حينما يصل موكب أحد الأمراء العرب القادمين من تلك البلدان البعيدة إلى أكادير تنتفض المدينة، وتعلن حالة طوارئ وتدق الأجراس معلنة قدوم ضيوف البلاد «الكرماء». كانت المدينة هادئة، شمس ونسمات وإيقاع بطيء لحاضرة تستلقي بين الجبل والبحر وسكان هادئون، طيبون وخجولون. إلى أن قدموا، لتنقلب المدينة رأسا على عقب، وتمتلئ فجأة بوجوه غريبة ولهجات مختلفة، وتختفي الموسيقى المحلية والوطنية لتسمع أغان في كل مكان بإيقاع الخيول والجمال وبصوت مطربين رمت بهم الأقدار للغناء بالملاهي والأرصفة، فتسمع مندهشا أغاني وطنية لأشقائنا القادمين من بعيد، وقد لا تصدق ما ترى وما تسمع، فالمدينة تتغير في لمح البصر لأن موكب الأمير يصل بمرافقين كثر، يغزون كل مرافق أكادير، وبمجرد أن يصل صدى وصولهم إلى المملكة تفتح المدينة ذراعيها لاحتضان زائرات من نوع خاص، فتيات مغربيات بمظهر خليجي، شعرهن أسود فاحم، وعيونهن بمساحيق سوداء داكنة ولباسهن شبه العاري، ووجوههن متعبة رغم أحمر الشفاه والخدود، فأن تزين وجها ذابلا كأن تلمع حذاء رثا، قديما مشققا وممزقا. لكن تبدو المدينةسعيدة بوصول الموكب، شرطة في كل مكان، أصوات أجراس السيارات والطرق المكتظة، فتيات على الرصيف، على الطريق، بجانب المطاعم، داخل الملاهي، أمام أبواب الفنادق.. في كل مكان. فالموكب قد وصل، ولابد من خدمة من سيدفع الثمن. كنت أجول بناظري وأنا أرد أحيانا على تحايا هؤلاء الزائرات، لألمح صورا حقيقية تتراءى بجلاء «لمرافقة الأجانب» في أكثر صورها إثارة وغموضا، لأتذكر ذاك «الدركي النحيف» الذي كتبت عنه الأسبوع الماضي والذي حاول أن يفسد يوم عطلتي الوحيد بأن اتهمني وأنا رفقة مخرج الفيلم الذي ألعب بطولته ومدير التصوير الفرنسيين قريبا من شاطئ تغازوت «بمرافقة الأجانب» لمجرد أن رآنا جالسين فوق الصخور نشرب ماء معدنيا خالصا ونتحدث عن السينما.. وأفتح قوسا لأؤكد أنه كان دركيا «جدارمي» وليس جمركيا كما عنونت مقالتي، لقد أخطأت وهذا ليس فيه أي انتقاص من رجال الجمارك لسبب بسيط وهو أن ما كتبته لا يخص الشرفاء من رجال الجمارك ولا الدرك ولا الأمن، وبالتالي فالنبلاء منهم لا ينتظرون اعتذاري ولا يعنيهم أبدا. كنت أتأمل المدينة ترقص بحماس، وتستقبل منتشية ضيوفا بلا مأوى، يحتلون شوارعها ويطمسون هويتها ويغيرون كل ملامحها.. حتى رائحتها.. كل شيء، لغتها، موسيقاها، أطباقها. إنه فعلا لأمر مدهش، لكن حينما يصبح المدهش عاديا لا تفاجؤوا إن زرتم أكادير وصادفتم «موكب الأمير»، فإنكم لم تخطئوا الطريق. هي من أخطأ.