كما اكتشفنا، من خلال الدورية التي تنظم عمليات البناء في محيط القصور والإقامات الملكية، فالطريق إلى جوار الملك ليس سهلا.. الأمر مرتبط بحساسية مؤسسة القصر، أو بالأحرى، بحرمتها، على حد تعبير الدورية التي أطلعناكم على ما ورد فيها. في المقابل، لم تشر الدورية إلى حلقات ظلت مفقودة. ماذا يحدث داخل الكتابة الخاصة للملك عندما تحال عليها ملفات طلب الحصول على تراخيص إنجاز مشاريع سكنية قرب القصور والإقامات الملكية؟ وهل هناك جهات أخرى تتدخل لتحديد من سيكونون جيرانا للملك؟.. قبل الموافقة هذه التفاصيل لا يمكن أن ترد في قانون أو دورية، فهي اختصاص للقصر. وما دامت كذلك فهي محاطة بسرّية بالغة. بفضل مصادرنا، تمكّنا من الحصول على بعض هذه التفاصيل. كشفت مصادر «المساء» معلومة مهمة: قليلة هي الملفات التي تُرفَض أثناء عرضها على الكتابة الخاصة للملك. تكون هذه الملفات القليلة المرفوضة مستوفية الشروط القانونية والضوابط التعميرية المشار إليها في الدورية. ويرجح أن يكون الرفض عندها بسبب معلومات شخصية بشأن الراغب في البناء، معلومات شخصية تجمع بناء على تقارير استخباراتية دقيقة تُدرَس بعناية. الكتابة الخاصة للملك هي الجهاز الذي يُنسّق مع جهات عدة بشأن تدبير أمور قصور وإقامات ملكية. ضمن التدبير تدخل إجراءات بناء قصور أو إقامات ملكية. كشفت مصادر «المساء» أن عملية بناء هذه القصور أو الدور الملكية أو الأميرية حكر على القصر الملكي. لا تتدخل في ذلك الجهات الموكول إليها، وفق مواثيق التعمير، في التخطيط والترخيص. فالقصر، عبر كتابته الخاصة ومديرية أمن القصور والإقامات الملكية، هو الذي يحدد موقع بناء القصر أو الإقامة، وهو الذي يقوم بدراسة التصاميم وإنجازها. ولا تمر كل هذه الإجراءات عبر أي مؤسسة أو لجنة أخرى. وينطبق الأمر نفسه على مؤسسات أخرى حساسة، ضمنها منازل ولاة وعمال. تتكلف الكتابة الخاصة، إذن، بالتخطيط لعمليات بناء القصور، وفق معطيات تمدها بها مصالح ترابية، بينما تتكفل مديرية أمن القصور بالتنسيق مع أجهزة أمنية لضبط أمن الإقامات قبل وبعد بنائها. تشمل هذه الأجهزة مديرية مراقبة التراب الوطني «دي إس تي» والدرك الملكي، والحرس البحري, عندما يتعلق الأمر بإقامات وقصور شاطئية. تحدد الدورية التي أشرنا إليها، إذن، محيط القصور والبنايات التي تقام فيه، أما بناء القصور في حد ذاته فليس هناك قانون يحدده. ويسري الأمر على القصور والإقامات الخاصة بملوك ورؤساء دول في المغرب, على غرار قصور الأمراء الخليجيين وقادة الدول الغربية الذين يتخذون إقامات لهم في المغرب. بعد توصل الكتابة الخاصة للملك بملفات بناء قرب القصور والإقامات الملكية تخضعها لدراسة دقيقة، يحضر فيها الهاجس الأمني. ويُختار جيران الملك بعناية. وتتدخل مديرية أمن القصور هنا التنسق مع الأجهزة الأمنية الاستخباراتية قصد موافاتها بالسجل الكامل للأشخاص الذين سيقطنون بجوار هذه القصور. وتحسم هذه التقارير الأمنية، بشكل كبير، في أمر موافقة الكتابة الخاصة على ملفات البناء في محيط القصور. تشمل ملاحظات الكتابة الخاصة، أيضا، تفاصيل دقيقة في المشاريع السكنية المزمع بناؤها قرب القصور الملكية. تستند هذه التفاصيل إلى التصاميم الهندسية للمشاريع، حيث يتم النظر في علو هذه الإقامات وفي ما إذا كانت ستطل مباشرة على القصر بشكل ينكشف معه داخله للرائي. كما تشمل التفاصيل مكان وجود بوابات هذه البنايات المعتزم الترخيص لها، إذ يتم الحرص على ألا تكون الأبواب، في حال ما إذا كانت المسافة قريبة نوعا ما بين القصر أو الإقامة الملكية والبناية التي يعتزم تشييدها، مطلة على القصر، ويتم فرض إطلالها على جهة أخرى. المراقبة المستمرة.. تعقب بناءَ التجزئات والمساكن في محيط القصر انطلاق مرحلة أخرى، وهي المراقبة. تتكثف هذه المراقبة أساسا في محيط القصور والإقامات التي يتردد عليها الملك باستمرار، ويشرف عليها أمن القصور، بتنسيق مع ال«دي إس تي»، فضلا على مصالح الشؤون العامة ومراقبة التعمير في العمالات والأقاليم التي توجد فيها هذه الإقامات، إلى جانب الدرك الملكي. تترصد المراقبة كل كبيرة وصغيرة، من خلال مراقبة أشغال الإصلاح، التي تتم داخل بنايات بجوار القصور والإقامات الملكية، كما يمنع تثبيت أجهزة لا سلكية في أسطح المباني المحاذية للقصور وتُفرَض حراسة على الطرق والممرات المحيطة بالقصور والإقامات الملكية، من قوات الحرس الملكي والدرك الملكي، وأحيانا، تتم الاستعانة بقوات من الجيش. عندما يكون الملك، أو أحد الأمراء والأميرات، نازلا في أحد القصور أو الإقامات، تشرف مديرية أمن القصور والإقامات الملكية والأميرية على الترتيبات الأمنية الخاصة بالإقامة. تتمّ الترتيبات بتنسيق مع الأمن الخاص بالملك أو بالأمراء، وبتنسيق مع الدرك الملكي. ضمن أمن القصور، تعمل ضابطات شرطة يتم تكوينهن بشكل دقيق في مراكز أمنية في المغرب والخارج. يسهر هؤلاء كلهم على ضبط أمن القصور والإقامات خلال وجود الملك والأمراء فيها، أما في حال لم يكونوا فيها فإن الدرك الملكي والأمن الوطني والأجهزة الاستخباراتية تشرف عليها. وينطبق الأمر ذاته على قصور الملوك والرؤساء الأجانب في المغرب. ورغم هذا الحرص المكثف على ضبط محيط القصور والإقامات، فإن تجاوزات تقع. هذه التجاوزات نرصدها، بشكل موثق، في المحور الثالث من هذا الملف، من خلال صور أقمار اصطناعية تكشف بنايات «مشبوهة» بنيت إلى جوار قصور.