كان مفاجأة للكثيرين ذلك الاجتماع الذي انعقد يوما واحدا بعد عيد الفطر بين أسماء بارزة في المشهد الإعلامي المغربي، وعلى رأسهم فيصل العرايشي، الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، والمدير الجديد للقناة الثانية، وأعضاء بارزون من الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا)، بالإضافة إلى سميرة سطايل، مديرة الأخبار في الدوزيم، وممثلون عن المجتمع المدني. الموضوع الرئيسي للاجتماع كان هو الانحدار الكبير للتلفزيون المغربي بقناتيه الأولى والثانية، وأيضا الوضعية الكارثية التي وصلت إليها قناة ميدي1 سات. فيصل العرايشي بدا منزعجا جدا من برامج رمضان الماضي، وطالب بمحاسبة الذين أساؤوا إلى المغاربة في السلسلات الكوميدية التي كانت تبث بعد الإفطار، غير أن عضوا بارزا من الهاكا رد على العرايشي بحدة وقال له إنه هو المسؤول عن كل ذلك، وطالبه بالاعتذار علنا للمغاربة مباشرة على شاشة التلفزيون، وهو ما قبله العرايشي بصدر رحب ويرتقب أن يتم بعد بضعة أيام. أحد المجتمعين، حمل مسؤولي القناة الثانية مسؤولية الاستهتار بالمشاعر الدينية للمغاربة في رمضان، وذلك عبر بث إعلان لامرأة شبه عارية مباشرة بعد آذان المغرب، وهو ما اعترف به مدير الدوزيم قائلا: كانت غلطة لن تتكرر. لم نكن ندرك أن ذلك الإعلان سيثير استياء الناس في رمضان، وهو ما أثار موجة من الضحك في الاجتماع. الاجتماع الذي حضره ممثلون عن المجتمع المدني، بينهم قياديون من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، عرف نقاشات حادة تتعلق بطرق صرف المال العام من أجل إنتاجات تلفزيونية هزيلة. وطالبت الهيئتان الحقوقيتان بالكشف عن كل الصفقات التلفزيونية المشبوهة، وحرمان الخياري وفهيد ومطاع وآخرين من العمل التلفزيوني لمدة عشر سنوات بتهمة إهانة المقدسات المتمثلة في ذكاء المغاربة، وإلحاقهما بالصحافي علي المرابط الممنوع من ممارسة الصحافة في المغرب لعشر سنوات. الخياري وفهيد، اللذين كانا حاضرين في الاجتماع كمتهمين، بدا عليهما تأثر واضح وخرجا من القاعة شبه باكيين، وهما يمسكان بيدي بعضهما بينما الخياري يردد: لقْ.. لقْ.. لقْ.. هاد الشي ماشي معقول... مالْنا؟ ولّينا مجرمين؟ وتقول مصادر حضرت الاجتماع إن الجمعيات الحقوقية هددت بمتابعة المسؤولين عن التلفزيون المغربي، بقناتيه الأولى والثانية والقنوات الأخرى، أمام محكمة دولية بتهمة تبذير المال العام، وحرمان الشعب المغربي من موارد كان من الأجدر أن تصرف في التعليم ومحاربة الأمية والفقر وتحسين الخدمات الصحية. ويضيف المصدر أن فيصل العرايشي اعترف بأنه لولا الضرائب التي يؤديها المغاربة لما استطاعت القناتان الأولى والثانية الاستمرار يوما واحدا. وتضيف نفس المصادر أن القاضي الإسباني بالتثار غارثون، الذي سبق أن لاحق عددا من سياسيي العالم الثالث بتهمة القمع والإبادة الجماعية، صرح لصحيفة «إيل باييس»بأنه من الممكن ملاحقة المسؤولين عن القطاع الإعلامي في المغرب، بمن فيهم وزير الاتصال ومسؤولو القناتين الأولى والثانية، بتهمة ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية ضد المال العام في بلد فقير ويحتل مرتبة جد متدنية في سلم التنمية العالمي. وفي الوقت الذي يرتقب أن يقدم فيه فيصل العرايشي استقالته قريبا، سيتم إلحاق الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون بهيئة خاصة تشرف عليها في انتظار ثورة إعلامية شاملة في المغرب. ولم تستبعد مصادر مطلعة أن يتم الإعلان عن تشكيل لجنة عليا لإعادة تأهيل القطاع الإعلامي المغربي. كما يرتقب أن تتحول قناة ميدي1 سات، التي كانت على حافة الإفلاس قبل أن تنقذها صناديق اتصالات المغرب، إلى قناة إخبارية دولية تستقطب أفضل الصحافيين داخل المغرب وخارجه، وستتميز بجرأة غير مسبوقة ودرجة كبيرة من الاحترافية، وهو ما سيجعل المغرب على قدم المساواة مع بلدان عربية أخرى مثل قطر، التي احتضنت قناة «الجزيرة»، أو السعودية التي تحتضن وتموّل قناة «العربية». معذرة.. الذين قرؤوا كل هذا واعتقدوا أنه حقيقة يجب أن يفرغوا فورا سطل ماء بارد على رؤوسهم. كان حلما فقط، والأحداث متخيلة. كيف صدقتم أن المغرب يمكن أن يحدث فيه هذا؟ المغرب أجمل بلد في العالم لأن لا شيء يحدث فيه على الإطلاق، والمال العام يرمى في الهواء كما ترمى الشهب النارية. معذرة مرة أخرى. يا له من حلم غريب.