لا تدور كرة القدم الفرنسية في الاتجاه الذي يشتهيه عشاقها. تراكمت الفضائح، انهارت المعنويات وفشلت الأقدام، الشيء الذي دفع ببعض المعلقين إلى عقد مقارنة بين هذا الوضع والحال العام لفرنسا. وللمرة الثانية، يقف مغاربيان من أصول جزائرية، فتاة ورجل، وراء بهدلة سمعة الكرة الفرنسية المستديرة. في المرة الأولى، انفجرت القضية على خلفية فضيحة من تحت الحزام جمعت كريم بنزيمة وفرانك ريبيري مع زهية، بائعة الهوى. منذ ذلك التاريخ، جرت مياه كثيرة تحت قناطر السين، استثمرت خلالها زهية صدرها الوافر للإشهار لرافعات النهد أو ل«السليبات»، فيما فشلت، وفي أكثر من مباراة، ركبتا ريبيري وبنزيمة أمام شباك الخصم! إن أنزلت زهية الذل على الفريق الوطني الفرنسي فإنها أساءت بنفس المناسبة إلى سمعة المغاربيات في فرنسا، وذلك تبعا للمثل المأثور: حوتة وحدة تاتخنز شواري...». وقس على ذلك بصنيع روبي المغربية ومساهماتهما في سهرات «بونغة بونغة» البيرلوسكونية. في المرة الثانية، أوقد محمد بلقاسمي، المدير التقني الوطني لكرة القدم في الأحياء الشعبية، عود الثقاب في حطب الفيدرالية الوطنية لكرة القدم بتسجيله وقائعَ الاجتماع الذي عقدته في 8 نوفمبر الماضي والذي أرخى فيه مسؤولون من الفيدرالية، من مدراء تقنيين ومدربين ومؤطرين... إلخ، أشداقهم لارتسامات عنصرية تخبرنا عن العقلية الاستعمارية التي لا زالت سائدة داخل الفيدرالية. خلال النقاش، طالب البعض بحصص تخصص للسود والعرب داخل الفريق الوطني الفرنسي بنسبة لا تتجاوز 30 في المائة، فيما أثار البعض الآخر غياب التقنية العالية داخل الفريق. أما مدرب الفريق الوطني الفرنسي، لوران بلان، فقد برر هذا العجز بالمتانة البدنية للاعبين السود، بمعنى أنهم غير صالحين لكرة القدم بل للعدو الريفي أو لحمل الأثقال! كما أثيرت قضية الهوية المزدوجة للاعبين العرب والأفارقة، وهو شيء يعتبره المدرب «غير معقول»، فيما المطلوب هو أن يكون اللاعبون فرنسيين «مائة في المائة»! في الثامن والعشرين من أبريل الماضي، نشر موقع «ميديابار» الإلكتروني محضر الجلسة وقامت القيامة. أول من عبروا عن استيائهم، بل استنكارهم، هم اللاعبون السود في مونديال 1989، أمثال ليليان تيرام وبازيل بولي وبومسونغ وباتريك فييرا وبيرنار لاما، قبل أن يلتحق بهم لاعب التنس السابق يانيك نوحا الذي يعتبر الشخصية الأكثر شعبية لدى الفرنسيين. واستغرب الجميع الخواطر والأفكار العنصرية التي صدرت عن لوران بلان الذي لعب في الفريق إلى جانبهم في هذا المونديال. لكن المثير للدهشة هو صمت اللاعبين الفرنسيين ذوي الأصول المغاربية القدامى والجدد الذين هم أيضا ضحايا هذا الميز العنصري؟ فلا زين الدين زيدان ولا كريم بن زيمة ولا عادل رامي... تشجعوا للتنديد بهذه العنصرية العلنية.. هل يخافون على مناصبهم أو على عقود الإشهار التي تدر عليهم أرباحا محترمة؟ أضعف الإيمان أن يصفق هؤلاء اللاعبون للعمل الذي أنجزه محمد بلقاسمي بفضحه من الداخل للفكر العنصري الكروي السائد داخل فيدرالية كرة القدم الفرنسية. غير أنه لا يجب عزل هذا المناخ عن المناخ السياسي العام السائد في مجموع فرنسا والذي يتميز بإنزال «الريدوات» في وجه الأجانب وبمد اليمين المتطرف الذي يركز على كثرة السود والعرب داخل الفريق الوطني الفرنسي. هذا مع التذكير بأن فرنسا لا تشكل استثناء في مجموع المجال الأوربي: بل نجد في العديد من ملاعب كرة القدم الأوربية صيحات المتفرجين تتعالى لتنادي على اللاعبين السود والعرب، لما يمسكون بالكرة، بأسماء حيوانات أو طيور! في ال18 من يونيو القادم، ستنتخب الفيدرالية الفرنسية لكرة القدم رئيسها الجديد، في وضع موبوء، أشد ما يميزه هو نهاية «أسطورة» كرة القدم الفرنسية التي كانت تقدم كفسيفساء وملتقى قزحيا لكل الأصول والإثنيات. لن يغير هذا الانتخاب شيئا من عقلية التمييز والإقصاء التي تمارس داخل الحلقات المفرغة للجامعة أو في الملاعب، وبالرغم من ذلك ستبقى الكرة تدور.