محمد أحداد لم ينتظر الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، الشيخ محمد بيد الله، طويلا ليعلن عن قرار حزبه الاصطفاف في صف المعارضة بعيد ساعات قليلة فقط عن إعلان وزير الداخلية، مولاي الطيب الشرقاوي، عن النتائج النهائية لأول استحقاقات تشريعية بعد إقرار الدستور الجديد. رسالة الشيخ بيد الله كانت واضحة لا تحتمل تأويلا كثيرا، فخصمه اللدود، حزب العدالة والتنمية، الذي خاض ضده حربا طويلة، استطاع أن يكسب ثقة المواطن المغربي ويتبوأ، بذلك، المرتبة الأولى بعدد مقاعد جعلت صلاح الدين مزوار، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، يهنئ عبد الإله بنكيران ولو على مضض، خاصة أن زعيم «حزب الجنرالات» لم يكن يتوقع أن يحصد إخوان «الخطيب» حوالي ربع مقاعد مجلس النواب. بدوره، لم يتأخر بنكيران في رد التحية لغريمه الشيخ بيد الله.إذ قال: «سنتحالف مع الكل إلا حزبا واحدا وتعرفونه جميعا، وهو حزب الأصالة والمعاصرة». بمثل هذا الكلام قطع رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران الطريق أمام أي تحالف يمكن أن يجمعه بحزب «البام». بطبيعة الحال، لن يكون بنكيران بحاجة إلى مسوغات كثيرة لتبرير مثل هذا الموقف، خاصة أن حزبه كان قد اعتبر قبل الانتخابات التحالف مع «جرار الهمة» خطا أحمر بحكم الحروب الكلامية التي دارت بينهما على صفحات الجرائد وخلال اللقاءات الجماهيرية، والتي وصلت إلى حد استعمال أسلوب السب والقذف. «البام» سارع إلى ترجمة تصريحات أمينه العام عبر إصدار بيان عمم على الصحافة أكد فيه بما لا يدع مجالا للشك أنه سيتموقع في المعارضة ويتشبث ب«التحالف من أجل الديمقراطية»، وأنه سيضطلع بدوره الدستوري والسياسي كاملا خدمة لقضايا الوطن والمواطن وللبناء الديموقراطي. وأعلن الحزب بشكل صريح عن تشبثه ب«التحالف من أجل الديمقراطية، أرضية وبرنامجا»، وأكد عزمه على مواصلة العمل مع حلفائه «لتقوية بناء هذا الإطار، ودعم مكانته وسط المواطنين، والمساهمة في الارتقاء بأدائه داخل المؤسسات ولدى الرأي العام، بما يعزز التنزيل الديمقراطي الحداثي للدستور وترجمة المبادئ والتوجهات التي أعلنها». ويبدو هذا القرار، استنادا إلى صلاح الوديع، الناطق الرسمي باسم الحزب، «خيارا طبيعيا للحزب مادام حزب الأصالة والمعاصرة يتوفر على مشروع مجتمعي يتناقض تماما مع المشروع الذي يتبناه حزب العدالة والتنمية، فموقف حزبنا واضح جدا فيما يرتبط بتوظيف الدين في السياسة». وأضاف في اتصال هاتفي مع «المساء» قائلا: «نحن حزب يحترم مبادئه وقناعاته ويحترم نفسه ولا يمكن بالبت والمطلق أن يدفع باتجاه التحالف مع أحزاب لا تؤمن بالرؤية الحداثية لتطوير المجمتع المغربي». ويستطرد الوديع قائلا: «إن موقف حزبه بشأن المشاركة هو موقف بناء بدليل أن الدستور الجديد بوأ المعارضة مكانة كبيرة، ولذلك لن نتوانى من جانبنا في بناء دولة المؤسسات وتحصين المكتسبات التي حصل عليها الشعب المغربي في الإصلاح الدستوري الجديد. أما عن موقعنا في التحالف من أجل الديمقراطية، فلن نتراجع عنه وسنحاول تقويته لأننا أعلنا منذ البداية أنه تحالف استراتيجي وليس تحالفا انتخابيا كما يروج له البعض». حزب التجمع الوطني للأحرار المتفاجئ باكتساح العدالة والتنمية لصناديق الاقتراع، وهو الذي كان يعول أن يكون أمينه العام رئيسا للحكومة الثلاثين في تاريخ مغرب ما بعد الاستقلال، أعلن انضمامه إلى المعارضة أثناء انعقاد اجتماع مكتبه التنفيذي الأخير بعدما حصل حزب العدالة والتنمية على الأغلبية الساحقة في عدد المقاعد البرلمانية برسم الانتخابات التشريعية التي جرت الجمعة الماضي. وقال المعطي بنقدور، عضو المكتب التنفيذي لحزب الأحرار، في تصريح كان قد أدلى به ل«المساء»، إن اجتماع أعضاء المكتب التنفيذي كان هو «التوجه العام للخروج إلى المعارضة»، رغم النتائج التي حققها الحزب على الصعيد الوطني ب52 مقعدا انتخابيا. وفي رده على سؤال ل«المساء» حول طموح بعض أعضاء المكتب التنفيذي للاستمرار في المشاركة الحكومية، أوضح بنقدور أن هناك شبه إجماع من قبل أعضاء المكتب التنفيذي على الخروج إلى المعارضة في المرحلة المقبلة. وأكد بنقدور أن حزب التجمع الوطني للأحرار سيصطف إلى جانب رفاقه في التحالف الثماني، الذي يضم حزب الأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والأحزاب الصغيرة التي لم تستطيع الحصول على مقاعد انتخابية، ويتعلق الأمر بحزب النهضة والفضيلة واليسار المغربي الأخضر والحزب الاشتراكي والحزب العمالي. في نفس السياق، لم تتوان نعيمة فرح، القيادية في حزب التجمع الوطني للأحرار، عن الدفاع عن قرار الاصطفاف في صف المعارضة، معتبرة أن «القرار اتخذ لإيماننا بأن البرنامج الذي تعهدنا به أمام المواطنين المغاربة لا يمكن أن يتلاءم مع البرنامج الذي أعلنه حزب العدالة والتنمية». أما عن الدعوات التي أطلقتها بعض الأصوات من داخل حزب الأحرار بغاية المشاركة في الحكومة ضدا على قرار المكتب التنفيدي، فقالت فرح إنه «على هؤلاء الامتثال إلى القواعد الديمقراطية التي زكت بالإجماع خيار المعارضة من دون التشويش على مسار الحزب، وبطبيعة الحال، نحن لسنا حزبا نسعى وراء المقاعد البرلمانية ولسنا حزبا انتهازيا يجري وراء منافع ضيقة». لاشك إذن أن حكومة بنكيران ستكون أمام معارضة قوية، خاصة من لدن غريمه السياسي حزب «البام» بالنظر إلى العلاقة المتوترة التي سادت بينهما، ولأن الدستور الجديد أفرد نصوصا للمعارضة واعتبرها «مكونا أساسيا في كل من مجلس النواب والمستشارين وتشارك في وظيفتي التشريع والمراقبة»، ودعاها الدستور إلى «المساهمة في العمل البرلماني بكيفية فعالة وبناءة»، وسيتم تحديد «كيفيات ممارسة فرق المعارضة لهذه الحقوق، حسب الحالة، بموجب قوانين تنظيمية أو قوانين أو بمقتضى النظام الداخلي لكل مجلس من مجلسي البرلمان».