سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ماريا روسا: أتوقع حدوث أزمة بين الرباط ومدريد مع قرب موعد الانتخابات في إسبانيا المؤرخة الإسبانية للمساء : سبتة ومليلية مغربيتان ولا نية لإسبانيا في تعويض ضحايا حرب الريف
هي من المؤرخين الإسبان القلائل الذين قرروا النبش في مرحلة تاريخية حساسة من تاريخ إسبانيا الحديث. جريئة في مواقفها المناهضة للاستعمار، خصصت جل كتاباتها للحديث عن الحرب الإسبانية على الريف في عشرينيات القرن الماضي بمبضع المؤرخة الناقدة المحايدة. في هذا الحوار تتحدث ماريا روسا دي مادرياغا ل«المساء» عن العلاقات الإسبانية المغربية والأسباب الثاوية وراء «سوء الفهم الكبير» بينهما، وتعود من جديد إلى اتهام إسبانيا بالتورط في قصف الريف بالغازات السامة، معرجة على قضية التعويض، التي أثارت جدلا كبيرا في الآونة الأخيرة. في الحوار كذلك تشرح روسا البواعث التي قادتها إلى الاهتمام بتاريخ المغرب بشكل عام وتاريخ الريف على نحو خاص ورؤيتها لمستقبل العلاقات المغربية بين الرباطومدريد . - نبدأ معك هذا الحوار بزيارتك الأخيرة إلى مدينة الحسيمة للمشاركة في ندوة ترتبط بموضوع التراث الريفي، وقبل ذلك شاركت في ندوات علمية أخرى بالريف. ما السر الكامن وراء اهتمامك بتاريخ الريف على نحو عام؟. كثيرا ما ووجهت بهذا السؤال، لكن بصيغ مختلفة، وأنا مستعدة للإجابة عنه مئات المرات لأنه سؤال أعتقده منطلقا أساسيا لفهم كتاباتي حول تاريخ الريف واستيعاب مضامينها بشكل جيد. حين كنت صغيرة طرحت السؤال التالي على والدتي: من يكون محمد بن عبد الكريم الخطابي؟ وهو السؤال الذي كان ينطوي على حب الاستطلاع، سيما أن صدى هذا الاسم كان يطرق أسماعي دائما. يومها قالت لي والدتي إن محمد بن عبد الكريم الخطابي هو زعيم ريفي مغربي انتصر على الجيوش الإسبانية في معارك ضارية في الريف، وربطت هزيمته في آخر المطاف بظهور الديكتاتور فرانكو. لقد قامت والدتي بتحليل يقرن خسارة محمد بن عبد الكريم الخطابي في الحرب ببروز ما يسمى بالديكتاتورية الفرانكوية، مما يعني بصيغة أخرى أن هزيمة الخطابي كانت سببا مباشرا في استنبات ديكتاتورية زجت بإسبانيا في حروب طاحنة. ويمكن أن أفسر هذه النقطة أكثر، فخلال ثلاثينيات القرن الماضي، وبالضبط سنة 1936، قام فرانكو باستقدام الآلاف من الريفيين لمحاربة وإبادة الجمهوريين المناهضين لحكمه. ولا يمكن أن نتجاهل حقيقة أخرى، هي أنه ما كان يجري في الريف ساعتئذ كان له انعكاس مباشر على إسبانيا في مختلف المستويات. ولعل من بين الأسباب الأخرى التي جعلتني أولي أهمية خاصة لتاريخ الريف هي أنه في مرحلة شبابي كنت مناضلة في صفوف الحركات المناهضة للاستعمار، وعرفت حينذاك أن الخطابي ينادي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بالتحرر من الاستعمار بكل أشكاله. - شاركت خلال فترة وجودك بالحسيمة في ندوة حول التراث الريفي، في نظرك هل يمكن التأسيس لذاكرة تراثية حول الحرب التحريرية التي خاضها الريفيون ضد الاستعمار الإسباني خلال العشرينيات من القرن الماضي؟ أرى أن التراث الريفي غني جدا، ولا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نحصره في معارك جرت خلال عشرينيات القرن الماضي. طبعا هي جزء من الذاكرة التراثية لا نقدر على فصلها عن الموروث الحضاري لمنطقة الريف، وقد لاحظنا في الندوة الدولية التي نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان كيف أن المنطقة تتوفر على رصيد أركيولوجي زاخر ساهمت في إثرائه حضارات وثقافات متعددة تعاقبت على الاستيطان بالريف. - على هذا الأساس هل يمكن اعتبارك نموذجا للتعايش بين مواطني الضفتين، نقصد نموذجا يبتعد قليلا عن الهواجس السياسية التي تتسبب في الكثير من التوتر بين المغرب وإسبانيا؟ دعني أحدثك عن شيء. أنا أرى أن هناك علاقات جيدة بين المغاربة والإسبان، وثمة العديد من الأمثلة التي تدل على هذا الأمر. ويجب أن نعلم في هذا الصدد أنه حين يكون بلدان جارين، فمن الطبيعي أن تنشأ بعض الخلافات بين الفينة والأخرى، ومن الطبيعي كذلك أن يقع سوء الفهم في الكثير من المواضيع... - لكن كيف يمكن لنا أن نفسر الخلافات المستمرة بين مدريدوالرباط، ونستشهد بقضية جزيرة ليلى ومشكل سبتة ومليلية والهجرة السرية... هل يتعلق الأمر بخلافات عادية بين جارين أم أن ثمة هواجس تاريخية وسياسية هي التي تذكي هذا الخلاف؟. لابد لنا أن نفهم أن العلاقات بين جارين جغرافيين دائما ما تخضع لمنطق الجغرافيا القائم على نشوب خلافات دورية بينهما. وبخصوص مشكل سبتة ومليلية كنت قد نشرت مقالا، أثار سجالا حادا سنة 2002 على أعمدة جريدة «إلباييس»، أكدت فيه أنه لا وجود لوثائق في الأرشيف الإسباني تثبت أن سبتة ومليلية إسبانيتان. صحيح أن هناك مشاكل أخرى من قبيل الهجرة السرية، مثلا، لكن المشكل الأساس الذي يعترض تطور العلاقات بين البلدين هو قضية الصحراء، التي هي في الحقيقة أصل كل المشاكل التي تعرفها العلاقات بين البلدين، وفي حالة لم يتم حل هذه المسألة في القريب، فإن التوتر سيبقى العنوان البارز للعلاقات بين البلدين الجارين. - لِنبقَ في قضية الصحراء. اتهمت اليسار الإسباني، في تصريحات وُصفت بالنارية، بعدم اتخاذ موقف مبدئي وثابت بخصوص مشكل الصحراء. ماهي الأسباب الثاوية التي أدت بك إلى تبني هذا الحكم؟ أنا لست متخصصة في هذه القضية، مع العلم أنني أهتم بالملفات المتعلقة بالشمال، وبالتالي لن أسمح لنفسي بقول أشياء ليست لدي معرفة كبيرة بشأنها. وبخصوص موقف اليسار الإسباني من القضية، أرى أن مشكلة هذا اليسار تكمن في أنه ليست لديه معرفة عميقة بهذا الملف، بفعل أسباب عاطفية وليست حتى إيديولوجية، بسبب الاعتقاد السائد بأن الصحراويين هم بمثابة مهجرين من أراضيهم. وعليه، فاليسار الإسباني لا يتوفر على رؤية تحليلية علمية للموضوع. ودائما في النقاشات التي أخوضها معهم أؤكد أنه لا مناص من تكوين تصور شامل حول الموضوع، وبعد ذلك بمقدورنا أن نموقع أنفسنا. وهنا أرجع إلى التذكير بأن هناك ضغوطا كبيرة على الدولتين المغربية والإسبانية فيما يخص قضية الصحراء. - لننتقل إلى مشكل آخر يثير جدلا واسعا في العلاقات بين البلدين، ونعني مشكل سبتة ومليلية. إذ هناك من يعتبر أن هذا المشكل هو الذي يعرقل بناء الثقة بين البلدين الجارين. من وجهة نظر تاريخية، كيف تنظرين إلى هذا الموضوع؟ لابد من التأكيد في البداية أن المدينتين هما نتاج غزو، وهذا أمر ثابت لا يمكن التشكيك فيه لأن الوثائق المتوفرة تبرهن على ذلك. وأضيف أن كل الوثائق التاريخية والجغرافية التي بحوزتنا تدل على أنهما مدينتان مغربيتان. وفيما يخص مدينة سبتة، فقد احتلت في البداية من طرف البرتغال، ثم في وقت لاحق سيطرت عليها إسبانيا، ونحن نعرف جيدا أن مليلية أنشأها بعض النبلاء الأندلسيين الذين كانوا في الضفة الأخرى. لكن مع التطور الذي حصل في المدينتين بفعل عوامل متعددة استوطنت فيهما نسبة كبيرة من السكان الإسبان، الذين ساهموا في إعمارهما بشكل لافت، والذين أسهموا كذلك في تغيير ملامحهما. وبفضل هؤلاء السكان صارت المدينتان أحسن حالا مما كانتا عليه أثناء فترات الغزو. صحيح أنه على المستوى الجغرافي تنتمي المدينتان إلى المغرب، لكن وجود السكان الإسبان خلق وضعية جديدة تتجلى في تغير ملامح المدينتين كثيرا. ومن هذا المنطلق، يجب، في تقديري، حل هذا المشكل بطريقة ودية. - هل تقصدين أن إسبانيا بمستطاعها أن تتخلى عن المدينتين، أم أن المغرب ملزم بالتعامل مع ما أسميته الوضعية الجديدة؟ دعنا من الفرضيات الآن، فحل المشكل ربما يأتي من خلال استفتاء آراء سكان المدينتين حول الدولة التي يريدون الانتماء إليها. وفي هذا الصدد، نشير إلى أن هناك أكثر من 30 بالمئة من المغاربة المقيمين بالمدينتين يحملون الجنسية الإسبانية، وقد يشكلون الأغلبية، ولكن لا أحد يمكنه الحسم فيما يريده السكان. - يبدو من خلال جوابك أن هذا المشكل سيعمر طويلا. لكن ألا ترين أن ذلك من شأنه أن يؤثر على مستقبل العلاقات بين الدولتين بشكل دوري؟ لا أعتقد ذلك، فأنا لدي وجهة نظر إلى الموضوع تقوم على اعتبار أن هناك في غالب الأحيان مشاكل أخرى أعمق هي التي تحرك الصراع حول مسألة سبتة ومليلية، وهي التي تتحكم في زمن افتعاله إن شئنا الدقة أكثر. وفي منظوري دائما، أجد أن مطالب الحكومة المغربية بهذا الشأن هي مطالب مشروعة، كما أجد المطلب الإسباني باسترجاع جبل طارق مطلبا مشروعا كذلك، لكن- كما قلت- ثمة اعتبارات أخرى تتدخل في المشكل، هي السكان أنفسهم، فنحن لا نستطيع التقرير في المصير الذي يريدونه. - عُرفت بصفتك مؤرخة تهتم بملف الغازات السامة أو الأسلحة الكيماوية، التي استعملتها إسبانيا ضد الريف خلال عشرينيات القرن الماضي. لو تحدثينا قليلا عن الخلاصات العلمية التي توصلت إليها بعد عقود من البحث والتنقيب في هذا الموضوع الشائك. كتبت عن الموضوع كثيرا، وأفردت ثلاثة كتب للاستفاضة في شرح حيثياته. صحيح أن أبحاثي لا تنصب على هذا الموضوع بالذات، لكن جانبا كبيرا منه استفرغته للبحث فيه، وقد كتبت مقالا مطولا حول ملف الغازات السامة ترجم إلى الفرنسية والعربية. ويمكن القول بمعنى ما أنني أصبحت متخصصة في الموضوع. وعلى المستوى الإنساني والأخلاقي، ما فعلته إسبانيا هو جريمة بكل المقاييس. لقد وظفت إسبانيا إبان حربها على الريف غازات سامة، لأول مرة بعد الحرب العالمية الأولى، قبل أن يتم استعمالها بعد ذلك في الحرب البين أوربية في غضون الحرب العالمية الثانية. وقد تم آنذاك فرض الحظر على ألمانيا بغية عدم الاستمرار في صناعة هذه الأسلحة، لكن ألمانيا واصلت صنعها، وإسبانيا استمرت في اقتناء الأسلحة. وقد استفادت إسبانيا بشكل سري من هذه الأسلحة بعد أن حصل عدم التوافق بينها وبين محل «شنايدر» الفرنسي، الذي كان ينتج الأسلحة ذاتها لاستيراد مخزونات الغازات السامة لصنع قنابل من أجل ضرب الريف. إثر ذلك، استعانت إسبانيا بالخبرة الألمانية لتحقيق هذا الغرض ووجدت ضالتها في الصانع الألماني «ستولزنبرغ» الذي شرع في إعداد أدواته سنة 1923، وقد كانت هناك فكرة أخرى تتمثل في بناء مصنع لهذه الأسلحة في منطقة تسمى «أرانخويث» قرب مدريد، لكن هذه الفكرة لم تفعل، وبالتالي فإن كل الأسلحة الكيماوية التي استخدمها الجيش الإسباني فور حربه على الريف استقدمت من هامبورغ بألمانيا. وقد تم استقدام الأسلحة عبر مليلية، وتم تحويلها من مادة أولية إلى قنابل تحمل مواد كيماوية في مصنع يوجد بمنطقة «مارشيكا» قرب مليلية. وبالاستناد إلى كل المعلومات التي استجمعتها بخصوص هذا الموضوع، فإن قنبلة الريف بدأت بشكل فعلي في حدود يونيو 1923، حيث وظفت في البداية بعض الناقلات لنفث الغازات الكيماوية، ثم انتقلت الجيوش الإسبانية إلى استعمال الطائرات ليشمل القصف الجوي مساحات شاسعة من الريف. وقد استمر ذلك حتى إنهاء إسبانيا ومعها حلفاؤها الحرب على الريف. - نفهم من كلامك أن إسبانياوألمانيا مسؤولتان بشكل مباشر عن حرب الغازات السامة على الريف. لكن هناك الكثير من الفرضيات التي تشير إلى تورط فرنسا بدورها في هذه الحرب. كيف ترين ذلك ؟ طبعا. مادامت كل الوثائق تشير إلى أن الغازات المستعملة هي ألمانية الصنع وباعتها لإسبانيا، بالرغم من الحظر المفروض عليها، فيما قامت إسبانيا بقصف الريف بهذه الغازات. فرنسا كذلك مسؤولة، لكن في البداية فقط لأنها قامت بتحرير مخازن الأسلحة الكيماوية التي احتفظت بها بعد نهاية الحرب العالمية الأولى لتمنحها لإسبانيا، لكن سرعان ما أوقفت ذلك بعد قرار منع بيع هذه الغازات الكيماوية. - نفيت في إحدى خرجاتك الإعلامية ما أسميته «الشائعات»، التي تروج حول نية إسبانيا تعويض السكان الريفيين على حرب الغازات السامة، التي نفذتها إسبانيا في الريف. ما هي المبررات التي استندت إليها لتفنيد ذلك؟ نعم، كانت فقط إشاعات مغرضة، ولدي تأكيدات رسمية تدل على صحة كلامي، فالمصادر الرسمية أكدت لي أن وزيرة الشؤون الخارجية الإسبانية ووزير الخارجية المغربي لم يناقشا مطلقا موضوع الغازات الكيماوية، فما بالك بمسألة التعويض. ولذلك وصفت في حينه ما يروج عن قضية التعويض ب«الكذبة الكبرى». - وماهي الأسباب التي تدفع المسؤولين المغاربة والإسبان، في تقديرك، إلى عدم الخوض في موضوع تعويض المغرب على الحرب الكيماوية التي شنتها إسبانيا على الريف؟ أنا أؤمن بقناعة ثابتة، هي أن الحديث عن قضية التعويض يحتم علينا البحث عن معطيات علمية وجد دقيقة عن الأبعاد التي اتخذتها هذه الحرب والتعرف على العدد الحقيقي للضحايا حتى يتسنى لنا الحسم بشكل قاطع في الأمر. وبالنسبة إلى التعويض الشخصي، أرى أنه ليس بإمكان أي أحد أن يبرهن على أن إصابته بمرض السرطان لها علاقة مباشرة بالغازات السامة المستخدمة من لدن إسبانيا، فالتأكد من الإصابة يستدعي المتابعة الطبية الدقيقة، والمصابون بالسرطان بالريف لم يفعلوا ذلك. - هل تعنين أنه يجب الاشتغال على الملف على المستويين الطبي والعلمي للنظر في مسألة التعويض؟ لا يمكن أن نشتغل طبيا على الملف لأن أغلب الذين من المفترض أن يكونوا ضحايا قد ماتوا، لكن الحاجة أصبحت ملحة للبحث في الأرشيف العسكري الإسباني لمعرفة كل التفاصيل المتصلة بالموضوع من قبيل عدد القنابل التي قصفت بها إسبانيا الريف، وكذا عدد الضحايا الناجم عن استنشاق المواد السامة، وبعد ذلك يحق للمغرب أن يطالب ب«تعويض جماعي» بمنأى عن التعويض الفردي الذي لن يستقيم على كل المستويات. - هل توصلت في أبحاثك العلمية التي أجريتها حول الموضوع إلى تحديد دقيق لعدد الذين راحوا ضحايا حرب الغازات السامة؟ لا. ليست هناك أرقام محددة لعدد الضحايا، فبالرغم من أن إسبانيا كانت تصرح بعدد القتلى والجرحى إبان الحرب فإنها لم تكن تحدد الأسباب المؤدية إلى ذلك. لكن أقدر أن يكون عدد الضحايا كبيرا، وأعود للتذكير بأنه لا محيد من التنقيب عن العلاقة المباشرة لمرض السرطان بالغازات السامة، وبدون ذلك ستظل مسألة التعويض فقط ورقة سياسية تتحكم فيها إسبانيا والمغرب. - بناء على ما قلته، هل يمكن أن نرى يوما ما اعترافا رسميا بالجرائم الإنسانية، التي ارتكبتها إسبانيا في حق الريفيين خلال عشرينيات القرن الماضي؟ صراحة لا أدري، والأهم بالنسبة إلي هو معرفة ما جرى من خلال أبحاث علمية رصينة. صحيح أن الكثير من الإسبان لا يعرفون حقيقة ما جرى، لكن بدأ نوع من الوعي يتشكل في صفوف المجتمع الإسباني بهذه القضية. - لكن كيف تفسرين عدم الاهتمام من طرف المؤرخين الإسبان بملف الحرب الكيماوية والآثار الوخيمة التي خلفتها على سكان الريف؟ بكل بساطة لأن الملف ليس معروفا كثيرا، باستثناء بعض الكتابات التي دونها العسكريون الإسبان، والتي تتحدث عن قصف الريف دون الإشارة إلى استعمال الغازات السامة، لأنها كانت محرمة وقتئذ بعد توقيع معاهدة فرساي سنة 1919، إضافة إلى صمت الإسبان عن الحديث عن الموضوع بعد معاهدة جنيف سنة 1925، التي تحظر استخدام مثل هذه الأسلحة، والتي وقعتها إسبانيا فيما بعد سنة 1928. وما أستغربه حقا هو: لماذا لا يبحث المؤرخون والأكاديميون المغاربة عن الوثائق في الأرشيف العسكري الإسباني، بالرغم من أن الحكومة الإسبانية سمحت بذلك؟ بل الأدهى أن كل الأبحاث التي أجريت على الموضوع قام بها أجانب وليس مغاربة. وحين أسمع كلاما مثل «حين يفتح الأرشيف العسكري الإسباني سنعرف الحقيقة» أصاب بالذهول لأنه مفتوح أصلا. - في رأيك ماهي الآليات التي من شأنها أن تعمل على تعويض الريفيين عن هذه الحرب؟ كنت دائما أقول إن المغرب وإسبانيا هما ضحيتا الجغرافيا، لكن علاقات الجوار التي تربطهما تقتضي منهما تمتين علاقتهما، خاصة أننا نعلم أن الاتحاد الأوربي يرغب دائما في أن يكون المغرب بلدا قويا ومزدهرا، وتعلمون كيف أن المغرب استفاد في السنين الأخيرة من الوضع المتقدم الذي يمنحه الاتحاد. على هذا الأساس يمكن أن ننجز أوراشا كبرى من أجل الحسم في قضية التعويض. - ثمة من يتحدث عن أن مؤشر العلاقات بين المغرب وإسبانيا يصعد وينزل تبعا لنتائج الانتخابات الإسبانية. إلى أي حد يمكن أن تكون هذه الفرضية صحيحة؟ هذا صحيح، فقد لاحظنا حجم التوتر الذي ساد العلاقة بين المغرب وإسبانيا في عهد حكم خوسي ماريا أثنار اليميني، لتعود إلى التحسن تدريجيا خلال حكم الاشتراكيين، ونحن مقبلون على الانتخابات، التي أتوقع أن يفوز بها اليمينيون، وأخشى أن تتأزم العلاقات من جديد بين الرباطومدريد. - يظهر من خلال كتاباتك المتنوعة أن لك ارتباطا خاص بمحمد بن عبد الكريم الخطابي. ما مبعث كل هذا الإعجاب بشخصيته؟ لن أخفيك أنني معجبة كثيرا بشخصية محمد بن عبد الكريم الخطابي، ليس لأنه فقط زعيم عسكري استطاع في مرحلة تاريخية دحر الاستعمار، بل لأنه رجل يحب السلم وداهية سياسية ومفاوض من العيار الثقيل، هو رجل طبع التاريخ بفضل العديد من الخصال التي توفرت فيه وثباته على موقفه المناهض للظلم والاستعمار.