«الثائر الهادئ»، كما وصفه عبد الرحيم بوعبيد، عايشه في زنزانة تضم 13 معتقلا بينما سعتها مخصصة لشخص واحد، كان مؤمنا بقضيته مرددا «الاستعمار لا يمكن قتاله إلا بالسلاح، ويجب وقف تعامل بعض المغاربة الضعفاء «الجبناء» مع فرنسا»، في ساحة المعتقل توجه بشجاعة لتنفيذ حكم الإعدام في حقه، قائلا « يا السي عبد الرحيم .. إلى اللقاء عند الله». من يكون هذا الذي كتب عنه أحمد معنينو واصفا «الشهيد أحمد الحنصالي الذي أعلنها بداية للثورة التي قادت البلاد إلى حصولها على الاستقلال»، هذا الذي جند له الاستعمار عشرة آلاف محارب وطائرات حربية، ووصفه ب«سفاح تادلة» و«اللص المسلح لتادلة»، وهللت الصحف الفرنسية بعد اعتقاله، شارك فتى يافعا في مقاومة المستعمر، وكان ضمن قبيلة لم تستسلم إلا في سنة 1933، أعاد إطلاق أول رصاصة ساهمت في اندلاع الثورة المسلحة، وأعقبها بتنفيذ عمليات نوعية أرعبت فرنسا، التي فشلت في اعتقاله، ليقدم الخونة المقاوم طمعا في نيل مكافأة مالية كبيرة، نعيد في هذه الحلقات رسم مسار قصة واحد من الذين لم ينالوا حقهم الكافي بالاعتراف بفضله في تاريخ المغرب، أسد تادلة ومفجر ثورة المغرب المسلحة. بمجرد اعتقال أحمد الحنصالي ضاعفت السلطات الاستعمارية اعتقالاتها وسط المواطنين المغاربة. وكان الهدف العلني من الاعتقالات أنهم كانوا يشاركون في عمليات الحنصالي بتقديم مختلف أنواع الدعم له أثناء تنفيذ عملياته الفدائية، لكن ما لم تستطع السلطات الاستعمارية إخفاءه أن حملة الاعتقالات كان الهدف منها القضاء على أجواء التفاؤل بانطلاقة شرارة الثورة لدى المواطنين المغاربة. إذ بمجرد اعتقال الحنصالي انطلقت من جديد أحداث آيت سعيد بفم العنصر، التي كانت أحداثا مأساوية قتل فيها الكثير من سكان القرية، وحوصروا وأحرقت منازلهم وممتلكاتهم ومحاصيلهم الزراعية وقتلت مواشيهم، وقد بطشت بهم السلطات الاستعمارية بطشا شديدا، حيث اغتصبت عناصر اللفيف الأجنبي النساء والفتيات. وكانت قمة الأحداث ما شهدته المنطقة في اليوم الموالي لاعتقال أحمد الحنصالي يوم 24 ماي 1951، لذلك جاءت اعتقالات مجموعة من المواطنين لبعث رسائل تحذير شديدة اللهجة إلى كل من اعتقد بأن شرارة الثورة انطلقت من تادلة. وكان التركيز قويا على مناضلي حزب الاستقلال والحزب الشيوعي بالمنطقة بعدما أشاعت السلطات الاستعمارية في البداية أن عمليات أحمد الحنصالي تحركها آلة الأحزاب السياسية التي تريد أن تشعل العمل المسلح بالمغرب، وهي التهمة التي نفاها الحزبان معا، وما يزال أرشيف جريدة «العلم» شاهدا على نفي أي صلة بالبطل أحمد الحنصالي، وأن السلطات الاستعمارية إنما تدعي نسب الحنصالي إلى حزب الاستقلال كي تجتث شوكة الحزب. كان أول من اعتقلته السلطات الاستعمارية صديق أحمد الحنصالي موحى والحسين المدعو بولد سميحة، مساء يوم 24 ماي 1951، من منزله بآيت حبيبي بتاكزيرت، وادعت آنذاك بأنها قررت اعتقال ولد سميحة بناء على الشك فيه بأنه هو الذي كان يرافق أحمد الحنصالي أثناء عمليته الخامسة بواد أمرصيد، حيث أكدت الناجية آنذاك سوزان شانطو وجود شخص ثان كان رفقة حامل البندقية يراقب الوضع فقط، بالإضافة إلى ما ادعته من حصولها على معلومات من أعوانها تفيد بأنه تغيب عن بيته ثلاثة أيام بدون مبرر، قبل أن تنسب صحافتها لأحمد الحنصالي وولد سميحة اعترافهما بأنهما كانا معا. ومعلوم أن الأخبار والمقالات التي كانت تنشر مصدرها سلطات الاستعمار، وهو ما تم الوقوف عليه سابقا في تبرير جريدة «العلم» نشرها أخبارا عن الصحافة الفرنسية وعن حصار كل الأخبار، بالإضافة إلى منع الصحفيين المغاربة من الاقتراب من مسرح الأحداث . وركزت السلطات الاستعمارية على النشطاء في حزب الاستقلال والحزب الشيوعي بمنطقة تادلة، الذين تم استنطاق العشرات منهم قبل إخلاء سبيلهم، فيما تم الاحتفاظ بثمانية أشخاص، بالإضافة إلى أحمد الحنصالي. وهكذا اعتقلت القوات الاستعمارية المعطي بن الحاج صالح، المدعو عمر العطار، واليوسفي، المناضل الكبير بالحزب الشيوعي، والذي أمسك بزمام الحزب بمنطقة تادلة بعد مرض مارسيل لامورو مؤسس الحزب بالمنطقة، وعبد العزيز بن امحمد، وولد رقية عمر، رئيس فرع حزب الاستقلال بمدينة قصبة تادلة. كما تم اعتقال إبراهيم بن سعيد بن حدو -المدعو الزروقي- وهو فلاح اتهم بحضور اجتماعات مع الحنصالي من شأنها المس بأمن الدولة الخارجي، واعتقل المدعو البقالي، موحى وصالح وعلي، المتهم بدوره بحضور اجتماعات سياسية، ومحمد بن موحى والحسين، شيخ قبيلة سابق، تم اتهامه بدوره بعقد اجتماعات سياسية في منزله، وبوعزة أوزايد أوموحى – المدعو بوعزة نايت ميمون – الذي قيل إنه هو الذي اعتقل ولد سميحة، وموحى أوزايد ويامنة، الذي توفي في السجن قبل انطلاق المحاكمة، ولم يمثل أمام المحاكمة، رغم اعتقاله في وقت سابق، وحوسى بناصر رئيس فرع حزب الاستقلال بالقصيبة.