لم يتوقف الدارسون في تفكيك واقعة 11 سبتمبر 2001، واعتبروا أن هذا الحدث قلب المفاهيم وأثر على العالم، بل هناك من تحدث عن عالم قبل 11 سبتمبر وعالم ما بعد 11 سبتمبر، فهذا الحدث كما قيل أبان عن ضعف الولاياتالمتحدةالأمريكية في الدفاع عن نفسها وفي عقر دارها، غير أنه كذلك أبان هذا الحدث عن رغبة الولاياتالمتحدةالأمريكية في ضرب دول العالم الخارجة عن سياستها أو كما يسميها الأمريكان محور الشر وكذلك رغبتها في هيكلة الخريطة الدولية لتتم وفق مصالحها. وحين كان العالم مشدوها أمام حدة أحداث 11 سبتمبر 2001 إضافة إلى الطريقة التي قدم بها الإعلام الدولي كلا من جورج بوش والولاياتالمتحدةالأمريكية كضحايا اللاعقلانية والإرهاب، فإن القليل فقط هم من تساءلوا حول مدى مسؤولية الولاياتالمتحدةالأمريكية المباشرة في وقوع هذا الحدث، وكيفما كان الحال ولملامسة فهم هذا الحدث لابد من الرجوع إلى التاريخ، خاصة وأنني أعتقد أن ذكرى 11 سبتمبر هي ذكرى سطت عليها الولاياتالمتحدةالأمريكية ظلما وعدوانا، نظرا لأن هناك شعبا كانت له هذه الذكرى من أعز ذكرياته وكانوا يسمونها ذكرى الصمود والتضحية. ففي 11 سبتمبر 1973 قتل الزعيم الديمقراطي الوطني الشيلي السلفادور اللندي على يد طغمة عسكرية يقودها الجنرال أكوستو بينوشي الذي عين في 23 غشت من نفس السنة قائدا للأركان العامة للجيش الشيلي بعد استقالة الجنرال كارلوس براتس، وفي هذا التاريخ أي 11 سبتمبر حين كان القصر الرئاسي (المسمى لامونيدا) مطوقا من طرف الانقلابيين وكانت الطائرات العسكرية تقصفه من السماء وفيلق الدبابات يقصفه من الأرض، قام الرئيس السلفادور اللندي بإلقاء خطابه الشهير الذي دعا فيه الشعب إلى النضال من أجل الديمقراطية والصمود في وجه الانقلابيين والفاشيين، وفعلا خرج الشعب إلى الشوارع لكن ردة فعل الجيش العنيفة أدت إلى مقتل الكثيرين، وظل نهر عاصمة الشيلي لمدة أيام تطفو عليه الجثث، واعتقل المواطنون وعذبوا في مخافر الشرطة وثكنات الجيش وحتى الملاعب الرياضية، وكان الجميع يعرف أن وراء أكوستو بينوشي تقف الولاياتالمتحدةالأمريكية من خلال وزير خارجيتها هنري كيسنجر ورئيسها ريتشارد نيكسون، وقد دعموا الانقلاب وأوعزوا إلى أكوستو بينوشي القيام به من أجل حماية مصالحهم المتمثلة في شركة النحاس الموجودة التي كانت تستغل المناجم بالشيلي. وهكذا عاش الشعب الشيلي 30 سنة تحت نظام ديكتاتوري لا يرحم نتج عنه حوالي 22790 مختطفا وقتيلا و150000 معتقل و27255 من تعرضوا للتعذيب، وظلت الولاياتالمتحدةالأمريكية تدعم الجنرال أكوستو بينوشي وتحميه إلى سنة 1999 نتيجة التحولات التي عرفها العالم ونضالات الشعب الشيلي، حيث عرفت الشيلي انتخابات ديمقراطية انتهت بنهاية الديكتاتورية. ومقارنة بين الحدثين اللذين يجمعهما تاريخ واحد 11 سبتمبر 1973 و11 سبتمبر2001 فالأمريكان صنعوا الجنرال أكوستو بينوشي والأمريكان صنعوا أسامة بلادن، وكلا الشخصيتين صنعتا بدعوى محاربة الشيوعية، غير أن ما لم يفهمه الأمريكان أن 11 سبتمبر 1973 هي التي خلقت 11 سبتمبر 2001، فإجهاض الانقلابات للتجارب الديمقراطية في العالم ومنها الشيلي تلتها انقلابات في أمريكا اللاتينية وإفريقيا، وضربت ثقافة الديمقراطية في العمق مقابل دعم الحركات الدينية المتطرفة والقوى غير الديمقراطية تحت شعار ضد الإلحاد ودفاعا عن الدين، حيث نتجت عن كل ذلك ثقافة التشدد الذي نتج عنه الإرهاب. فالأمور مرتبطة، وما حرثته أمريكا مع أكوستو بينوشي في 11 سبتمبر 1973 حصدته مع بن لادن في 11 سبتمبر2001، وهنا أذكر أن بين الشخصين أكوستو بينوشي وأسامة بلادن ميزة مشتركة، فكلاهما يدعي تدينه الشديد، فأكوستو بينوشي كان لا يتخلف عن القداس وبلادن يدعي أنه لا يتخلف عن الصلاة، ونفس الكلام يقال عن تدين زعيم من كان ضحية 11 سبتمبر 2001. لذلك إذا كان للعالم دموع كان عليه أن يبكيها على السلفادور اللندي والشعب الشيلي وعلى الديمقراطية التي هي حق مقدس للشعوب، ويبكيها على أولئك الأبرياء الذين توجهوا إلى عملهم صباح ذلك اليوم أي 11 سبتمبر 2001 إلى نيويورك أو الذين ركبوا الطائرات أطفالا وشيوخا ونساء وعزلا، ذنبهم الوحيد أنهم أمريكان أو تواجدوا في مكان وزمان سيئ، أما الأنظمة فلا تستحق الرثاء، ويبدو أن الأمريكان لم يعوا الدرس جيدا، فذاكرتهم ضعيفة ويكررون الخطأ في الخليج إذا لم أقل في دول أخرى. ويبقى السؤال: أليس من حقنا أن نحتفل مع الديمقراطيين في العالم بذكرى رجل عظيم مثل السلفادور اللندي وألا تحجب عنا ذكرى 11 سبتمبر 2001 صمود ذلك الشعب وذلك الزعيم في الشيلي، ومن حقنا آنذاك أن نقول لتحيى ذكرى 11 سبتمبر 1973. أو نحتفل بالاثنين ونقول إنه من مسؤولية جميع الديمقراطيين في العالم أن لا تتكرر مثل هذه المآسي لأن موقفنا السلبي من السياسة الأمريكية في العالم، لا يجب أن يمنعنا من أن نكون موضوعيين وديمقراطيين.