سؤال بات تقليديا ولكنه ما انفك يعود ليظل عالقا دون جواب مقنع حول الآفاق المستقبلية للاتحاد المغاربي، وهو الذي حمل إعلانه، في 17 فبراير 1989، الكثير من الأحلام والآمال بأنّ المنطقة المغاربية باتت على وشك تغيير جذري في واقعها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي. أمامنا اليوم في الدول المغاربية أسئلة جديدة ومتغيّرات جديدة، فهي تواجه مجموعة من التحديات السياسية والاقتصادية التي تدعو إلى تجنب المآزق والأزمات المعطلة لمشاريعها في الإصلاح والتنمية. إن أكبر التحديات يكمن في عدم قدرة الاقتصاديات المحلية على توفير فرص عمل كافية للشباب، مما يزيد معدلات البطالة التي تتفاوت بين 12 و22 في المائة، وهي من أعلى النسب في مجموع منطقة الشرق الأوسط، وارتفاع معدلات الفقر، إذ يقدر عدد الفقراء بنحو 18 في المائة من مجموع السكان. ومن المفارقات الملفتة للانتباه أن الأقطار المغاربية تلتقي تحت مظلة منظومة الحوض الغربي للبحر المتوسط «5 + 5»، وتنضوي تحت لواء الحلف الأطلسي في توجهاتها الأمنية، إلا أنها تعجز عن اللقاء تحت سقف المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة. وهكذا، يبدو أن البلدان المغاربية ستذهب إلى الوحدة. وإذا لم تختر هذا الطريق بإرادتها، فإن القوى الدولية الكبرى ستدفعها إليه، إذ إن الإدارة الأمريكية بدأت العمل في هذا الاتجاه بفرض تعاون في محاربة الإرهاب؛ أما أوربا فتريد للمغرب العربي أن يتوجه نحو حد أدنى من الوحدة ليضمن نوعا من الازدهار، وهو الطريق الوحيد الذي سيدفع المهاجرين الأفارقة إلى البقاء في الدول المغاربية بدل العبور إلى أوربا. طبعا، لا يهتم الأمريكيون والأوربيون كثيرا بصيغ التكامل السياسي ولا بالنواحي الثقافية في مسار الاتحاد المغاربي، خصوصا بعد الشلل الذي أصاب كل المؤسسات المغاربية منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي، وإنما يهمهم في الدرجة الأولى وضع بلدان المنطقة على سكة تشكيل منطقة جمركية وتجارية موحدة تتيح للشركات الأمريكية والأوربية التعاطي مع سوق مندمجة قوامها ما يقرب من 82 مليون مستهلك. غير أن تلك الأجندة الغربية تتقاطع مع تطلعات النخب السياسية والفكرية المغاربية، وتمهد الطريق لتكامل ينهي الوهن الحالي ويرسي أحد مقومات التحديث. والمفارقة القائمة هنا، أنه فيما أخفق الاتحاد المغاربي في تحقيق الحد الأدنى من النجاح في مساره طيلة السنوات الماضية، يلاحظ أن بعض دوله نجحت في تنفيذ اتفاقات شراكة اقتصادية مع أطراف ودول وتجمعات خارجية لإقامة مناطق تجارة حرة مع الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، وكما هو الحال في اتفاق «أكادير» التجاري، الذي يتعلق بأربع دول هي: المغرب وتونس والأردن ومصر، ترتبط كلها باتفاق شراكة مع الاتحاد الأوربي، وتسعى معا إلى خفض الرسوم الجمركية تدريجيا على كل السلع والمنتجات في دول المنشأ، وصولا إلى إلغائها كاملة قبل العمل بالمنطقة التجارية الحرة الأورو - متوسطية في العام الحالي 2012. إن ما يبعث على الأمل أن أكثر الإكراهات تحديا يفرض النزوع إلى معاودة تفعيل البناء المغاربي، إذ يبدو أن عامل التهديدات الأمنية يمكن أن يشكل دافعا إلى تحريك البناء المغاربي. إلا أن كسب الرهان مرهون بإيجاد أرضية اقتصادية وتجارية مشتركة، بعيدة عن المؤثرات السياسية المباشرة، تجسد شبكة من المنافع والمصالح الاقتصادية المتبادلة بينها، تمهد الطريق أمامها لتحقيق التكامل المنشود، الذي لن يحقق لكل دولة منها المزيد من القوة والمنافع فحسب، بل سيكون سبيلها إلى البقاء والوجود في عالم تتحكم فيه التكتلات والتجمعات الاقتصادية العملاقة. فلم يعد معقولا ولا مقبولا، ونحن نشاهد ما يجري في العالم من تغيرات، أن نواصل التعامل مع قضايانا التاريخية وإشكالاتنا السياسية بالطرق التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم؛ فهل يُعقل ألا تقيم النخب السياسية المغاربية، خاصة في الجزائر والمغرب، اليوم تمييزا بين شروط نشأة وتطور أزمة الصحراء في لحظات تشكلها، وبين مآلها الراهن في علاقاته بالمتغيرات الجارية، سواء في المغرب الكبير أو في العالم؟ إن سقوط جدار برلين المغاربي هو شرط بناء علاقة مغايرة مع أوربا، لأن توحيد المجتمعات حول مشروع جامع، يرمي إلى تكريس المشاركة السياسية واجتراح النهوض الحضاري، هو الكفيل بتحقيق الاندماج الإقليمي بعيدا عن تقلبات الأمزجة والقرارات الفردية. ولن تنتهي هذه المفارقة التاريخية سوى بنهوض المجتمعات المدنية تدريجيا واكتساب الحكام الشرعية المستمدة من صناديق الاقتراع. ومن المؤكد أن المشروع المغاربي لا يتحقق بالضرورة دفعة واحدة وبجميع الأعضاء، إذ يمكن التفكير في إنشاء اتحاد جمركي ثنائي أو ثلاثي في مرحلة أولى، إذا ما كانت الظروف ناضجة لذلك. وإذا لم يتم البدء بإيقاد شمعة أو اثنتين فلن يبقى أمام المغاربيين سوى لعن الظلام أو الانتظار حتى مجيء حل سحري من الخارج قد يأتي أو لا يأتي. إن اتحادا مغاربيا فاعلا يمكنه أن يحقق للمنطقة مكانة دولية أعظم على الصعيد الدولي، ويحقق استقرارا سياسيا واقتصاديا ناجحا وقويا.