رجعت موريتانيا بعد عدة أشهر من الديمقراطية إلى نادي الدكتاتورية العربية. لم يحتمل الجيش 16 شهرا من حكم رئيس منتخب اسمه عبد الله ولد الشيخ جاء إلى كرسي رئاسة الجمهورية في انتخابات شفافة ومفتوحة بعد أن لقي دعما من قبل كبار ضباط الجيش الموريتاني... الانقلاب الأبيض الذي أطاح بمعاوية ولد الطايع قبل ثلاث سنوات، والذي قاده الجنرال علي ولد فال الذي سلم السلطة للمدنيين بعد إصلاحات عميقة مست دستور البلاد وقوانينه.. هذا الانقلاب عوض أن يشكل نهاية لمسلسل تدخل الجيش في الحياة السياسية، ويترك الصراع على السلطة يمر عبر صناديق الاقتراع.. أصبح هذا النوع من الانقلابات ذريعة للتدخل في كل مرة يرى فيها العسكريون، وليس الشعب، أن رئيس الجمهورية خرج عن الطريق المرسوم له. الانقلابيون الجدد يعيدون ترديد نفس الشعارات التي حملها علي ولد فال: «إنقاذ البلاد من الحكم الفاسد ومن التسلط». لكن هناك فرق كبير بين تسلط ولد الطايع الذي جاء إلى السلطة عبر انقلاب عسكري و»تسلط» ولد الشيخ الذي جاء إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، ولا يمكن للمؤسسة العسكرية أن تصبح «حارس المعبد الديمقراطي»، وأن تتدخل في كل مرة لا يعجبها قرار الرئيس بدعوى إرجاع الديمقراطية إلى مكانها... إن الرئيس الجديد ارتكب مجموعة من الأخطاء في طريقة تدبيره للسلطة، بدءا من اعتماده على دعم العسكر في الانتخابات، مرورا بتأسيس حزب موال له، وهو ما يمنعه الدستور، وصولا إلى وضع أفراد عائلته في مواقع السلطة والنفوذ... رغم كل هذه الأخطاء في تدبير السلطة في بلاد من العالم الثالث مازالت تتعلم أصول اللعبة الديمقراطية، فإن الانقلاب على ولد الشيخ غير مبرر وغير شرعي، لأن الصناديق التي أتت به إلى السلطة هي الكفيلة بإسقاطه، وليست بنادق العسكر هي ما يعول عليه لتصحيح هذا الوضع. إن الدرس الذي يستخلص من الحالة الموريتانية هو أن الديمقراطية لا تأتي على ظهور الدبابات وأكتاف الجنرالات، وأن الديمقراطية التي لا تنبت في أرض المجتمع وتحولاته لا تنزل من سماء العسكر أو نجوم الخارج.. الديمقراطية شجرة جذورها تنبت في الأرض وليست نبتة حائطية توضع اليوم في مكان وتنقل غدا إلى مكان آخر...