حالة من الرعب والهلع الشديدين خيما على ساحة «جامع الفنا» بكاملها، جراء صوت الانفجار القوي، الذي دوى في أرجاء المنطقة، وكذا المشهد الرهيب للجثث وهي تتطاير أمام مقهى «أركانة»... كان الانفجار قويا، إلى درجة أن الجميع اعتقدوا أن سببه هو قنينتا غاز من الحجم الكبير، لكنْ لا شيء من ذلك كان صحيحا، فالأمر يتعلق بعملية إرهابية ستتضح معالمها بعد دقائق من «الصدمة». جثث متناثرة تستنفر المسؤولين «المشهد» أمام مقهى «أركانة» شبيه بمقبرة اجتث منها الموتى -القتلى: جثث متناثرة هنا وهناك. أصوات تتعالى ونحيب وبكاء يعلو المكان. أما داخل المقهى، التي «اختفت» وسط «سحب» الدخان المنبعث من الداخل، فقد كان المشهد أكثر فظاعة أطراف وأعضاء مفصولة عن الجسد، ودماء تسيل في الأرض.. اختلطت القاعد والأواني بالجثث، حتى إن بعض أرجل الكراسي انغرست في جسد بعض الضحايا ولطخت الدماء الوجوه. الوضع داخل مقهى «أركانة» شبيه بمجزرة من مجازر الكيان الصهيوني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. سرى الخبر كالنار في الهشيم وتجمّع تجار ساحة «جامع الفنا» وكل روادها في الحين، قبل أن تصل المصالح الأمنية والمسؤولون عن المدينة الحمراء. بمجرد ما وصل الخبر الصادم إلى المصالح الأمنية، هرعت جميعها، وفي مقدمتهم محمد مهيدية، والي جهة مراكش تانسيفت الحوز، ورئيس الشرطة القضائية وعمدة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري وغيرهم من مسؤولي المدينة. السير وسط الأشلاء وسط الأشلاء والجثث، سار والي مراكش والصحافيون والمصورون ورؤساء المقاطعات ورؤساء المصالح الأمنية يتفقدون الوضع داخل المقهى، منهم من كانوا يصورون ويستقون المعطيات والمعلومات لإيصالها إلى منابرهم أو إلى مرؤوسيه، بعدما انتشرت إشاعة انفجار قنينتي غاز، ومنهم من كانوا ينتشلون الجثث من داخل باحة المقهى ويحاولون إنقاذ من يمكن إنقاذه... جميعهم كانوا يقومون بمهمة ما في مسرح الانفجارات ويسعون إلى معرفة حقيقة ما وقع. كانت مصالح الوقاية المدنية والمصالح التابعة لوزارة الصحة تنقل الجرحى والمصابين وحتى القتلى الذين تقطعت أوصالهم، حسب ما أكده مصدر طبي تحدث ل«المساء»، بينما شرعت المصالح الأمنية في تحقيق أولي في مسرح الجريمة، والصحافيون يدونون المعلومات والمصورون يلتقطون صور الجثث والأشلاء.. لكل مهمته. فتح باب السؤال تفيد المعلومات الأولية من مسرح الحادث، حسب ما تأكد بعد حوالي ربع ساعة من تفجير المقهى، أن عملا إرهابيا أودى بحياة 14 قتيلا و20 جريحا، من بينهم سياح أجانب، حسب حصيلة أولية للتفجير، الذي صدم جميع المتتبعين وأجج التساؤلات حول أسباب هذا العمل الإجرامي ودوافعه في ظرف يعرف فيه المغرب حركة احتجاجية تطالب بالقيام بإصلاحات سياسية ودستورية، من خلال حركة 20 فبراير. وفي الوقت الذي أوردت قصاصة لوكالة «رويترز» الإخبارية أن الانفجار هو نتيجة «اندلاع نيران في قنينة غاز بمقهى «أركانة» انفجرت وأصابت عدد من مرتادي المكان»، خرجت وزارة الداخلية، من خلال بلاغ تلاه وزير الداخلية الطيب الشرقاوي، ذكرت فيه أن الانفجار ناتج عن عمل إجرامي، مشيرا إلى أن هذا العمل الإرهابي تسبب في مقتل 14 شخصا، من بينهم 11 من جنسيات أجنبية و3 مواطنين مغاربة، وجرح 23 شخصا آخرين، إصاباتهم متفاوتة الخطورة، وأنهم يخضعون حاليا للعلاج في مستشفيات المدينة، قبل أن يؤكد أن الأبحاث جارية لتحديد هويات وجنسيات الضحايا ال11 الأجانب، في الحادث الشنيع. العثور على بقايا متفجرات بينما كانت سيارات الإسعاف تنقل الجرحى والمصابين إلى مستشفى ابن طفيل و»المامونية» والمستشفى الجامعي محمد السادس وإلى بعض المصحات الخاصة في المدينة الحمراء، عثرت مصالح الشرطة العلمية، التي كانت معززة بطاقم خاص من العاصمة الرباط، على بقايا متفجرة استُغِلّت في الحادث،وعلى أدوات التخلص منها، لينطلق مسلسل البحث الدقيق جدا تحت إشراف النيابة العامة، لتحديد هوية الجهة الفاعلة والوصول إليها في أقرب وقت ممكن. بعد حوالي ساعة، تقريبا، من الشروع في إيصال الجرحى إلى المستشفيات التي استقبلتهم و«أوقفت» عددا من العمليات الجراحية التي كانت مبرمجة في تلك الأثناء فور توصلها بالخبر، ارتفعت حصيلة عملية تفجير مقهى «أركانة» إلى 16 قتيلا ونحو 20 جريحا، من جنسيات مختلفة، حسب مصدر طبي موثوق. توقيف العمليات الجراحية داخل «ابن طفيل» انتقلت حالة «الهرج والمرج» التي سادت داخل مقهى «أركانة» إلى جل مستشفيات المدينة الحمراء فور وصول خبر الاستعداد لاستقبال العشرات من الجرحى والمصابين. فالطاقم الطبي في مستشفى ابن طفيل (سيفيل) وضع بعض أطره تحت تصرف قسم المستعجلات، بينما تأهّب البقية أمام الباب الرئيسي للمستشفى لاستقبال الضحايا، في حين شرع البعض في توفير الأدوية اللازمة ومتطلبات العلاج، كما استنفر المسؤولون عمال النظافة والحراس من أجل تنظيف القاعات والممرات وحراسة الأماكن بشكل دقيق، بينما تم إغلاق باب المستشفى في وجه الزوار... توقفت العمليات الجراحية وتوقفت الفحوصات الطبية للمرضى وتم تسخير عدد كبير من الطاقم الطبي، من دكاترة وأطباء وممرضين، لتقديم العلاجات والإسعافات الأولية للمصابين في تفجيرات مقهى «أركانة»، على أن يتم إدخال الحالات الصعبة والحرجة إلى غرفة العمليات في الحين.