اجتماع ‬اللجنة ‬الوزارية ‬لقيادة ‬إصلاح ‬منظومة ‬الحماية ‬الاجتماعية    دي ‬ميستورا ‬بالجزائر ‬قبل ‬التوجه ‬الى ‬باريس ‬بحثا ‬عن ‬مواقف ‬متقاطعة ‬    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    لماذا ‬رحبت ‬قمة ‬الدوحة ‬بقرار :‬    تصنيف الفيفا: المنتخب المغربي يرتقي في ترتيب شهر شتنبر    توقيف السوردي لمباراتين وباسلام لثلاث مباريات بعد الأخطاء التحكيمية التي شهدتها مباراة الجيش الملكي والرجاء الرياضي    عمر العباس .. مرشح العصبة الجهوية لكرة القدم بالشمال    الجديدة تحتضن ندوة حول الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني    أبواب الملحقة الجامعية بمنطقة تاوريرت موصدة إلى إشعار آخر..    هذا ما يجب أن ينتبه له آباء تلاميذ المستوى التحضيري    العزيز: إقصاء فيدرالية اليسار من مشاورات الانتخابات يهدد نزاهة الاستحقاقات    تقرير: الفقر المطلق يتضاعف في المدن رغم احتفاظ القرى بثلث فقراء المغرب    النفط يتراجع وسط مخاوف بشأن الاقتصاد الأمريكي وتخمة المعروض    بوسليم يقود مواجهة الوداد واتحاد يعقوب المنصور    زلزال بقوة 5.4 درجات يضرب شمال جزيرة "سولاويزي" الإندونيسية    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يرفع مذكرة مفصلة حول مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة        الولايات المتحدة.. ترامب يعلن تصنيف حركة "أنتيفا" اليسارية المتطرفة منظمة إرهابية    حجز أزيد من 76 ألف قرص مهلوس بميناء الناظور وتوقيف خمسيني متورط    طقس الخميس: أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات    كيوسك الخميس | عدد المستفيدين من التأمين الإجباري عن المرض تجاوز 24 مليونا    محققة أممية تشبّه غزة برواندا وتتهم إسرائيل بارتكاب إبادة في غزة وإسبانيا تفتح تحقيقاً قضائياً في الانتهاكات    ارتفاع نفقات سيارات الدولة يثير تساؤلات حول أولويات الإنفاق العمومي    هيئة مدنية: وفيات الرضع والأطفال دون الخامسة ما زالت مرتفعة بالمغرب تتجاوز المعدلات العربية والأوروبية    مصادر: ميسي يمدد العقد مع ميامي    أكثر من 200 مليون دراجة هوائية في الصين            الشابي: التعادل منطقي.. وسانتوس: كنا الأفضل    تخصيص أراضٍ جنوب المملكة لمشاريع الهيدروجين الأخضر بقيمة 319 مليار درهم    حرب الإبادة مستمرة | قصف مستشفيات وتفجير مدرعات مفخخة.. ونزوح جماعي نحو المجهول كأنه يوم القيامة    مراكش تعزز أسطولها ب158 حافلة صينية استعداداً ل"كان 2025"    تقرير: الأحزاب المغربية تفقد ثقة 91.5 في المائة من المغاربة وتُتهم بجعل المال والولاء طريقا للترقي داخلها    عمدة بينالمدينا الإسبانية يكرم شخصية مغربية تقديراً لنجاح مبادرات ثقافية    تاريخ جديد .. إسحاق ناظر يتوج بذهبية 1500 متر في بطولة العالم لألعاب القوى بطوكيو    بورصة الدار البيضاء تغلق تداولات الأربعاء بانخفاض المؤشرات    ميناء المضيق يحقق ارتفاعا قياسيا في مفرغات الصيد        "حزب الكتاب" ينتقد أداء المستشفيات    الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    آلام الرقبة قد ترجع إلى اختلال وظيفي في المضغ    مهرجان الظاهرة الغيوانية في دورته الثالثة بالدار البيضاء    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": مخرجات القمة العربية الإسلامية شجعت إسرائيل على مواصلة العدوان    الموسيقى المغربية تتألق في حفل "أصوات من الديار" بواشنطن    هوليوود تودع أسطورة السينما روبرت ريدفورد عن عمر يناهز 89 عاما    التوفيق يكشف حصيلة تأهيل المساجد المتضررة من زلزال الحوز    "حين سقط القمر" رواية جديدة للكاتب والأديب المغربي محمد بوفتاس        قهيوة مسائية بطنجة رفقة الفنان فؤاد الزبادي    ألمانيا تقلق من فيروس "شيكونغونيا" في إيطاليا    إيران تؤكد إعدام "جاسوس لإسرائيل"    خبير: قيادة المقاتلات تمثل أخطر مهنة في العالم    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    نور فيلالي تطل على جمهورها بأول كليب «يكذب، يهرب»    التغذية المدرسية.. بين إكراهات الإعداد المنزلي وتكاليف المطعمة    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الإعلام المغربي بين التعريب والتغريب»
نشر في المساء يوم 26 - 10 - 2011

المتصفح لتاريخ المجموعات البشرية المختلفة، والمتتبع لطرق تكوينها وتطور نظام حياتها المجتمعي وكيفية تواصلها واستمرار نمط عيشها، سيتوصل حتما إلى نتائج واقعية، من أهمها ما يدل على أنه توجد محفورة في ذاكرة كل أمة من أمم الأرض هوية ذاتية مستقلة به ومقومات وثوابت وطنية مقدسة، لا تحيد عنها وتستميت في الذود عنها، بما في ذلك تشبثها بلغتها الوطنية،
وذلك على اعتبار أن اللغة الوطنية هي قطب الرحى الذي تدور حوله جميع مكونات ثقافة الأمة وحضارتها، وأن الذود عنها والمحافظة عليها يعتبر واجبا وطنيا.
وانسجاما مع هذه المسلمات وتأكيدا لمدى التشبث بمبادئ ورموز الهوية الوطنية المغربية، بما في ذلك اللغة الوطنية، درجت مختلف الدساتير المغربية المتعاقبة، والتي هي أسمى تعبير عن إرادة الأمة على النص على اعتبار اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، وآخرها الدستور المغربي الحالي لسنة 2011 الذي نص في الفصل الخامس منه على الآتي: «تظل العربية اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها. تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء... إلخ». كما نص الفصل السادس منها على ما يلي: «تعتبر دستورية القواعد القانونية وتراتبيتها ووجوب نشرها مبادئ ملزمة»، أي أن هذه المبادئ ملزمة للدولة والأفراد، وأن كل مخالفة لها تعتبر خرقا للقواعد الدستورية وباطلة، وكأن لم تكن.
غير أنه في ميدان التطبيق على أرض الواقع وفي تناقض واضح، يلاحظ أن واقع الإعلام المغربي الرسمي، السمعي البصري بالخصوص، يسبح ضد التيار، حيث يسير في الكثير من برامجه في غير اتجاه المنطق الوطني والطبيعي وفي غير احترام، في الغالب، لما تقتضيه النصوص الدستورية في هذا المجال، وفي غير اتجاه رياح التغيير من عهد الحماية المفرنس إلى عهد الاستقلال المفترض أن يكون معربا وأمازيغيا، ذلك أن الأمور إلى حد الساعة في الإعلام السمعي البصري تسير في اتجاه نشر ثقافة تغريب المجتمع عن واقعه اللغوي العربي والأمازيغي، حيث يلاحظ ذلك بالسمع والمشاهدة على مختلف الأصعدة، ومن ذلك:
- أولا: تغليب تقديم بعض المسلسلات الأجنبية، التافهة والماجنة، على حساب الفن المغربي الأصيل والجاد؛
- ثانيا: على صعيد عروض مشبوهة لبعض المسرحيات المغربية تختلط في حواراتها اللهجة المغربية الدارجة ببعض الكلمات -وأحيانا الجمل- بالفرنسية، إلى درجة عجز المشاهد العادي، وحتى المثقف، عن فهم معناها بسبب هذا الخلط العجيب؛
- ثالثا: نقل العديد من السهرات الغنائية التي يغلب عليها، إلا في ما ندر، الطابع الإباحي بلسان أجنبي؛
- رابعا: تقديم النشرات الإخبارية والأنشطة الحكومية في الغالب الأعم، وفي أوقات المشاهدة العادية والمتاحة بغير اللغات الوطنية، في حين يقدم نظيرها بالعربية في أوقات متأخرة من الليل. الأغرب من ذلك أن يتحدث المسؤول الحكومي بالعربية لبيان أو شرح أمر يهم المشاهد المغربي، فيما يعمد المذيع إلى طمس العربية وتعويضها بترجمتها إلى الفرنسية، مما يضيع على المشاهد معرفة المقصود من الخطاب؛
- خامسا: يحدث أحيانا أن يخاطب المذيع المراسل بالعربية عند نقل هذا الأخير لأحداث قد تكون هامة ويجيبه المراسل باللغة الفرنسية ويلاحظ وقوع هذا كثيرا في المحطات الإذاعية السمعية.
كل هذا مع العلم بأن المشاهدين والمستمعين المغاربة هم من يمولون هذه القنوات، في حين من المفترض أن جلهم، وخصوصا في البوادي، لا يفقه غير لغته الوطنية، بل يفترض أنه حتى القلة المفرنسة ثقافيا، بحكم الانتماء إلى بلدها، تتفهم لغتها الأصلية ولا يحصل لها أي ضيق أو غموض في توصلها بالخبر أو المعلومة بلغتها الوطنية.
نعم، قد يحاول البعض أن يلتمس أي عذر لهذا التوجه التغريبي بالبحث عما إذا كان قد ثبت نجاح هذا التوجه في أي بلد من بلدان العالم المتحضر والمستقل، لكنه بالتأكيد لن يصل إلا إلى نتيجة واحدة؛ ففيما عدا بعض الدول المفروض عليها أن تكون فرانكفونية أو أنكلوسكسونية أو ناقصة السيادة فسيجد على أرض الواقع أن كل دولة من الدول التي تحترم نفسها وتاريخها تحمي لغتها بإنشاء محطات إعلامية لا تبث برامجها إلا بلغتها الوطنية أو لهجاتها المحلية. وإذا ما اقتضت المصلحة ضرورة التواصل مع العالم الخارجي، تنشئ محطات إعلامية خاصة تتحدث بلغة هذا البلد أو ذاك.
إذن، فأمر ضرورة مخاطبة الإعلام المغربي للمواطنين المغاربة بلغاتهم ولهجاتهم الوطنية يعتبر حقا من حقوقهم الخاصة تكفله المبادئ الإنسانية المشتركة، المتعارف عليها عالميا وإنسانيا، والقواعد الدستورية الملزمة للدولة وللأفراد؛ كما أن أمر الانفتاح على ثقافة الآخر بمعرفة لغته أمر جيد ومطلوب من منطلق قاعدتي «معرفة اللغات أفضل من جهلها» و«من عرف لغة قوم أمن مكرهم»، واستفاد من تجربتهم على أساس ألا يكون ذلك على حساب تهميش اللغة الأم أو تشويهها، وأن أمر مخاطبة الإعلام للقلة الأجنبية في البلاد أو للعالم الخارجي يمكن تأمينه عن طريق إنشاء قنوات إعلامية خاصة بهم دون دمجها في القنوات الموجهة إلى المواطنين، أسوة بما هو جار به العمل في مختلف البلدان المحررة الأخرى.
وللتذكير، فمطلب التعريب عموما، وتعريب الإعلام خصوصا، ليس بأمر جديد وإنما هو مطلب شعبي وطني قديم منذ عهد الحماية البغيض إلى الآن، ذلك أن سلطات الحماية عمدت إلى فرض برامج تعليمية مفرنسة لا يعطى فيها للغة القرآن الكريم إلا حظ مادة ثانوية مهمشة، تُدَرَّس للتاريخ فقط تمهيدا للقضاء عليها، وذلك لمحاربة الدين الإسلامي وفرض التغريب على التعريب، كما أصدرت جملة منشورات تصب في اتجاه منع تدريس اللغة العربية، خاصة في المناطق البربرية، وعملت على إصدار الظهير البربري سنة 1930 لعزل البربر عن باقي المغاربة، ولتمسيحهم. وكرد فعل على ذلك، أنشأ الوطنيون المغاربة مدارس حرة خاصة غلبوا فيها، من جانبهم، تدريس المواد بالعربية على تدريسها باللغة الدخيلة، بالإضافة إلى معاهد التعليم الأصيل، كجامعة القرويين في مدينة فاس وكلية ابن يوسف في مراكش، والكتاتيب القرآنية والمدارس العتيقة، والتي كانت تقوم كلها بنفس الدور الأخير للحفاظ على الموروث اللغوي والثقافي.
ومنذ الوهلة الأولى لدخول المغرب عهد الحرية والاستقلال، كانت ردة الفعل الأولية من الجانب الرسمي والشعبي هي العمل على رد الاعتبار إلى اللغات الوطنية بتغليب التعريب على التغريب، حيث أنشئت مراكز لمحو الأمية وأخرى لتعريب الإدارة والتعليم تدريجيا بإنشاء كليات معربة، ككلية الحقوق ومعهد تارودانت وغيرهما. إلا أنه منذ ذلك التاريخ والصراع قائم بين تيارين: تيار يدعو إلى التعريب ومعه غالبية المواطنين، من جهة، وتيار يدعو إلى التغريب، من جهة أخرى، وهذا الأخير متأثر بالثقافة الغربية، والفرنسية على الخصوص، والغالب منه ينتمي إلى الطبقة الغنية في البلاد، وهي الطبقة المسيطرة على سلطة المال والجاه وعلى تسيير الدواليب الإدارية والخاصة التي تمكنها من التأثير حتى في التوجيه الإعلامي وغيره.
وبما أنه لا يصح إلا الصحيح، بضرورة الرجوع إلى الجذور والثوابت الوطنية، فالمطلوب والمؤمل أن يرد إلى اللغات الوطنية اعتبارها، وعلى رأسها لغة القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين، وذلك بالنسبة إلى جميع المنابر الإعلامية، وغيرها، وألا تقابل مثل هذه الدعوات بالإهمال وعدم المبالاة، وألا تعامل كصيحات في واد أو كزبد يذهب جفاء.


محمد المصطفى أبو عقيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.