسان يشدد على التطبيق الصارم لقانون التعمير    بنسعيد: المناصفة ليست مجرد مطلب حقوقي بل خيار استراتيجي وضرورة تنموية    بورصة البيضاء تفتتح التداولات بانخفاض    هذا الزوال بقطر: ربع نهائي ملغوم بين المغرب وسوريا..    جامعة "الأخوين" تدعم التحول الرقمي    فاجعة فاس.. فدرالية اليسار تحمل "الفساد" مسؤولية الانهيار    بمناسبة اليوم العالمي للتطوع..المغرب يكرّم المبادرات المحلية والوطنية ومغاربة العالم    المجلس الإداري لأكاديمية سوس ماسة يقر برنامج عمل وميزانية 2026    حركة حماس تعرض "تجميد" استخدام سلاحها مقابل هدنة طويلة الأمد في غزة    البرد القارس يقتل رضيعة جنوب غزة    البيضاء : معرض خمسون يحتفي بأعمال 50 فنانا    شباب "جيل زد" يحتجون في الدار البيضاء للمطالبة بالإصلاح وإطلاق سراح المعتقلين            أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس        تراجع استخدام اليافعين الألمان لمنصات التواصل الاجتماعي خلال 2025    نادي بيراميدز يطلب استعادة وليد الكرتي قبل مباراة سوريا    غزة.. تنظيم حملة "شتاء دافئ" لفائدة نازحين فلسطينيين بتمويل مغربي    أمريكا تطلق تأشيرة "ترامب الذهبية" لجلب أموال الأثرياء الراغبين في بطاقة الإقامة    مارسيل خليفة يوجه رسالة شكر إلى المغرب والمغاربة    كيوسك الخميس | النقل الذكي: الرباط نحو مرحلة جديدة بمشروع كوري مبتكر    وفاة طفل إثر سقوطه في مسبح فيلا بطنجة    الثلوج تغطي الطريق في "آيت تمليل"    "ميتا" تمنح مستخدمي "إنستغرام" أدوات تحكم جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي    دوري الأبطال .. مانشستر سيتي يهزم ريال مدريد في عقر داره    حماس المغاربة يرتفع في كأس العرب    اليونيسكو يصادق على تسجيل القفطان تراث مغربي على قائمته التمثيلية    الكاف يوقع اتفاقا مع ONCF لنقل الجماهير ورعاية الكان    اليونسكو تُتوّج المغرب: إدراج "القفطان المغربي" تراثاً إنسانياً عالمياً اعترافاً برؤية جلالة الملك وحفظ الهوية    ادراج القفطان المغربي ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي لليونسكو    برنامج "Art's Factory" يعود لدعم الإبداع الرقمي    حوار مع شاب مصاب بالهيموفيليا: رحلة معاناة لا تعترف بها القوانين    ضعف حاسة الشم قد يكون مؤشرا مبكرا على أمراض خطيرة    دراسة تكشف فوائد الذهاب للنوم في التوقيت نفسه كل ليلة    علاج تجريبي يزفّ بشرى لمرضى سرطان الدم        الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلطة والمجتمع في المغرب
نشر في المساء يوم 11 - 09 - 2012

علينا الإقرار بالحقيقة: لم يأخذ الربيع العربي في المغرب الزخم نفسه الذي اتسم به في دول أخرى، ولا كان بالدرجة نفسها من الجذرية. لا يبرر ذلك ادعاء وجود «استثناء مغربي»، أو مجتمع «فريد» يتمتع في صميمه بمناعة ضد أي حركة احتجاج جذرية؛ فهذه الأخيرة كانت حقيقية في المغرب، مثلما هي الحال في بقية الدول العربية، وهي حملت في صلبها العلامات
الثابتة عن التغييرات الآتية، وهي صنيعة الجيل الشاب بالدرجة الأولى. وبهذا المعنى، فهي كشفت للنخب السياسية المغربية مدى شيخوختها. والأهم من كل ذلك أن هذه الحركة الاحتجاجية تشكل، من خلال شعاراتها، قطيعةً مع المطالب التي رُفعَت في الماضي؛ فهي المرة الأولى التي يتمّ فيها وضع المَلَكية نفسها موضع نقاش، إضافة إلى طرح السجال العام حول إحدى أسس المَلَكية التي ظلت تُعتبر غير قابلة للمسّ، أي قداسة الذات الملكيّة. وهذا تغيير عميق حقا، ومؤشر على نموذج جديد هو حصيلة لتطور المجتمع المغربي.
الذي يبدو، من هذه الزاوية، مشتركا مع الساحة العربية وإن تفاوتت الإيقاعات.
والمحرِّك الأساسي في هذا السياق هو تثبيت مكانة الفرد في المجتمع، وذلك بفعل ظهور أشكال جديدة من التنظيم الاجتماعي تقع الأسرة النواتية في صلبها، وبفضل ارتفاع نسبة التعليم عند الشباب التي تسهّل اكتساب هذه البُنى لشرعيتها في الأذهان. لقد أصبح الفرد فاعلا اجتماعيا مركزيا. وهذا المعطى البنيوي يفرض نفسه بقوة، ويفسر التعبير الجريء لدى الحركة الاحتجاجية للمواطنين.
غير أن السؤال يبقى مطروحا حول الأثر الفوري الضئيل الذي تمتعت به «حركة 20 فبراير» الاحتجاجية في المغرب. بالتأكيد، أظهرت السلطة المركزية ذكاء كبيرا من خلال اعتماد مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى تعطيل تصاعد المطالب المطروحة. ويندرج في هذا السياق الإصلاح الدستوري وتقاسم السلطات، وإن بشكل غير متوازن، بين رئيس الحكومة والملك. من المؤكد أيضا أن القمع لم يكن فجا في المغرب مقارنة بدول أخرى كتونس وليبيا.. كانت درجة تكميم الأفواه أدنى من أمكنة أخرى، كما أن الوجود الأمني كان أقل وضوحا، والأهم أن السلطة كانت قادرة على التباهي بتقدم ملحوظ على أصعدة حقوق الانسان والمرأة. وقد أُتبعت خطوة الإفراج عن السجناء السياسيين بمحاولة مصالحة لم تقتصر على نقاش مفتوح حول «سنوات الرصاص» فحسب، بل تخللها أيضا تعويض مالي للمعتقلين السابقين. كما أن «المدوَّنة» الجديدة (قانون الأسرة في المغرب)، حتى وإن لم تقلب وضع المرأة جذريا، فإنها سمحت بتحسين وضعها من خلال إصلاحات مسّت آلية الطلاق ووفرت حماية لبعض حقوقها.
قد تكون هناك أسباب أخرى أكثر عمقا مما سبق لتفسير ضآلة الأثر الفوري للحركة الاحتجاجية وبطئها وميوعتها، لعل منها أن المجتمع المغربي تشكيل اجتماعي تتمفصل فيه أنماط الإنتاج بطريقة سلمية سلسة، بدون تصادم بينها، وبلا تناقضات متفجرة من شأنها التسبب في اجتثاث الأشكال الاجتماعية التقليدية. في هذه الحالة، يبدو التشكيل البدائي القديم طويل العمر. وبالنظر إليه من هذه الزاوية، يظهر المجتمع المغربي مركبا، جامعا في طياته التقليد والحداثة، بدون أن يكون هذا الخليط عرضة للانفجار. لقد تطور هذا المجتمع منذ القرن التاسع عشر بلا انقطاعات جذرية. ولم يكن التغيير داخليا وذاتيا في بداياته. كان التغلغل التجاري الأوربي هو ما أنتج دينامية توسعية في الميدان الاقتصادي، وفرت ملامح استقلال ذاتي له عن الحيّز السياسي. هكذا حصل الانتقال من المجتمع القبلي إلى المجتمع الحديث بدون تدخل لدينامية داخلية وثورية.
بعدها، أرسى الاستعمار دولة وجدها مترنحة، وهو حافظ عليها بأشكالها التقليدية حتى لا يتسبب في اضطراب في النظام الاجتماعي. ووفق المنطق نفسه، حاول عدم المسّ بالنسيج الثقافي للمجتمع. وهي احتياطات اتخذها الاستعمار بهدف التحكم في التغيير الاجتماعي وإفراغه من محتواه الثوري عبر تجميده ثقافيا، ولو أن وجوده وفعله أنبتا البذور الأولى الهادمة للنظام القائم. ومع الاستقلال، تسارعت وتيرة التغيير العميق. وكان الانفجار السكاني العامل الأول الذي دفع نحو انهيار البنى القبلية العاجزة عن احتواء فيضان مماثل، في حين لم تكن الزراعة منتجة إلى درجة كافية لتغذية هذا الفائض السكاني الكبير؛ فقد قفز معدل النمو السكاني من 0.6 في المائة طوال النصف الأول من القرن العشرين إلى 3.3 في المائة بين عامي 1952 و1960. وحافظ على وتيرة 2.6 في المائة حتى 1994. كما حرم تمركز الملكية الخاصة وتقلص مساحات الأراضي المشاع المشتركة التي كانت سائدة قبل الدخول الاستعماري، التنظيم الاجتماعي من الشروط المادية الضرورية لاستمراره. وقد أدّى وضع الملاك الكبار أيديهم على أفضل الأراضي الزراعية المرويّة إلى تقليص ملكية الفلاحين بشدة، وتفتيتها، وحصر معظمها في قطاع الزراعة شبه القاحلة والبعلية أو التي تعتمد على الأمطار؛ فكان النزوح اضطراريا بالنسبة إلى جزء كبير من السكان الريفيين، حيث استقروا في المدن. وكان من شأن هذه المعطيات الجديدة، التي أدت إلى تخبط البنى الزراعية، أن تضاعفت تأثيراتها بفعل هيمنة القطاع النقدي على الاقتصاد المغربي.
مؤرّخ وأستاذ السوسيولوجيا الاقتصادية في جامعة محمد الخامس/الرباط


محمد الناجي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.