خوسي كماريرو، رئيس منظمة تنمية وتحديث جنوب أوروبا وشمال إفريقيا، التي تقوم بدور محوري من أجل مد جسور التعاون بين المغرب وإسبانيا وتحفيز المستثمرين الإسبان على نقل مشاريعهم الاقتصادية أو جزء منها إلى شمال المغرب. يرى في هذا الحوار، الذي أجرته معه «المساء» في إسبانيا، أن أوروبا حافظت على الدكتاتورية في إسبانيا مدة أربعة عقود من أجل خدمة مصالحها الاقتصادية، وهو ما مكن من ضمان رعاية للمصالح الفرنسية بالمغرب فترة طويلة، مضيفا أن المغرب يمتلك مؤهلات كثيرة، بيد أن شبابه يجب أن ينسى حياة الرفاهية بأوروبا ويبدأ العمل من الداخل. وفي ما يلي نص الحوار. - كيف جاءتك فكرة تأسيس منظمة تنمية وتحديث جنوب أوروبا وشمال إفريقيا؟ < أظن أن إنشاء منظمة تنمية وتحديث جنوب أوروبا وشمال إفريقيا تعبير عن تعاطف كبير لجنوبإسبانيا مع منطقة شمال المغرب، بحكم أن هذا المجال الجغرافي الذي يشمل جنوبإسبانيا وشمال المغرب يتقاسم إرثا تاريخيا وثقافيا، لذلك فإننا اليوم مفروض علينا أكثر من أي وقت مضى التحرك لصالح التنمية الاقتصادية والاجتماعية في شمال المغرب، هناك أشياء كثيرة تربطنا، لذلك أقول دائما إننا شعب واحد بدولتين. وهناك عامل شخصي مرتبط بكوني إسبانيا من مدينة قرطبة ولد في مدينة تطوان، وأعرف نفسي دائما بأنني إسباني مولود في المغرب، وهو ما أثر كثيرا على شخصيتي وطريقتي في فهم هذا السياق التاريخي الحالي والدعوة إلى توجيه الاهتمام السياسي إلى خدمة شعبي ضفتي مضيق جبل طارق في ظل الثقافة الجديدة التي تفرضها العولمة، وترسم لنا بالتالي طريقا من الفرص الذي لا يمكن لإسبانيا أو المغرب أن يتركاه يمر هكذا، وبالضبط في سياق هذا الإطار الإيديولوجي والثقافي ولدت المنظمة التي أتولى إدارتها، بمعنى أنها آلية هدفها الإجابة عن التحديات الجديدة. - ما هي مجالات اشتغالكم؟ < تعمل المنظمة في مجالين، التعاون الدولي والتنمية المقاولاتية، ففي مجال التعاون نقوم بانجاز بعض المشاريع المتعلقة بتقوية المؤسسات المحلية في المغرب، مثل الجماعات القروية والبلديات بشكل يمكن من توطيد مفهوم الحكامة، وهو الشق الذي نتعاون فيه مع صندوق الأندلس للبلديات من أجل التعاون الدولي وكذا صندوق الأممالمتحدة للتنمية، وهما المؤسستان اللتان تجمعنا بهما عدة اتفاقيات للتعاون. ونعمل في بعض المحاور المرتبطة أساسا بالمرأة المغربية التي تشير قوانين المنظمة إلى أنها المستفيد الأول من الأنشطة التي نقوم بها، وهو ما تطلب منا توقيع عدة اتفاقيات مع الاتحاد الوطني لنساء المغرب، وتمثل الثقافة المحور الثالث من عملنا في المؤسسة، لذلك نعمل على نشر الثقافة الإسبانية وإعادة بناء التراث المشترك بين المغرب وإسبانيا ونشر الثقافة المغربية في إقليم الأندلس. أما المجال الثاني لعملنا، فيكمن في تشجيع المقاولات الإسبانية على الاستثمار في المغرب عبر نقل كامل نشاطها أو جزء منه إلى الجار الجنوبيلإسبانيا. - كيف تفسر ارتفاع نسبة الاستثمارات الإسبانية في المغرب خلال السنوات الأخيرة؟ < فعلا لقد تجاوزنا فرنسا والولايات المتحدة، وأصبحنا المستثمر الأول، والمشكلة أن هذا تحول إلى أمر يثير الاستغراب رغم أنه شيء عادي بين الجيران، كما أننا كنا رهيني عدة مصالح دامت لعقود طويلة بسبب أمور تفسرها الأحداث التاريخية، فأوروبا حافظت على الدكتاتورية في بلادنا مدة أربعين عاما، والواقع أنها وقائع متناقضة يصعب تفسيرها، بيد أن أسباب ذلك تبقى اقتصادية محضة، تتمثل في عدم ولادة فاعل اقتصادي جديد في المنطقة، لذلك حافظت فرنسا على مصالحها في المغرب مدة طويلة، ورغم أن التاريخ هو موجود حتى لا ينساه أحد، بيد أنه بات لزاما علينا النظر إلى الأمام وصوب المستقبل، لكن اليوم هناك واقع قائم هو أن إسبانيا التي ولدت عقب الفترة الدكتاتورية تتميز بديناميتها وأيضا برغبتها في التعاون مع المغرب. - ما هي منهجية عملكم في المنظمة قصد جلب الاستثمارات إلى المغرب؟ < نحن نعقد عدة اجتماعات مع رجال أعمال إسبانيا ونحاول أن نعرفهم بإمكانيات الاستثمار في الجار الجنوبي، مثلما أننا نقوم بتنظيم زيارات لهم لشمال المغرب. ويمكن أن نقول إن المشروع الذي ننجزه في المنظمة هو ذو أبعاد مقاولاتية ومجتمعية وسياسية، أي إحداث التنمية والتغيير عبر المقاولة، ولمسنا أن رجال الأعمال في جنوبإسبانيا لهم رغبة في الاستثمار في المغرب، لكن ينقص دائما ذلك الوسيط الذي يعرفهم بإمكانيات الاستثمار ويفتح أعينهم على أشياء كثيرة مثل التشريعات القانونية المنظمة لهذا المجال في المغرب. فمثلا وضعنا في المنظمة قيد التنفيذ برنامجا يهدف إلى عولمة المقاولات الإسبانية الذي يعمل به خبراء ومستشارون متميزون في عالم المقاولة، وأستطيع أن أقول إننا حققنا الكثير من النجاح في هذا المضمار، مثلما أن عدة مقاولات ترغب في الاستفادة من محاور البرنامج مثلها مثل البلديات في إقليم الأندلس التي تجمعنا معها اتفاقيات من أجل تشجيع التعاون الاقتصادي بين بلديات ضفتي مضيق جبل طارق. - كيف ترى العلاقات بين الرباط ومدريد في الوقت الراهن؟ < ممتازة، فالملك محمد السادس يقود بطريقة مباشرة تنمية في المنطقة الشمالية للبلاد والتضامن ما بين الشمال والجنوب، وأرى شخصيا أن ملك المغرب بتحركاته ساهم في إعطاء المستثمرين الإسبان الثقة، وألمح إلى أن المغرب يبذل مجهودات حتى لا يضيع مقعده في قطار مجتمع المعرفة، أما من الجانب الإسباني فأظن أن الحزب الاشتراكي الإسباني الذي يقود البلاد حاليا كان له دور حيوي في إنعاش العلاقات وامتلك وضوحا في الرؤية خلال تحليله للتحديات ووضع الاستراتيجيات التي على أساسها يمكن تطوير وتنمية البلدين معا، لذلك أرى أن العلاقات بين المغرب وإسبانيا باتت مبنية على أسس متينة. - المعروف أن غالبية رجال الأعمال المغاربة ذوو ثقافة فرانكفونية، هل بدأت تتكون طبقة من رجال الأعمال ذوي لغة وثقافة إسبانية في المغرب؟ < لقد وصلنا إلى المغرب متأخرين بعض الشيء، لذلك لا يمكن أن نطالب بالشيء الكثير في هذا المجال، وما أستطيع تأكيده هو أننا نشتغل بسرعة، فوجودنا في المغرب حديث العهد. - هل يمكن أن نتحدث عن بداية تكون لوبي إسباني من رجال الأعمال في المغرب؟ < مفهوم اللوبي كما أراه شخصيا يتمثل في تبادل الخبرات بين رجال الأعمال، وهو لا يعني شيئا غير العمل المشترك وخلق قنوات لتبادل المصالح. وأود أن أقول إنه بما أننا نشتغل في مجال التعاون، يهمنا كثيرا العمل مع البلديات في المغرب عبر الوصول إلى اتفاقيات تخول لنا إنشاء مراكز للمعلوميات، لأننا نعتقد أنه رغم دمقرطة المعلومة عبر الأنترنيت فإنه يلزمنا تعليم الناشئة كيفية الوصول إلى المعلومة التي تمثل سلطة، لذلك نتوفر على ستة مراكز للمعلوميات في شمال المغرب إلى حدود الساعة، في ماريتل وواد لو ووجدة والناظور وفي وسط مدينة طنجة، ونتوقع في المنظمة إنشاء خمسة مراكز أخرى حصلت على موافقة وكالة التعاون الدولي الإسبانية في مدن وزان والقصر الكبير والعرائش وأصيلة والمضيق، وهذا نريده أن يكون عملا مستمرا، ونحن نتصور أن يتم توجيه هذه المراكز إلى تكوين الموظفين وفعاليات المجتمع المدني في مجال المعلوميات، كما أننا نطمح إلى نشر تعليم اللغة الإسبانية في شمال المغرب، ولهذا الهدف خلقنا مكتبة للكتب الإسبانية في واد لو، ونحاول بذلك دفع المقاولة إلى لعب دور في تنمية شمال المغرب، ونحن قمنا بهذا العمل في بلدنا فلماذا لا نقوم به في الجار الجنوبي؟ - هل لمستم استعدادا لدى المغاربة من أجل تطبيق نفس التجربة الإسبانية التي تتحدث عنها?. < أظن أن المغاربة شعب ذكي ويمتلك الوعي للإلمام بما يحدث، والتغييرات تبدو واضحة للعيان، وأظن أن الملك محمد السادس واع بأن البلاد تتوفر على طاقة بشرية مهمة من الشباب الذين يمكنهم المساهمة في تحديث البلاد، لذلك أظن أن الشباب المغربي يجب أن يقتنع بأنه ليس كل ما يلمع ذهبا، وينسى قليلا مسألة الحياة الرغيدة في أوروبا، يجب عليه استرجاع الثقة في نفسه، لأن التغيير يكون دائما بالعمل من الداخل، لذلك وجب فتح أعينه على المؤهلات الموجودة في بلاده ودفعه إلى صنع مستقبله بيديه.