في عصر انتشرت فيه المعلومات بصورة رهيبة وتوسعت فيه العلوم وتطبيقاتها بصورة مذهلة، وفى زمن أصبحت سرعة تغيره وتطوره من أهم معالمه ومن ناحية أخرى، انتشرت فيه وسائل اللهو والترفيه وكثرت فيه مصادر الضوضاء والتشويش.. في هذا الزمن، صار كل واحد منا بحاجة إلى تدريب عقله على التركيز ليسلم من الشرود والتشويش. صار التركيز من أهم مقومات النجاح، والتركيز ما هو إلا توجيه الذهن إلى موضوع بعينه، توجيها كاملا، بأن تحصر تفكيرك في مشكلة في عملك وتنظر في جميع زواياها وجوانبها وتحلل وتقارن حتى تصل إلى الحل للمشكلة... غالبا، ما نتساءل عن الشيء الذي ينقص العديد من الأشخاص المتفوقين والمثاليين لتحقيق النجاح؟ فغالبا ما تتوفر الروح والعزيمة والعديد من الأفكار والمشاريع، بالإضافة إلى الفرص والإمكانات والاحتمالات أمامهم، ولكن، على أي حال، يميل البعض إلى إنجاز كل شيء مرة واحدة، وبالتالي، ينتهي المطاف بهذه المشاريع والأفكار منقوصة مع أجزاء غير منتهية. وما يجهله البعض هو أن تركيز الإنسان يتأثر بشكل مباشر بعاداته الغذائية، كيف، متى وماذا يأكل؟ كل هذا يمكن أن يقوي أو يضعف تركيز الشخص، وبالتالي قدراته في الدراسة أو في العمل وتساهم بعض العادات الغذائية في رفع معدل الاستيعاب والذكاء عند الإنسان بشكل عام وعند الطلاب بشكل خاص. وتتوفر بعض الأحماض الأمينية بكميات جيدة في الأسماك والبيض والدجاج والعدس، وتتحول إلى مركب يدخل في تغذية المخ. كما أن لفيتامين «ج» دورا مهما في تحسن الدورة الدموية وفي نقل الأوكسجين، فيؤدي ذلك إلى رفع مستوى الاستيعاب والذكاء ويزيد من التركيز، ويوجد بكميات كبيرة في عصير البرتقال والخضر، كما أن على الطلاب الحرص على استهلاك كمية جيدة من الماء، لأن شرب الماء مهم جدا في المحافظة على زيادة معدل التركيز والاستيعاب وأن للعطش دورا معاكسا في ذلك، حيث إن العطش، وخاصة في الصيف، يؤدي إلى انخفاض التركيز ويؤدي إلي الجفاف، ولذلك يجب توفير المياه بشكل ميسر وسهل للطلاب، حتى لا يتعرض التلميذ للصداع والإجهاد في حالة العطش. كما يجب الحد من تناول المنبهات، مثل القهوة والشاي والشوكولاطة، والتي تعطي مفعولا عكسيا وتقلل من الاستيعاب، وكذلك الحلويات والسكريات، التي تساهم في الإقلال من الاستيعاب والتركيز. فهناك دهون تقلل تدفق الدم إلى الأعضاء، بما فيها الدماغ، وبالتالي، تقل تغذية كل خلية في المخ، فأصبحنا نحمل خلايا الدماغ أكثر ونجعل كفاءتها أقل بالتغذية السيئة، وهو سبب النسيان وعدم التركيز. وكلما زادت الوجبات السريعة، قل التركيز. كما أن تناول السلطات يعد من أهم الأسس الصحية والمفيدة وينصح بتناولها قبل الشروع في تناول الأنواع الرئيسية، مثل الرز واللحم وغيرها، لأن تناول السلَطات، قبل غيرها من أنواع الطعام، يحافظ على الوزن، لأن السلطات تقلل من كمية السعرات الإجمالية للوجبة، فكمية السّلَطة، التي تشغل حيزا من المعدة، تقلل من تناول كمية مشابهة أخرى من الأطعمة الدسمة أو الغنية بالسعرات الحرارية بنسبة 12 في المائة. إن عملية تناول السلطات تحتاج إلى مدة أطول من المضغ، قبل بلعها، الأمر الذي يعطي مركز الشبع في الدماغ فرصة إرسال الإحساس بالشبع. كما أن عملية مضغ السلَطات تنظف الأسنان بشكل طبيعي وتقلل من ترسبات البكتريا ومن رائحة الفم. كما تقوم بتدليك طبيعي للثة الأسنان وتنشط الدورة الدموية فيها، إضافة إلى أن السلَطات، بأنواعها، تنظف الجهاز العظمي من الترسبات البكترية وغيرها وتدفع بكل ما فيها إلى الخارج وتقلل من الكولسترول. وتؤكد الدراسات أن التركيز والتغذية تربطهما علاقة حتمية، حيث أن تأثير العناصر الغذائية المختلفة يختلف تبعا لأدوارها ووظائفها وأهميتها لجسم الإنسان، فسكر الغلوكوز، مثلا، هو الوقود الرئيس للطاقة في خلايا المخ، لذا يتأثر عمل الدماغ إذا لم يتم تناول كميات كافية منه، مما يؤدي إلى الإحساس بالخمول والتعب، بالإضافة إلى ضرورة المحافظة على تناول وجبة إفطار جيدة في بداية اليوم، ليحصل الدماغ على حاجته من الطاقة. ويعد الحديد من العناصر المهمة التي تساعد الطلاب على التركيز والمثابرة في الدراسة، ويؤثر نقصه سلبيا على الأداء الدراسي والتحصيل والاستيعاب. كما أن فقر الدم، الناتج عن نقص الحديد ينتشر عند أطفال المدارس فتنتج عنه مشاكل صحية، منها قصور النمو الحركي واللغوي والاستيعاب والتحصيل الدراسي. وينتج نقص الحديد غالبا عن قلة أو عدم تناول الأغذية التي تساعد على امتصاص الحديد في الجسم، فالغذاء يزيد من الاستيعاب والتركيز، وسوء التغذية، الذي هو عبارة عن سوء التعامل مع الغداء يبقى العامل الأول الذي يتحكم في مستوى التركيزالبشري. لهذا، تبقى التغذية السليمة من الأولويات التي يجب الاهتمام بها، لأننا نأكل لكي نعيش بصحة جيدة ولا نعيش لكي نأكل. وهنا، ننصح الآباء بالحرص على تعليم أبنائهم عادات غذائية سليمة، لأن عاداتنا الغذائية هي موروث وجب الحفاظ عليه. كما نحافظ على الموروث الثقافي، لأن لكل امة ثقافتها، كما أن لكل أمة عاداتها الغذائية، والتي تدخل في هوية الوطن، فتقليد عادات غذائية دخيلة لا يعد رمزا للتقدم والافتخار، لأن المواد المصنعة أصبحت «قنابل موقوتة»، والأخطر أن الأعراض تظهر على المدى البعيد أو المتوسط، مما يجعل البعض يهمل هذا الجانب. فبأبسط الأشياء، يمكن أن نكون نظاما غدائيا سليما ومجتمعا سليما ونقوي طموحاتنا وطموحات فلذات أكبادنا، فلنحاول أن نراجع أنفسنا ونتبنى عادات غذائية سليمة.. ولا تنسوا أن المرض وارد والشفاء مطلوب والوقاية خير من العلاج... محمد أحليمي rf.evil@teiddem أخصائي في التغذية