تسربت مرارة ثقيلة إلى تفكيري مذ كتبت مقالة عن «الطرف الخامس»، حيث وصفتُ بإسهاب العضو الجنسي الذكري وأشرت إلى رمزيته ومركزية دوره في حياة الرجال.. وبَنتْ هذه المرارة سدّا من الندم عندما شعرت أنني تسببت في إذاية شخص واحد، كيف ملكت الجرأة على إذايته؟.. والخالق البارئ كرّم الإنسان، كيفما كان جنسه أو لونه أو أصله. اليوم، لا يسعني إلا أن أطلب منه أن يسامحني ويعفو عن كل أذية كانت مقالتي وراءها دون قصد مني.. سأستعير له من الأسماء «فريد»، فريد فَقَدَ عضوه التناسلي بالكامل لمّا كان طفلا صغيرا، بالكاد ينطق بأولى كلماته، بفعل بتر بمقص جراحي أثناء عملية ختانه، التي قام بها أحد الممرضين المتقاعدين. فريد! تذكرتك اليوم، لما زرتني في المستوصف وأنت ابن خمس سنين، رفقة والدتك، المطلقة، وكنتَ وحيدَها، لأفحصك وأراقب العملية التقويمية التي خضعت لها في فتحة التبول، حتى لا تنغلق، واكتشفت تحت تُبّانك، الأزرق المخطط بالأحمر، تفاصيل -ما تزال طرية في خَلدي- عن عُدّتك التناسلية، التي تشبه خصيتين صغيرتين تتوسطهما في الأعلى فتحة التبول على شكل وردة مقلوبة إلى الداخل.. أصابتني حالة من الكآبة والأسف والألم، لم أبرأ منها حتى الآن. أتذكرك وأتساءل كيف أصبحت وعمرك اليوم يتجاوز الواحدة والعشرين؟! وتأتيني الإجابات متناثرة، في أفق لا نهاية له.. كيف اكتشفت عاهتك؟ كيف عشت بها؟ كيف مرت طفولتك ومراهقتك وشبابك؟ هل عشت «عقدة أوديب» و»عقدة الإخصاء»؟ ماذا عن أحلامك وخيالاتك وذكورتك ورجولتك؟ هل تعرف معنى الجنس والذروة والرعشة؟ هل اكتشفت الأنثى والحب والعشق؟ متى بدأت تحس بفورة الهرمونات الذكورية، وهي تهزك من أعماقك وتستفز كل خلية حية من جسدك، فتوقظ فيك مارد الجنس، النزق؟ هل تجرؤ على الذهاب إلى الحمام؟ هل اكتشفت يوما أن الرجال يتبولون واقفين؟ هل سبق أن ذهبت للاصطياف على الشواطئ؟ هل وقفت يوما أمام المرآة عاريا؟ كم مرة تمنيت أن تُقطع يدك أو رجلك أو تُفقأ عينك عوض بتر قضيبك؟!.. فأن تعيش أكتعَ أو أعرج أو أعورَ أرحمُ من ألا تعرف نفسك من تكون: رجل أم امرأة أم خنثى أم كائن آخر لا يُصنّف؟!.. هل فكرت في الانتقام، العلاج، الثأر، الموت، الزواج، الانتحار، الاختفاء، الاندثار، الانفجار؟.. أستعرض شريط حياتك، يا فريد، فأجد أن الموت فقد عندك هيبته وغموضه وجلاله ورهبته وفقدت الحياة بريقها وزهرتها وسحرها وحلوها ومرها، لأن في وجدانك البقاء والفناء سيان، فقد استوى عندك اسم أحمد وهند وفلانة وعلان.. ما أقسى أن تعيش موؤودا تحت جلدك، مدفونا في ثيابك، وفي بيتك ومجتمعك، في صمت رهيب، وحيدا فريدا.. لا تيأس! فاليأس في ديننا كفر وجحود، رحمة ربك أوسع وأعظم، فهو الكبير الجليل القدير، هناك بصيص من الأمل يلمع من بعيد.. أنا على استعداد لاستقبالك ومناقشة الموضوع معك، ليس المجال هنا للتفصيل فيه.. ولا تفوتني المناسبة دون تفسير منبع المشكلة، حتى لا تتكرر في حالات أخرى.. فللختان مضاعفات كثيرة ومخاطر متنوعة، إذا لم يتم تحت إشراف طبي محض، من أهمها: 1 - النزيف: تقدر نسبة حدوث النزيف ب2 % من حالات الختان، فغُلفة القضيب عضو كثير الشرايين يؤدي قطعها إلى نزول دم، وفي حالة عدم التنبه إلى النزيف فقد يؤدي إلى الوفاة، وكثيرا ما يصاب الصبي بحالة صدمة من النزيف، كما أن بعض الأطفال المصابين بمرض سيلان الدم، وهو مرض وراثي، يكونون عرضة لنزيف يصعب التحكم فيه. 2 - الالتهابات وتعفن الجرح: يجعل قطع الغلفة الجرح عرضة للتلوث بالبول والبراز، مما قد يسبب التهابا وتقيحا في غياب أدوية معقمة، فالجرح قد يؤدي إلى الإصابة بعدوى، مثل التيتانوس والغنغرينا ومرض السحايا وتسمم الدم والتهاب العظام. 3 - باسور الإحليل والمبال الفوقاني: قد تُحدث عملية ختان -من قِبَل عديمي الخبرة- فتحة جانبية في مجرى البول، يطلق عليها باسور الإحليل، وهذا ينتج بسبب من الخاتن خلال عملية قطع الغلفة، فيثقب القضيب.. وقد يثبت طرف الآلة داخل مجرى البول، وعند إغلاقها، تسحق الجزء الأعلى لمجرى البول، مما ينتج عنه فتحة في أعلى الحشفة تسمى «المبال الفوقاني». 4 - ضيق الغلفة: حتى إن كان الختان علاجا لضيق الغلفة، فإنه في بعض الأحيان يتسبب فيه، إذا لم تُكشف الحشفة بشكل كاف. ولعلاج هذه الحالة، لا بد من إعادة عملية الختان. 5 - إحتباس البول: قد يحدث بسبب لف قضيب الطفل بضماد بعد الختان لوقف النزيف، ومن أعراضه: صياح الطفل وتألمه وامتناعه عن الرضاعة، وقد يتطور الأمر، في أقصى الحالات، إلى قصور كلوي. 6 - موت الحشفة أو تشويهها: يحدث أن تُجرح الحشفة أو تُقصّ كاملة، بسبب عدم خبرة الخاتن، فيصاب القضيب بتشوه دائم، تصاحبه مشاكل جنسية كبيرة مدى الحياة. 7 - بتر القضيب: حدث خطير ونادر جدا، سواء بضربة مقص غير محسوبة أو باستعمال الكي الكهربائي لإيقاف نزيف الدم بعد إجراء الختان. 8 - مخاطر التخدير: عندما يتم الختان بتخدير عام، قد تكون له آثار لا يمكن تجاهلها في أي عملية جراحية، ففي حالات نادرة، قد يؤدي إلى الوفاة، ويقول بعض الأطباء إن خطر التخدير أكبر عند الأطفال منه عند البالغين، ولو تم تخدير كل الأطفال لكان هذا سببا في حدوث وفيات أكثر بين الاطفال مما هو الحال عليه بدونه. الحمد لله الذي عافانا من كارثة ختان الإناث، وإلا كان الأمر أخطر مما يُتخيَّل.. أطفالنا أمانة ثقيلة بين أيدينا، لنتريث مليا قبل الإقدام على ختانهم، فالختان هي عملية جراحية تتطلب طبيبا خبيرا ومكونا، ولنفعل مثل الخياط الذي يفكر مائة مرة قبل أن يقص قطعة قماشه.. «ألفْ تْخميمة وتْخميمة ولا ضْرْبة بالمْقصّ»!.. [email protected]