أمي، آه منك يا أمي وآه على كل أمهات العالم... أمي، تلك المرأة التي تشبه الأرض في عطائها وتشبه البحر في كل شيء، إلى درجة تصبح هيّ البحرُ... كل البحار أمي وأمي بحار لا تتوقف عن التدفق بالحب. وكل المدن أمي. كم تكون الحياة فسيحة جميلة بأمي وكم تكون ضيقة حزينة إن غابت أمي. هي الأرض والبحر وهي المطر، الذي ينزل رحيما، ناعما من السماء، من الفجر إلى المساء... كم أحنّ إلى خبز أمي وإلى لمسة أمي وإلى كل ما يأتي من أمي، حتى ضرباتها وصوتها المرفوع وعتابها الذي يشبه قصيدة. كم أحنّ إلى أمي وكم.. كم أحنّ إلى خبز أمي، المدلوك بيديها والمطهو فوق نار هادئة أوقدتْها أمي في الصباح الباكر، وأنا ذاهب إلى المدرسة أو في المساء، وأنا عائد منها... أشتاق إلى خبز أمي وإلى رائحته وإلى الأرض التي تمشي فوقها قدما أمي. حين حضر الشاعر الكبير محمود درويش، ذات مساء، إلى المركب الثقافي «ثريا السقاط»، كم حضر من الأمهات وكم حضر من الأبناء.. كانوا يبحثون عن خبز أمهاتهم في كلماته، وحين صدح صوت «العريس»، اتّسع الكون وبدا أكثرَ رحابة. وحين حضر الفنان مارسيل خليفة إلى مهرجان الدارالبيضاء وغنى فوق خشبة بنمسيك، لم يبحث الجمهور سوى عن «خبز أمي». لكن ذاك العشاء مر بدون «خبز أمي». فعادت الجماهير إلى صوت درويش في المنازل لتكمل «خبز الحياة»، على قوة وعمق درويش، الذي أوجز فكفى. فالأرض في خبز أمي والطفولة فيه والجنة: أحنّ إلى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي وتكبر فيّ الطفولة يوما على صدر يوم وأعشق عمري لأنّي إذا متّ، أخجل من دمع أمي! خذيني، إذا عدتُ يوما وشاحا لهُدبك وغطّي عظامي بعُشبٍ تعمَّدَ من طهر كعبك وشدّي وثاقي بخصلة شعر.. بخيط يُلوّح في ذيل ثوبك.. عساي أصير إلهاً.. إلهاً أصيرْ.. إذا ما لمستُ قرارة قلبك! ضعيني، إذا ما رجعتُ وقودا بتنور نارك.. وحبلَ غسيل على سطح دارك لأنّي فقدتُ الوقوف بدون صلاة نهارك هرمتُ، فردّي نجوم الطفولة.. حتى أشارك صغارَ العصافير درب الرجوع لعشّ انتظارك!...