هل يعتقد شبيلات حقا أم إنه يمعن في «الممانعة» إلى درجة ذرّ أي رماد في كل العيون، بما في ذلك عينيه هو شخصيا أن الذي تسبب في مقتل أكثر من 800 شهيد حتى الساعة، في قرابة 84 مدينة وبلدة وقرية في سورية، هو آمر آخر غير بشار الأسد؟ وإذا صح أنه كان غافلا عن هذه الجرائم، وعن قرارات حصار المدن واستخدام الرصاص الحي وقذائف الدبابات والمدفعية وهذا، بالطبع، لا يعقل ولا يستقيم فكيف يمكن أن يظل «موضع ثقة ومحبة شعبية»؟ وإذا كان هو الآمر الأول، أيا كانت فتاوى رجالات النظام حول مقدار الشدة الواجب اعتمادها ضد الحراك الشعبي، وأيا كانت تنويعات سفك الدماء أو التنكيل بالمواطنين، كيف يتقي شبيلات ربه، ويعتبر مطالب الشعب مشروعة، ويدعو الله أن يسدد خطى بشار الأسد، ويواصل الرهان على شخصيته... في آن معا؟ ولكن، من جانب ثان يخص مفهوم الممانعة الحقة، ما قول قادة الأمة «الممانعين» في التصريحات التي نسبتها صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية إلى رامي مخلوف، ابن خال الرئاسة وتمساح الاستثمار والأعمال الأشرس في سورية، بصدد العلاقة الوثيقة بين استقرار النظام السوري، واستقرار إسرائيل، وقوله بالحرف: «إذا لم يتوفر استقرار هنا، فلا سبيل إلى استقرار في إسرائيل»؟ وكيف لهم أن يفسروا ل«الأمّة»، دون سواها، أن النظام السوري «الممانع» هو ذاته النظام الضامن لاستقرار الكيان الإسرائيلي الذي يمانع ضده، وضد الولاياتالمتحدة بوصفها راعيته وحليفته الكبرى؟ ومن جانب آخر، كيف يحث أمثال شبيلات على اتخاذ مواقف تأييد «نبيلة» تجاه هذا النظام، إذا كانت رسائل أولي الأمر في النظام (وفي طليعتهم صيرفي الفساد والاستبداد الأول) يستجدي إسرائيل ويغازلها ويستجير بها... سواء بسواء؟ وما قول «الممانعين» في نظام «ممانع»، لكنه يمنح حق النطق باسم السلطة إلى رجل لا يشغل أية وظيفة رسمية في الدولة، ومقامه في التصريح والتهديد والوعيد لا ينهض إلا على كونه «ابن خال الرئيس، والرئيس ابن عمته»، كما صرح حرفيا في حواره مع «نيويورك تايمز»؟ هل هذه دولة تمانع، وبئس ما تمانع فيه وضده بالتالي، أم هي مافيا عائلية، وهي بالتالي تقاتل بمليارات رجل الأعمال الطفيلي، مثل مسدس «الشبّيح»؟ وحين يقول مخلوف: «سنقاتل حتى النهاية»، و«لدينا الكثير من المقاتلين»، و«يجب أن يعرفوا أننا حين نعاني، فإننا لن نعاني وحدنا»، و«يعرف كل واحد منا أننا لا نستطيع الاستمرار دون البقاء موحدين»، و«رغم أن الأسد له الكلمة الأخيرة، إلا أن السياسات تُرسم بقرار مشترك»... فهل يتحدث، هنا، عن دولة، أو حتى عن نظام دكتاتوري، أم عن ميليشيا وعصابة ومزرعة عائلية؟ وكان الأسد، في حوار شهير مع «نيويرك تايمز» يعود إلى أواخر سنة 2003، قد سُئل عن فساد ابن خاله، صاحب عقد الهاتف الخلوي الشهير آنذاك، فأجاب: «إنه سوري مثل أي سوري، وسواء أكان ابن خالي أم أخي أم صديقي أم أي شخص آخر، هنالك قانون سوري». والحال أن ذلك «القانون» هو ذاته الذي وضع خلف القضبان رجلا مثل رياض سيف، العضو الأسبق في ما يُسمّى «مجلس الشعب»، لأنه كشف عجائب ذلك العقد الفاضح. وأما العقد، أو «صفقة العصر» كما سُمي، فإن بنوده تضيِّع على الدولة السورية، خلال ال15 سنة الابتدائية في مدة العقد، ما قيمته 346 مليار ليرة سورية (حوالي 7 مليارات دولار أمريكي، آنذاك)، والشركتان المتعاقدتان، اللتان يمتلك الشخص ذاته غالبية أسهمها، تحققان أرباحا احتكارية وغير عادلة تبلغ 200 إلى 300 مليار ليرة سورية، وهي تعادل (رجاء الانتباه جيدا!) رواتب وأجور وتعويضات جميع العاملين في خمس وزارات، وزارات العدل والتعليم العالي والتربية والصحة والشؤون الاجتماعية والعمل، يعيلون ما يقارب المليون مواطن، على مدى 15 عاما! وأعمال مخلوف تنبسط على عشرات المؤسسات الكبرى والصغرى، المصرفية والعقارية والسياحية والصناعية والتجارية، وتتراوح أسهمه فيها بين 80 وخمسة في المائة، بينها «سيرياتيل» و«شام القابضة»، ومصارف «سورية الدولي الإسلامي» و«بيبلوس» و«الشركة الإسلامية للخدمات المالية» و«شام كابيتال» و«بركة»، وشركات «راماك للأسواق الحرة» وطيران و«غولف ساندز» و«نور للألبسة» و«الكورنيش للسياحة» و«البتراء للسياحة» و«فاتكس للأدوية» ومعمل حديد «إل تيل» و«أجنحة الشام للطيران» وراديو وتلفزيون «نينار»... وباختصار شديد، قالت إذاعة الBBC إن مخلوف يسيطر على 60 في المائة من الاقتصاد السوري، ولا يمكن لأية شركة أجنبية أن تقوم بأي استثمار في البلد دون موافقة أو إقامة نوع من الشراكة مع مخلوف، فكيف بالاستثمارات السورية في القطاع العام أو الخاص وفي مختلف حقول النشاط الاقتصادي، من صناعة قضبان الحديد إلى احتكار البرغل... طعام فقراء سورية الأوّل! والحال أنه ليس من عادة مخلوف أن يدلي بتصريحات للصحافة، بل تكاد هذه الرياضة تكون نادرة تماما بالنسبة إلى تمساح أشغال مثله، وهو أغلب الظن كسر الصمت لكي يبعث بسلسلة رسائل داخلية (تسير على منوال السلطة، في التهويل والترهيب)، وخارجية (إلى إسرائيل أولا، ورعاتها ثانيا)، ولكنها، كمثل جميع تكتيكات النظام حتى الساعة، تقلب السحر على الساحر، وتجعل فتى النظام المدلل أضحوكة لمظهر النظام مرة، وكاشفة لباطنه المخادع مرة أخرى، وتعبيرا عن التخبط والذعر واليأس واقتراب الساعة في كل المرات. ومع الاعتذار من إبراهيم طوقان، الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل، وانتفاء المقارنة كليا، فإن مخلوف «نيويورك تايمز» أشبه ب»صامت لو تكلما/ لفظ النار والدما. المحزن، في المقابل، أن يقتفي أثره أولئك الذين لا يكسرون الصمت إلا لكي يعلقوا المزيد من الآمال على وشاح السفاح، مكتفين بالترحّم على أرواح الضحايا، والله يحب «الممانعين»! انتهى/