بعد قرار جماعة العدل والإحسان الانسحاب من حركة شباب 20 فبراير، ليلة 18 دجنبر الجاري، تناسلت التساؤلات حول أسباب هذا القرار وسياقاته، وكانت العديد من التساؤلات تنصب حول مآل العلاقة بين هذه الجماعة وحكومة حزب العدالة والتنمية، وهنا لا نريد الرجوع للحديث عن أسباب هذا القرار، بقدر ما نريد الإشارة إلى بعض خلفياته. تتعلق الخلفية الأولى باختبار ما قيل عن سقوط الفزاعة الإسلامية، بالإعلان عن تصدر حزب العدالة والتنمية نتائج الاستحقاقات التشريعية الأخيرة، حيث يفترض أن يفضي فوزه وتكليفه بتشكيل الحكومة إلى إسقاط ما كان يسمى بالفزاعة الإسلامية، خاصة أن الحزب عانى إسلاميوه الكثير من الإقصاء جراء التوظيفات المبالغ فيها لهذه الفزاعة، قبل أن يسمح لهم سنة 1996 بالالتحاق بحزب الدكتور الخطيب، إذ كان هناك نوع من التخويف منهم، مما دفع قياداته خلال ثمانينيات القرن الماضي إلى توجيه رسائل إلى الديوان الملكي ووزارة الداخلية، يشرحون من خلالها مواقفهم من المؤسسة الملكية وحرصهم على الاندماج في الحياة السياسية والحفاظ على الاستقرار. ثم إن هؤلاء الإسلاميين، حتى بعد التحاقهم بحزب الدكتور الخطيب ومشاركتهم في الاستحقاقات التشريعية والجماعية، ظلوا مستهدفين من قبل العديد من القوى السياسية النافذة في دائرة اتخاذ القرار، التي سعت إلى تحجيم دور حزب العدالة والتنمية والحيلولة دون وصوله إلى قيادة الحكومة أو المشاركة فيها. يفترض، إذن، بعد تكليف حزب العدالة والتنمية بقيادة الحكومة، أن يتم تدشين مسار جديد يتسم بالقطع مع سياسة الإقصاء وعدم السماح بتوظيف أية فزاعة أخرى لتبرير هذه السياسة، خاصة أن هناك من هو مهووس بصناعة الفزاعات. غير أن الحديث عن إسقاط الفزاعة الإسلامية لا ينبغي أن يختزل في التطبيع مع حزب العدالة والتنمية، بل ينبغي أن يطال القوى الإسلامية الأخرى، التي عانت طويلا من صانعي الفزاعات، فنحن الآن أمام مشهد سيواجه فيه حزب العدالة والتنمية، وهو يقود الحكومة، كثيراً من التحديات في علاقته مع القوى الإسلامية الأخرى، وعلى رأسها جماعة العدل والإحسان. تتجلى الخلفية الثانية في التداعيات السلبية لتصريحات رئيس الحكومة الجديدة تجاه جماعة العدل والإحسان، التي تؤسس لفزاعة إسلامية جديدة. فتصريحات عبد الإله بنكيران تبدو غريبة بعض الشيء في حق الجماعة، فهو يطالبها بالعمل من داخل النظام السياسي بدل العمل من خارجه، ويدعوها إلى المشاركة في الحياة السياسية، لكن يبدو بنكيران كما لو أنه يعيد إنتاج خطاب القوى الاستئصالية، التي كانت ولا زالت تعتبر جماعة العدل والإحسان حركة متطرفة. فاعتبار الجماعة تعمل من خارج النظام يفيد بكونها جماعة راديكالية، في حين أن الكثير من الوقائع لا تشير إلى ذلك، وهذا الاتهام هو نفسه الذي عانى منه بنكيران وإخوانه عندما كانوا في الجماعة الإسلامية. إن دعوة رئيس الحكومة الجديدة لجماعة العدل والإحسان إلى الانخراط في العمل السياسي يقفز على معطى حقيقي، وهو أن قرار الترخيص للجماعة بتشكيل حزب سياسي هو قرار بيد السلطة وليس بيد الجماعة، وبنكيران يدرك جيدا بأنه منذ الثمانينيات وهو يعلن عن رغبته في العمل السياسي بشكل ديمقراطي. وعلى الرغم من ذلك، لم يرخص له، وعندما أقدمت حركة الإصلاح والتجديد على تأسيس حزب سياسي باسم «التجديد الوطني»، رفضت السلطات الترخيص له أيضا، وظل بنكيران وإخوانه يبحثون عن وسائل وآليات للعمل، إلى أن قبلوا في نهاية المطاف بالالتحاق بحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية للدكتور الخطيب، في إطار ضمانات يعرفها الكل. لكن الآن عندما يطالب بنكيران الجماعة بالعمل من داخل النظام والانخراط في الحياة السياسية، يتناسى بأن الجماعة ما فتئت تطالب السلطات بالترخيص لها لتشكيل حزب سياسي، وكان آخر نداء وجهه الناطق الرسمي باسم الجماعة، يطالب فيه السلطات بهذا الترخيص قبيل اقتراع 25 نونبر الماضي. تتمثل الخلفية الثالثة في رفض تيسير رغبة كثير من القوى، ومن بينها الحكومة الجديدة، في الالتفاف على الحركة الاحتجاجية متجسدة أساسا في حركة شباب 20 فبراير، ذلك أنه لا يمكن عزل وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة وليس السلطة في سياق هذا الربيع العربي، الذي أوصل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية إلى السلطة، سواء في تونس، من خلال حزب النهضة، أو في مصر التي يتضح أن حزب الحرية والعدالة يشق طريقه نحو قيادة حكومتها. وهنا ينبغي أن نضع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة في هذا السياق، أي الرغبة في احتواء تداعيات الربيع العربي، كما أن هناك من يرى بأن المهمة الأساسية الآن لحزب العدالة والتنمية هي احتواء حركة 20 فبراير، لأن هذه الحركة يعتقد أن نواتها الأصلية هي جماعة العدل والإحسان، وأن القوى الأخرى المساندة تظل هامشية مقارنة بقوة الجماعة، والأكيد أن حكومة حزب العدالة والتنمية لها تصور بهذا الخصوص، يتمثل في كون احتواء حركة 20 فبراير يبدأ بإيجاد حل لقضية جماعة العدل والإحسان، وأن المدخل هو التطبيع مع الجماعة بالسماح لها بتشكيل حزب سياسي، والذي من شأنه أن يفرغ حركة شباب 20 فبراير من عناصر قوتها. غير أن الحكومة الجديدة تدرك بأن قرار التطبيع يتجاوزها، وبسبب عدم تيسير مهمة الحكومة الجديدة في الالتفاف على الحركة الاحتجاجية، تفضل جماعة العدل والإحسان ألا تربط قضيتها بقضية حركة شباب 20 فبراير، كما ترفض إجراء أية مقارنة بين سياقات فوز حزب العدالة والتنمية وفوز حزب حركة النهضة في تونس أو فوز حزب الحرية والعدالة في مصر، لذلك لم تتردد الجماعة في اعتبار حزب العدالة والتنمية حزبا مجسدا للإسلام المخزني، الذي لا يعمل إلا على إضفاء المشروعية على الاستبداد. إن بعض عناصر اللعبة قد تغيرت، والتغيير الذي طال عناصر اللعبة يمكن أن يعيد النظر في بعض قواعدها. الآن يلاحظ الجميع أن حزب العدالة والتنمية وصل إلى الحكومة، وأن الحسابات السياسية تدفع أصحاب القرار في المغرب إلى ابتكار حلول جديدة في التعامل مع قضايا القوى الإسلامية في البلاد، وفي مقدمتها جماعة العدل والإحسان. وهنا علينا استحضار معطى أساسي، هو أن ذلك التحفظ الغربي، بشكل عام، وتحفظ الولاياتالمتحدةالأمريكية، بشكل خاص، على مشاركة الإسلاميين في الحكم قد رفع، وأن العديد من الغربيين لا ينظرون إلى جماعة العدل والإحسان كجماعة متطرفة أو راديكالية، ولكن كجماعة يمكنها أن تساهم في استقرار النظام السياسي، إضافة إلى ذلك، فالرغبة في التطبيع مع الجماعة محكومة بحسابات أخرى، من بينها تخوف من أن يفضي أي إخفاق في أداء هذه الحكومة إلى تعزيز الرصيد السياسي لجماعة العدل والإحسان.